الاثنين 9 آب (أغسطس) 2010

العدوان مستمر علينا : خرائطهم ومصائرنا

الاثنين 9 آب (أغسطس) 2010 par د. بثينة شعبان

تعيش شعوبنا في منطقة أصبحت الهدف السهل لمروجي الحروب، الذين ينشرون دون رادع الألم والدمار والحصار وسفك الدماء. لقد أصبحنا ميدان التجارب الغربية على التعذيب والاغتيال، حيث تكال التهم لنا في البداية «بامتلاك الأسلحة» و«احتواء الإرهاب»، و«تهديد الأمن والسلم الدوليين» قبل أن يشنوا حروبهم الدولية على مدننا، ومن ثم يتم تشكيل لجان تحقيق إعلامية بعد الحروب لتمحص حقيقة ما قيل، ولكن دون أي نتائج يمكن أن تعيد لشعوبنا ما فقدوه من أعزاء وأمن ومستقبل. والحرب على العراق تمثل أنموذجاً لادعاءات وافتراءات تم تسويقها إعلامياً وسياسياً في حينها وكأنها الحقيقة الملحة التي تتطلب «العلاج السريع» الذي من دونه سيشكل العراق «تهديدا للأمن والسلم الدوليين» وخاصة «لأمن الولايات المتحدة». وتم تصوير الجيش العراقي وكأنه «رابع جيش في العالم» وتم اختراع قصة «أسلحة الدمار الشامل»، وها هي الوقائع تثبت اليوم أن «الإرهاب» لم يكن موجوداً في العراق قبل الحرب بل فتح الغزاة له الأبواب بسبب الفوضى التي نشروها هناك، وأن وجود أسلحة الدمار الشامل كان كذبة كبرى، وها هي إليزابيث مانينغهام بولر المديرة السابقة لجهاز الاستخبارات البريطاني تؤكد أمام لجنة التحقيق المسماة «شيلكوت إنكويري» : «مشاركتنا في الحرب على العراق أدت إلى زيادة الأصولية الدينية في جيل كامل من الشباب الذين اعتبروا أن مشاركتنا في الحرب على العراق وأفغانستان هجوم على الإسلام» وتضيف : «لم يكن هناك أي معلومات استخباراتية مؤكدة عن وجود علاقة بين العراق و(القاعدة)، وهذا كما أعتقد كان رأي الـ (سي آي إيه)». وها هو نائب رئيس وزراء بريطانيا الأسبق اللورد بريسكوت يقول في الشهادة التي أدلى بها أمام لجنة التحقيق نفسها : «إن المعلومات التي قدمتها أجهزة الاستخبارات عام 2002 أثارت أعصابه وكان بعضها مبنياً على القيل والقال». لقد أظهرت لجنة التحقيق البريطانية (شيلكوت) دون أي مجال للشك عبثية قرار الحرب على العراق وأنه تم دفع بريطانيا بطريقة ما للدخول إلى هذه الحرب (جريدة الإندبندنت البريطانية 31 يوليو/ تموز 2010). منذ سنوات وهانز بليكس، كبير مفتشي الأمم المتحدة في العراق، يدحض أكذوبة وجود أسلحة الدمار الشامل ويؤكد مرة تلو الأخرى أن الحرب لم تكن قانونية أو ضرورية على الإطلاق.

من هم هؤلاء الذين استمروا في دق طبول الحرب إلى أن وقعت؟ وما هي مصادر معلوماتهم؟ ولماذا شنوا هذه الحرب؟ وكيف يجب أن تتم محاكمة المسؤولين عنها؟ هذه الحرب ليست كلمة من ثلاثة حروف فقط، بل هي دمار وخراب وألم ومعاناة لا توصف لعشرين مليون عراقي يعيشون اليوم دون أمن أو كهرباء أو خدمات أو تعليم أو حياة طبيعية. هذا عن الأحياء، إذا لم نتوقف عند مليون أرملة وأربعة ملايين يتيم ومليون عراقي قتلوا وأكثر من مليون معوق وخسائر فادحة أصابت بلاد ما بين النهرين. كيف يمكن أن يفلت مجرمو الحرب من العقاب؟ لا بل وكيف يستمر هؤلاء وأمثالهم بتسيير شؤون الحرب في أفغانستان وباكستان، لا بل ودق طبول الحرب ضد إيران وشن الاعتداءات المتكررة على لبنان والتدمير اليومي لحياة الفلسطينيين؟!

لعل أحد أسباب استمرار هؤلاء بشن الحروب على شعوبنا هو عدم الجرأة في اتخاذ مواقف حاسمة في متابعة المعتدين، ليس لكي يعتذروا عن جرائمهم، بل لكي يدفعوا ثمن هذا الاعتداء، بحيث يرتدعوا في المرات القادمة عن اتخاذ قرارات حرب عشوائية تجلب الكوارث على ملايين البشر دون أدنى شعور بالمسؤولية. وإذا تم السؤال عن مثال إيجابي في هذا الصدد فإن الموقف التركي من الاعتداء «الإسرائيلي» على سفينة مرمرة هو موقف يدل على أن الشعوب يمكن أن تصل إلى حقوقها إذا ما أصرت. فها هي «إسرائيل» المتعنتة تعيد السفن الثلاث إلى تركيا وتقبل بأن تشارك في لجنة تحقيق دولية، وهي صاغرة، وسوف تطالبها تركيا بالاعتذار والتعويض لأهالي الشهداء. ولكن وبينما تصلنا هذه الأخبار نراقب الدمار الذي سببته، ولا تزال منذ عام 2003، الحرب على العراق، والدمار الذي سببه العدوان «الإسرائيلي» الغاشم على لبنان عام 2006، والقتل والتدمير المستمرين بسبب الحرب «الإسرائيلية» على غزة، ونجد أن إعادة الإعمار في لبنان تجري بمعزل عن مطالبة من تسبب بكل هذا الدمار أن يكون هو المسؤول عن إعادة الإعمار وأن تضطر «إسرائيل»، كما اضطرت في الحالة مع تركيا، إلى التعويض لكل متضرر من حروبها.

