الجمعة 6 شباط (فبراير) 2015

“إسرائيل” ولبنان وسياسة توازن الرعب

الجمعة 6 شباط (فبراير) 2015 par رغيد الصلح

قدم افيغدور ليبرمان، وزير الخارجية “الإسرائيلية”، عندما دعا إلى اعتماد سياسة “اللاتناسبية” (disproportionality) في محاربة أعداء “إسرائيل”، سبباً جديداً إلى ناقديه لاتهامه بالخفة والافتقار إلى الخبرة الدبلوماسية . ف“إسرائيل” لم تكف عن استخدام هذه السياسة في إطار صراعها مع الدول العربية . ففي عام 2008 أي بعد سنتين من حرب “إسرائيل” ضد لبنان، أكد قائد المنطقة العسكرية “الإسرائيلية” في الشمال هذه النقطة عندما صرح في حديث إلى صحيفة “يديعوت احرونوت” “إلاسرائيلية” أن القوات التابعة له “. . سوف تطبق هذه السياسة بكل قوة بحيث يلحق بالقرية اللبنانية التي ينطلق منها أي عمل عسكري ضد”إسرائيل“دمار يفوق بأضعاف الدمار الذي أصاب”الإسرائيليين“، وأضاف قائلاً:”إن هذه السياسة ليست بالاقتراح، إنها تنفيذ لخطة مقررة" .
دأبت “إسرائيل” على تنفيذ هذه السياسة طيلة العقود الماضية، إلا أن قيام المقاومة اللبنانية في جنوب لبنان أضعف فاعلية هذه السياسة . هل يعني ذلك أن “إلاسرائيليين” تخلوا عنها؟ هل دخلنا مرحلة توازن رعب “إسرائيلي” - لبناني؟ حتى الآن، عزز امتناع “إسرائيل” عن الرد على عملية شبعا التي نفذتها المقاومة اللبنانية الشعور بأننا نقف على أبواب هذه المرحلة، هذا إذا لم نكن قد دخلناها فعلا . فهل هذا الشعور في محله؟
إن فريقاً واسعاً من اللبنانيين يرى أن الصراع بين لبنان و“إسرائيل” مفتوح على احتمالات كثيرة ومتنوعة، وأن اللاتناسبية لم تعد تنفع “إسرائيل” كما كانت تنفعها في السابق، ولكنها لن تتخلى عنها بسهولة لأنه داخل في صلب عقيدتها العسكرية . من هنا كانت الدعوة إلى “عدم تقديم المبررات والذرائع لاسرائيل للعدوان على لبنان” .
يتبنى البيان الذي أصدرته الحكومة اللبنانية بعد عملية مزارع شبعا هذه النظرة، إذ دعا إلى “الحرص على الأمن والاستقرار في الجنوب” وإلى تفويت الفرصة على العدو “الإسرائيلي” بجر لبنان إلى مواجهة واسعة تهدد دول المنطقة وشعوبها والسلم الإقليمي برمته “وذهبت قوى الرابع عشر من آذار إلى أبعد من ذلك، إذ جددت مطالبتها بإعادة قرار الحرب والسلم في لبنان إلى حضن المؤسسات الشرعية وحكم القانون، بعيداً عن”موازين قوى تفرضها دوائر القوى الإقليمية" .
لا يختلف موقف المقاومة كثيراً عن موقف الحكومة اللبنانية إذ إنها هي أيضاً حاولت الابتعاد عن اعطاء العدو فرصة للعدوان على لبنان، ولكنها في الوقت نفسه لا تملك خيار “اللا-رد” لأن كلفته الاستراتيجية عالية بالنظر إلى أثره السلبي أولاً على العلاقة مع القاعدة الحاضنة لها، ولأنه سوف يشكل سابقة تسعى المقاومة إلى إضعاف مفعولها في صراعها مع “إسرائيل”، ومن هنا كان الحرص على استهداف “الإسرائيليين” في شبعا بما يشكل استمراراً لنشاطها السابق ضد قوات الاحتلال وليس فتحاً لصفحة جديدة فيه في منازلة القوات “الإسرائيلية” في فلسطين المحتلة نفسها .
تبقى مسألة قرار الحرب والسلم ودور القوى الإقليمية فيها، وهي مسألة ربما يفضل حزب الله وكتلة المستقبل مناقشتها، في جلسات حوار مغلق، نظراً لحساسيتها . ما عدا ذلك وحتى الآن، فإن القوى الرئيسية في السياسة اللبنانية تبرهن على قدرة فائقة على طرح الأسئلة التعجيزية على الأطراف المحلية المنافسة والمناوئة لها، ولكنها تعبّر عن قصور في الرد على أسئلة تجول في عقول اللبنانيين بصدد مستقبل لبنان في هذه الظروف الراهنة التي تمر بها المنطقة .
