الأربعاء 21 كانون الثاني (يناير) 2015

تفكير في خبر سار

الأربعاء 21 كانون الثاني (يناير) 2015 par فهمي هويدي

الصحفيون الذين رافقوا الرئيس عبدالفتاح السيسي في رحلته إلى دولة الإمارات نقلوا عنه بعض الأخبار المهمة، كان المفرح منها قوله إنه سيتم الإفراج قريبا عن مجموعة من الشباب الذين ألقي القبض عليهم دون ذنب أو نسبت إليهم اتهامات بسيطة. وهي خطوة طيبة لا ريب، تستدعي مجموعة من الملاحظات ألخصها فيما يلي:
إن ذلك الخبر السار سمعناه من الرئيس مرتين على الأقل خلال الأشهر الأخيرة. ورغم أنه لم يحدد موعدا لإطلاق سراح أولئك الشبان. إلا أنه قال إنه طلب من وزير الداخلية دراسة حالات المحتجزين تمهيدا للإفراج عنهم. وربما كان الجديد هذه المرة أنه وعد بأن يتم ذلك قبل حلول الذكرى الرابعة لانطلاق الثورة في 25 يناير، ولا أظن أنه أراد أن تتم تلك الخطوة بمناسبة عيد الشرطة التي تحل في نفس اليوم، خصوصا أن الشرطة هي من اعتقلتهم وألقتهم في السجون طوال الأشهر الماضية. وأرجو أن يكون حظ أولئك الشبان أفضل من مصير قانون التظاهر الذي رفضه الجميع في مصر، في إجماع نادر، وقيل لنا إن الرئيس وافق على تعديله، لكن هذه الخطوة تأجلت لأن المؤسسة الأمنية ارتأت أن توقيت التعديل غير مناسب، وهي معلومة أكد صحتها أن ذلك الكلام لم يصوب، وأن التعديل المنشود لم يتم ولا يزال مؤجلا إلى توقيت غير معلوم.
< إنني أفهم أن قرار إطلاق سراح بعض المسجونين في بعض المناسبات والأعياد تقليد أريد به إشاعة الفرحة ومكافأة حسن السير والسلوك منهم من خلال الإفراج عنهم قبل انتهاء مدة العقوبة المقررة. ومن هذه الزاوية يصبح انتظار المناسبة مفهوما، إلا أن وضع المظلومين الذين اعتقلوا بغير ذنب أو ارتكبوا ذنبا يمكن التسامح معه، هؤلاء وضعهم مختلف تماما. حيث لا مبرر لانتظار المناسبة أو ترقبها، لأن كل يوم يقضونه في السجن هو تكريس لمظلوميتهم وإمعان في التنكيل بهم.
< إن الكلام يعني أن الرئيس يعلم أن شبانا تم اعتقالهم منذ عدة أشهر بغير ذنب جنوه. وأن هناك آخرين تم اعتقالهم لأسباب تافهة ما كانت تستحق أن يذلوا وأن تضيع عليهم فرص الانتظام في دراستهم جراءها. وإذا كان لنا أن ننتقد التأخير في فرز حالاتهم وإطلاق سراحهم، فإن السؤال الأهم والأجدر بالبحث هو لماذا اعتقلتهم الشرطة أصلا، ولماذا قررت النيابة استمرار حبسهم ثم تمديد ذلك الحبس مرة بعد مرة، والمشهد من هذه الزاوية يفتح الباب واسعا لتساؤلات أخرى تبعث على الحيرة والبلبلة تكشف عن عورات تسيء إلى النظام القائم ولا تشرفه. هذه التساؤلات تتعلق بضوابط القبض العشوائي، وحدود الحبس الاحتياطى الذي عدل القانون لإطلاق مدته، بحيث أصبح غطاء قانونيا للاعتقال والتعسف في التنكيل بالخلق، تشمل تلك التساؤلات أيضا مدى استقلال النيابة وعلاقتها بجهاز الأمن الوطني، بعدما كشفت الممارسة عن أن تحديد الحبس يتم استنادا إلى توجيهات جهاز الأمن التي ينفذها وكلاء النيابة دون مناقشة.
< شيء جيد أن يتقرر الإفراج عن الشباب الذين اعتقلوا ظلما خلال الفترة الماضية. ولكن إذا كانت تلك الخطوة تتم في إطار رفع الظلم عنهم وتخفيف التوتر الحاصل في محيطهم، فإن ذلك يسوغ لنا أن نلفت الانتباه إلى وجه آخر للمشكلة، ذلك أن حملة الاعتقالات العشوائية التي كان الشباب من ضحاياها طالت غيرهم أيضا. أعني أن الذين دفعوا بهم إلى عربات الأمن أثناء المظاهرات مثلا لم يدققوا في هوياتهم ولا شغلوا بأعمارهم. وهو ما يسوغ لنا أن نتساءل عن مصير مظلومين آخرين من غير الشباب جرى التنكيل بهم ودمرت حياتهم وأسرهم بسبب احتجازهم في ظروف مماثلة تماما لتلك التي تعرض لها الشباب المنوي الإفراج عنهم.
< إذا جاز لي أن أكون أكثر صراحة فإنني أخشى أن يكون وراء الاتجاه إلى الإفراج عن الشباب المظلومين سبب آخر غير إنصافهم ورفع المظلومية عنهم. كأن يكون الهدف من الرسالة هو استرضاؤهم في ظروف اقتراب ذكرى الثورة والانتخابات البرلمانية. وقد عن لي ذلك الخاطر حين لاحظت عدم إشارة التصريح سابق الذكر إلى غير الشباب. وكأن الظلم كان من نصيب الأولين وحدهم، يؤيد الظن الذي ذهبت إليه أن الصوت العالي لعناصر النخبة الموالية يمضى في ذات الاتجاه. أي أنهم يطالبون فقط بالإفراج عن الشبان الذين ألقى القبض عليهم جراء دعوتهم للاحتجاج على قانون التظاهر، وهو مطلب مشروع لا ريب ينبغي أن يصطف حوله الوطنيون في مصر، ولكن المطلب الأخلاقي الأكثر مشروعية أن يصطف أصحاب الضمائر الحية وراء الدعوة إلى إقامة العدل الذي يعمم الإنصاف على كل المظلومين بغض النظر عن هوياتهم وأعمارهم.
< الملاحظة الأخيرة أنني أخشى أن يفهم من تصريح الرئيس السيسي أنه هو من سيصدر قرار الإفراج المنتظر، ليس فقط لأنه لا يملك هذه السلطة من الناحية القانونية، وإنما أيضا لكي لا يظن أنه هو من أصدر أوامر الاعتقال. ذلك أن الرئيس له الحق في أن يعفو عن بعض الذين صدرت ضدهم أحكام بالسجن، أما الذين لا يزالون تحت التحقيق ولم تصدر بحقهم أية أحكام فمصيرهم متروك للقضاء الذي له وسائله في تقدير القرار المناسب. وفي القضايا السياسية التي هي موضوعنا، فإنه يسترشد برأي الأجهزة الأمنية التي لا تستطيع تجاهل توجيهات الرئيس.
غدا.. لنا كلام آخر مع بقية تصريحات الرئيس.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2166019

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع فهمي هويدي   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

28 من الزوار الآن

2166019 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 27


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010