هذا هو الأسلوب الوحيد الذي يمكن أن يجبر المطبلين للحروب أن يفكروا أكثر من مرة وأن يترددوا وأن يدققوا قبل أن يستسهلوا شن الحروب على شعوب آمنة بذرائع واهية لا ترقى حتى لمستوى «القيل والقال». إذا كانت هذه الحروب تشن باسم «الديمقراطية» و«الحرية» و«حقوق الإنسان»، فليحاول أحد اكتشاف نوعية الحياة التي تعيشها هذه الشعوب الواقعة تحت الحرب. إذا كان نوع ومستوى الحياة هو الهدف فإنه لا يمكن لأحد أن يدعي أن الحروب تحقق الحرية أو الكرامة أو الأمن والاستقرار بل هي تقوض الأسس المتينة والمعروفة لحياة إنسانية أفضل. تبدو نتائج أعمال لجان التحقيق في الحرب على العراق وكأنها منفصلة تماماً عن الاستمرار بالحرب الخاسرة في أفغانستان، وعن دق طبول الحرب على إيران، والاعتداءات المتكررة على أمن وسيادة لبنان، والحرب المستمرة على غزة. إن الحرب قائمة دائماً في منطقتنا وقد يخبو فتيلها تارة هنا فقط ليعود ويشتعل تارة أخرى في مكان آخر. المرأة في العراق كانت الضحية الأبرز للحرب الأميركية على بلدها، رغم تشدق المحافظين الجدد بحقوق المرأة وحريتها، وكذلك فإن مصير المرأة الأفغانية يؤكد أنها من أكثر ضحايا الحرب على أفغانستان تضرراً. وإذا كانت هذه الحروب أيضاً تلتهم أبناء من يشنونها، فالسؤال البديهي هو: من هو صاحب المصلحة بقرع طبول الحرب واستمراريتها رغم كل الخسائر والأهوال التي تتسبب بها؟

إن من يروج دوما لكل هذه الحروب على شعوبنا هو الكيان «الإسرائيلي» لأنه قائم على التطرف والقتل والاستيطان والاحتلال والإرهاب والاغتيال، وإن الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تردع هذا الكيان هي من خلال إرغامه على دفع ثمن كل ما تسبب به من دمار وخراب في لبنان وفلسطين والعراق، تماماً كما تفعل تركيا دون مهادنة أو استكانة. آنذاك فقط سوف تنخفض أصواته الداعية للحرب والترويج لها الذي يدأب عليه في السر والعلن من أجل شن هجوم على هذا البلد العربي أو ذاك البلد المسلم. إن مهمة لجان التحقيق ليس فقط أن تكتشف «الأخطاء» التي نجمت عنها الحروب ولكن أن تتابع أسباب وأهداف هذه «الأخطاء» وأن يتكبد الذين روجوا لها ثمن أكاذيبهم، وأن تقوم البلدان المعتدية بمحاسبة مجرمي الحروب، وبدفع كل التعويضات لضحاياها، وإعادة إعمار كل ما هدمته حروبها. متى يتمّ تشكيل لجنة للتحقيق بجريمة نشر مليون قنبلة عنقودية في جنوب لبنان قبل أن يضطر الكيان «الإسرائيلي» إلى وقف الحرب عام 2006؟ هؤلاء هم أنفسهم الذين روجوا للحرب على العراق ويستمرون بإذكاء حرب خاسرة في أفغانستان، فمتى تطالهم العدالة الدولية الحقيقية ويصبح الطريق للحرية والأمن هو طريق السلام والاستقرار، وليس الطريق الذي تشقه المدافع والدبابات والصواريخ المعتدية على شعوب آمنة تحلم بالعيش بحرية وكرامة وسلام؟

متى يتعلم هؤلاء المخططون والمروجون للحروب أن الخرائط التي يخططون عليها هجماتهم مليئة، هنا في الواقع الحي، بالأرواح والعوائل والمجتمعات، وليست أرضنا صحراء خالية من البشر ليمطروها بوابل حقدهم عليها؟ متى يدركون أن الإشارات على خرائطهم لشن هذه الحروب تدمر حياة ومصائر الملايين من البشر، ومن ثم يستكثرون حتى الاعتذار عن جرائمهم. في العدوان «الإسرائيلي» الأخير على لبنان عادت واشنطن والأمم المتحدة وتبنت الكذبة «الإسرائيلية»، مع أن «إسرائيل» هي المعتدية دوماً على لبنان. الخطر الحقيقي يكمن في مصدر المعلومات الذي تشن على أساسه الحروب ويشكل الكذب «الإسرائيلي» ركيزة أساسية له. فليراقب العالم اليوم كذبهم عن «التهديد» الذي يسببه هذا السلاح أو ذاك المشروع كتكفير على الأقل عن كذبهم المثبت في الماضي القريب حول العراق.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 72 / 2181821

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

6 من الزوار الآن

2181821 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40