السبت 17 كانون الثاني (يناير) 2015

مناهضة فرنسا للإرهاب والعنصرية كاريكاتيرية

السبت 17 كانون الثاني (يناير) 2015 par د. عصام نعمان

لا أدري كيف يفسر الرئيس فرانسوا هولاند قيام صحيفة “شارلي إيبدو” بتكرار التطاول الكاريكاتيري على الرسول صلى الله عليه وسلم، وإقبال أكثر من خمسة ملايين فرنسي على ابتياع نسختها السفيهة . هل فعلة الصحيفة فعل إيمان بحرية الرأي أو فعل ممارسة فاضحة للعنصرية؟ أليست فعلة الصحيفة استفزازاً للمسلمين عموماً، وللإسلاميين المتطرفين خصوصاً ومُرضعة سخية للإرهاب والعكس صحيح أيضاً؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا تتغاضى الحكومة الفرنسية عن العنصريين والإرهابيين وتتظاهر، بشكل كاريكاتيري، أنها تناهض الفريقين؟
تتحسب فرنسا منذ سنوات لهجمات يشنّها إسلاميون “إرهابيون” في عمقها، وتعلّم أن بعضاً من هؤلاء أسهمت أجهزة استخباراتها في تصديرهم إلى ساحات الاقتتال والقتل في سوريا والعراق، وأن بعضهم الآخر سوف يعود ويرتدّ عليها ويضرب في عقر دارها . مع ذلك بدت فرنسا، كما غيرها من دول أوروبا، كأنها فوجئت بالمجزرة التي نفذها الأخوان شريف وسعيد كواشي بحق محرري ورسامي الصحيفة الساخرة في قلب باريس .
تعلم الاستخبارات الفرنسية، وقبلها الأمريكية، أن الأخوين كواشي مرتبطان بداعية أصولي هو أبو بكر حكيم في تونس يتولّى تجنيد وتدريب “الإرهابيين” من الفقراء والمهمشين والعاطلين من العمل ويرسلهم إلى العراق وسوريا، وهي تعلم أيضاً أن الأخوين كواشي كانا في سوريا قبل ستة أشهر من هجومهما على الصحيفة الهزلية .
أكثر من ذلك، الاستخبارات الفرنسية، وغيرها من أجهزة الاستخبارات في أمريكا وأوروبا، تعلم أن بعضاً من “الإرهابيين” الذين جرى إرسالهم إلى ميادين “الجهاد” كانوا من أصحاب السوابق ممن قضوا في السجون أشهراً وسنوات . مع ذلك، غضّت النظر، بل سهّلت تصديرهم إلى سوريا والعراق ليكونوا وقوداً لحروبٍ كان بعض دول الغرب يتقصّد صبَّ الزيت على نارها ليتخلّص منهم في معمعتها إلى الأبد . بعض من هؤلاء قضى فعلاً في الحرب، لكن بعضهم الآخر أفلت من الموت وعاد الى مسقط رأسه ومسرح نشأته في إحدى دول أوروبا التي يحمل جنسيتها . هؤلاء الناجون من الموت هم من يقوم بعمليات إرهابية ضد ما يُطلِق عليه تنظيمُ “داعش” تسميةَ “الغرب الصليبي” .
ليس في وسع أجهزة الاستخبارات في فرنسا إنكار معرفتها بما تنشره مجلة “دابق” أو “Dabiq” بالإنجليزية من توجيهات صادرة عن “داعش” إلى “الإرهابيين” في دول الغرب وفيها دعوة صارخة إلى كلٍ منهم بأن يجاهد حيث هو ضد “الصليبيين” والأمريكيين والفرنسيين وحلفائهم بأن “يضرب رأس أحد هؤلاء بحجر أو يطعنه بسكين أو يدهسه بسيارة أو يرميه من علٍ أو يسممه” .
يبدو أن القادة السياسيين في أمريكا وأوروبا أدركوا، متأخرين، جسامة الخطر المحدق بدولهم وشعوبهم، لذا يعقدون اجتماعات على أعلى المستويات لوضع الخطط والترتيبات اللازمة لمواجهته، فبماذا تراهم يفكرون؟ هل بإعادة النظر في موقفهم، مثلاً، من سوريا التي أسهموا، وما زالوا، في دعم بعض التنظيمات “الجهادية” التي تستنزفها بلا هوادة منذ العام 2012؟
