الجمعة 16 كانون الثاني (يناير) 2015

شارلي التي قتلت شارل

الجمعة 16 كانون الثاني (يناير) 2015 par حبيب راشدين

“شارلي إيبدو” تذكّرنا على الأقل أنها وُلدت من رحم خصوم الجنرال شارل دوغول، وها نحن نرى شأنها يعلو في حضرة حكومة اشتراكية هزيلة، سحقت برعونة وحماقة إرث الزعيم الفرنسي الكبير، على الأقل حرصه على استقلالية القرار الفرنسي عن كتلة الحلف الأطلسي، وقرفه من رعونة الدولة الصهيونية التي اتهمها بالصلف والطموح المتوقد للغزو والتوسع، في ندوته الصحفية الشهيرة بتاريخ 27 نوفمبر 1967 .

الهدم المنظم لما سمي وقتها بـ“السياسة العربية الفرنسية”، التي حاول فيها الجنرال دوغول إعادة ترميم علاقات فرنسا مع العالم العربي، وإذابة التركة الاستعمارية الفرنسية في الجزائر وشمال إفريقيا والشام، بدأ مع وصول الاشتراكيين في عهد ميتران، الذي فتح الباب لصعود النخبة اليهودية الفرنسية إلى مراتب سامية في الدولة العميقة، ومؤسساتها الثقافية والإعلامية، ورفع قرار حظر تسليح الكيان الصهيوني المفروض منذ عدوان 67، كما أعاد تدريجيا فرنسا إلى مؤسسات الحلف الأطلسي، وحرص على ترقية العلاقات بين فرنسا والكيان الصهيوني.

عودة الاشتراكيين مجددا إلى الحكم ـ بعد فاصل قصير مع شيراك، شهد عودة محتشمة للسياسة الديغوليةـ أنهت بالكامل، وفي زمن قياسي، السياسة العربية الفرنسية، وأدخلت فرنسا في أكثر من حرب ومواجهة مع العالمين العربي والإسلامي، ورأينا الرئيس هولاند يتزلف بشتى الطرق للكيان الصهيوني، ولممثلي اللوبي الصهيوني الفرنسي.

وعلى الطرف الآخر، يراهن الكيان الصهيوني على فرنسا لقيادة سياسة أوروبية نشيطة وموحّدة من تنامي مشاعر الغضب والقرف عند الشعوب الأوروبية من الصلف الصهيوني، كما كشفت عنه كثيرٌ من عمليات سبر الآراء، كما يريد الكيان الصهيوني أن تقود فرنسا سياسة أوروبية تعيد بعض التوازن إلى منطقة الشرق الأوسط، مع بداية تراجع الحضور الأمريكي في المنطقة، وهو ما يتقاطع مع رغبات الحكومة الفرنسية، التي تحلم باستعادة بعض ما فقدته في المنطقة، وتحديدا في الشام وشمال إفريقيا.

العملية الإرهابية الاستخباراتية الأخيرة على “شارلي إيبدو”، ساعدت في الحدّ الأدنى على تسوية الخلاف الطارئ، بعد اعتراف البرلمان الفرنسي المحتشم بالدولة الفلسطينية، وسمح بإيصال رسالة التهديد التي كان نتن ياهو قد وجّهها لفرنسا، قبل أسابيع في لقاء مع قناة فرنسية، ووعدها فيه بقرب تدفق “الإرهاب” على أراضيها، كما منح الرئيس الفرنسي فرصة قيادة ما يشبه انتفاضة أوروبية ضدّ ما يُسمى بالإرهاب، بسنّ ترسانة قوانين أوروبية شبيهة بـ“الباتريوت آكت” الأمريكي، وقد يمنحه فرصة توريط شركائه الأوروبيين في الحروب التي دخل فيها مع العرب والمسلمين في شمال إفريقيا والساحل، والتي هي فوق القدرات العسكرية والمالية الفرنسية.

الإرهاب المبرمج تحت رايات كاذبة قد أصبح ـ كما نرى ـ أداة مميزة في إدارة وتنفيذ سياسات الدول الداخلية والخارجية، ولنا أن نتوقع في المستقبل القريب، فبركة نُسخ من عملية “شارلي إيبدو”، التي أريد لها أن تكون 11 سبتمبر فرنسيا، ولم لا أوروبيا.

ولأن فرنسا قد أعطت ظهرها نهائيا للخط الديغولي المستقلّ، وصارت اليوم تتقدم الخطوط الأمامية لجميع الحملات العدوانية الصهيونية الأطلسية على العرب والمسلمين: العسكرية، والدبلوماسية، والثقافية، والإعلامية، فلابدّ أن تواجَه بموقف عربي وإسلامي رسمي وشعبي صارم، يدفعها على المستوى الاقتصادي ثمن هذا العداء الرخيص للعرب والمسلمين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2165635

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع حبيب راشدين   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165635 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010