صحيح أنه ليس من الجائز أن يقدم طرف لبناني رئيسي الحجة إلى “إسرائيل” لكي تعتدي على لبنان وعلى أهله، ولكن هل يصح أن يتحول هذا الموقف إلى المرتكز الرئيسي للسياسة الدفاعية التي يعتمدها لبنان في مواجهة “إسرائيل”؟ وهل تنفع هذه السياسة في ردع “إسرائيل” عن محاولة وضع يدها على “ما تيسر” من موارد لبنان الطبيعية بدءاً بالمياه ومروراً بالغاز والنفط في مياه شرق المتوسط؟ أما مسألة قرار الحرب والسلم، فإنه من البديهي أن يكون قرار عموم اللبنانيين وعبر مؤسساتهم الشرعية المنتخبة، ووفق الضوابط والأصول الدستورية . ولكن لو افترضنا أن الأجواء قد تحسنت فانتخب رئيس للجمهورية وعادت الحياة إلى البرلمان، ودبت الحياة في سائر مفاصل الدولة . فما الأساس الذي تبني عليه المؤسسات الشرعية قرار الحرب والسلم؟
إن موازين القوى هي التي تقرر، إلى حد بعيد، سياسة أي دولة تجاه الكيانات المجاورة والأخرى . وموازين القوى الراهنة بين الدولة اللبنانية و“إسرائيل” تميل بقوة لمصلحة “إسرائيل” . ومن المفروض أن يؤثر هذا الواقع على قرار أصحاب القرار في لبنان، وأن يبتعدوا بالتالي، كما يرغب “الإسرائيليون”، عن تبني أي سياسة أو موقف يهدد مصالح “إسرائيل” . فإذا أصر لبنان على تبني مثل هذا الموقف الأخير تلجأ “إسرائيل” عندها إلى ابتزاز اللبنانيين عبر التلويح باستخدام القوة المفرطة واللاتناسبية ضد لبنان . هذا ما حدث بالضبط عام 2002 عندما هددت حكومة أرييل شارون لبنان بالحرب إذا مارس حقه في الافادة من مياه نهر الوزاني .
في ظل الوضع الراهن، ماذا تعني الدعوة إلى إعادة قرار الحرب والسلم بصورة حصرية إلى الدولة اللبنانية؟ إنها تعني حشر الدولة وأصحاب القرار في وضع يضطرون فيه إلى المفاضلة بين أمرين أحلاهما مر: إما تبني سياسة المقاومة من دون أن تتوافر أدواتها، أو القبول ببسط “السلام”الإسرائيلي“” على لبنان . ما العمل إذاً؟
إن الحل الوطني السليم يقضي بأن يعمل اللبنانيون بسرعة على تغيير موازين القوى لمصلحتهم بحيث يشعر “الإسرائيليون” بأن للحرب ضد لبنان كلفة باهظة لن يتحملوها بسهولة . هذا يأتي عادة في إطار استراتيجية دفاع شامل تتبعها العديد من الدول الصغيرة التي تواجه دولاً أقوى منها عسكرياً . الخطوة الأولى في هذه الاستراتيجية عادة هي تطبيق خدمة العلم . وهذا الخيار هو اليوم في يد اللبنانيين وأصحاب القرار بينهم .
إن تطبيق خدمة العلم كخطوة أولى من استراتيجية الدفاع الوطني الشامل لا يضيق الفجوة بين قدرات “إسرائيل” العسكرية من جهة، وقدرات لبنان من جهة أخرى، ولكنه يساعد على تحصين لبنان ضد الجماعات الإرهابية التي تهدد أمن واستقرار ومستقبل المنطقة وتحرمها من التنمية المستدامة والاصلاح السياسي . إن الفجوة بين الجيشين “الإسرائيلي” واللبناني كبيرة ولكن ليس إلى درجة لا تردم خاصة على صعيد إمكانات الحشد والتعبئة والتجنيد . من هذه الناحية فإن “غلوبال فاير باور”، التي تقدم معلومات وتحليلات لقوة الجيوش في العالم، تصنف الجيش “الإسرائيلي” بالقوة الرابعة والثلاثين في العالم بينما يحل الجيش اللبناني في المرتبة التاسعة والثلاثين وذلك من أصل 106 دول في العالم . إذا طبق لبنان خدمة العلم فإن بإمكانه ردم هذه الفجوة مع “إسرائيل” . وهذه خطوة أولية من خطوات كثيرة تسمح للبنان بحماية سيادته ونظامه الديمقراطي ومجتمعه المفتوح والتعددي وسيره المتوازن على طريق التحديث والتنمية .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2165274

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع وفاء الموقف  متابعة نشاط الموقع رغيد الصلح   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

6 من الزوار الآن

2165274 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010