لا شك في أن فريقاً من القادة السياسيين في فرنسا سيمانع في تعديل النهج المتبع منذ سنوات، مترسملاً على ردود الفعل الشعبية السلبية على الإرهاب و“الإرهابيين” الإسلامويين، فيميل تالياً إلى وضع الإسلام والإسلاميين جميعاً في سلّة واحدة لمحاصرتهم والتضييق عليهم وتبرير ترحيلهم . هذا الفريق يتفق في الرأي مع بنيامين نتنياهو الذي عقّب على الهجوم الذي تعرضت له صحيفة “شارلي إيبدو” بقوله: “إن الإرهاب الذي يمارسه الإسلام المتطرف لا يعرف الحدود، ولذا يجب أن يكون التصدي له عابراً للحدود” . بمن يتمثّل الإسلام المتطرف؟ يجيب نتنياهو: “يتمثّل بالإرهاب المتطرف الذي يمارسه كلٌ من حماس وحزب الله و”داعش“والقاعدة” .
ألا يعلم نتنياهو أن هذه التنظيمات متناقضة في أهدافها وسلوكاتها وتحترب فيما بينها؟
يبدو أن ما يدعو إليه نتنياهو ليس غريباً عن الولايات المتحدة وتركيا . ألم يعلن مسؤول رفيع في وزارة الخارجية التركية قبل أيام أن تركيا والولايات المتحدة تسعيان لوضع اللمسات الأخيرة على برنامجٍ لتجهيز وتدريب معارضين سوريين “معتدلين” سيربو عددهم على 15 ألف مقاتل خلال ثلاث سنوات لمقاتلة “داعش” بالتعاون مع سائر فصائل “المعارضة السورية المعتدلة”؟ ألا يعني هذا التوجّه أن ثمة مَن لا يزال يعتقد في دول الغرب، رغم فشل تجربة “الجيش السوري الحر”، أن بإمكان “جيش” المعارضين “المعتدلين” الجاري تدريبه مقاتلة الجيش السوري النظامي و“داعش” في الوقت نفسه، وأنه لن يهزم ليستولي مقاتلو “داعش” على أسلحته كما فعلوا مع “الجيش الحر”؟!
لا أعتقد أن عمى الألوان وضغط المصالح هما على درجة من الحدّة تحول دون إحاطة فرنسا وقادة الغرب بوقائع الحرب التي تشنها “داعش” ضد مَن تعتبرهم أعداءها في الشرق والغرب . ولا أعتقد أن قادة فرنسا ودول الغرب على درجة من السذاجة تحملهم على وضع الإسلام والمسلمين جميعاً، على تنوّعهم وتناقض سياسات حكوماتهم والصراعات الدائرة فيما بينهم، في سلّة واحدة وتكريسهم عدواً مركزياً للغرب على ضفتي المحيط الأطلسي . ولا أعتقد أن الغرب وحلفاءه في عالم العرب والمسلمين سيثابرون على تجاهل حقيقة ساطعة هي وجود تناقضات رئيسية وأخرى ثانوية في العلاقات الدولية، وأن الإرهاب المعقود اللواء ل “داعش” هو في حال تناقض صارخ مع الغرب وحلفائه في الحاضر والمستقبل المنظور .
فرنسا مدعوة إلى التخلي عن سياستها الكاريكاتيرية في معالجة ظاهرتيّ العنصرية والإرهاب اللتين يشكّلان وجهين لعملة واحدة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 64 / 2178944

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عصام نعمان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2178944 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40