الجمعة 16 كانون الثاني (يناير) 2015

من أعاق ويعيق التكامل القومي العربي؟

الجمعة 16 كانون الثاني (يناير) 2015 par عوني فرسخ

في مطلع تسعينات القرن الماضي برز بين نشطاء التوجه القومي العربي من رفعوا شعار “مصالحة الدولة القطرية” مدعين بذلك تجديدهم الفكر القومي العربي، وقد زعموا حينها أن قادة الفكر والعمل القومي العربي في دعوتهم للوحدة أوائل الخمسينات عادوا الدولة القطرية العربية معتبرينها صناعة استعمارية، ومتجاهلين أن ذلك لا يصدق بالنسبة لجميع الأقطار العربية كالدولة في مصر والمغرب . وكان بين رافعي الشعار، وما زال، من غالوا لدرجة اتهام الفكر والعمل القومي العربي بدعواه للوحدة عمل دون قصد في إعاقة التكامل بين دول الجامعة العربية . وفي بيان أن شعار المصالحة، كما ادعاء إعاقة العمل والفكر القومي العربي لتكامل أقطار الجامعة ليس لهما سند تاريخي ولا يعبران عن قراءة واقعية لما كان في الماضي ولا هو كائن في الحاضر . وفي البرهنة على صحة ما ندعي نذكر بالحقائق التالية:
1- في الاجتماع الذي عقده ممثلو الدول العربية في الإسكندرية سنة 1943 للبحث في مقترح وزير الخارجية البريطاني إيدن لإقامة شكل من التعاون بين الدول العربية اقترح الوفد السوري إقامة حكومة مركزية عربية، فإن تعذر ذلك فإن الحكومة السورية ترضى بأي اتحاد أو اتفاق أو حلف . فيما تقدم موفد الحكومة اللبنانية بمذكرة تؤكد حرص الحكومة اللبنانية على “المحافظة على استقلال لبنان وضمان سيادته” . وفي المباحثات التالية احتدم الجدل حول مشاركة موسى العلمي ممثلاً لفلسطين، حيث اعترض على ذلك وزير خارجية لبنان هنري فرعون بحجة أن فلسطين غير مستقلة . وكان مصطفى النحاس، رئيس وزراء مصر حينها، قد طلب من العلمي، الذي كان يحمل تفويضاً من الأحزاب الفلسطينية، أن يذهب للسفارة البريطانية لأخذ موافقة الجنرال كلايتون، ممثل المخابرات البريطانية في المشرق العربي على مشاركته . وعاد يحمل قصاصة بخط كلايتون تنص: “لا مانع من أن يمثل السيد العلمي فلسطين، بشرط أن يكون مراقباً ليس له حق التصويت” . وعندما اقترح رئيس وزراء سوريا فارس الخوري في المباحثات النهائية بالقاهرة في مارس/ آذار 1945 تنسيق التشريع وتوحيده بين الدول العربية عارضة ممثلين لمصر والعراق، بحيث انتهت آخر محاولات الوحدة، وبالتالي جاء ميثاق الجامعة يكرس التجزئة ولا يؤسس لعمل وحدوي في المستقبل .
2- لم يُعاد أصحاب التوجه القومي الوحدوي يوماً الدولة القطرية العربية بالمطلق، بل وقفوا مدافعين عن الدولة الوطنية تامة الاستقلال كاملة الحرية، في مواجهة القوى التابعة التي تستهدفها . والمثال الأول الموقف من الدولة السورية التي كانت قد ظفرت سنة 1943 باستقلال تام من دون ارتباط بأي معاهدة تحد من حريتها . وعليه استهدفت بمشروعي “الهلال الخصيب” و“سوريا الكبرى”، ووجد بين القوى السياسية السورية من يؤيد أحد المشروعين . الأمر الذي تصدت له القوى الملتزمة بالفكر القومي والوطني دفاعاً عن استقلال سوريا ونظامها الجمهوري .
3- أقر مجلس جامعة الدول العربية في 13/5/1950 “معاهدة الضمان الجماعي والتعاون الاقتصادي” وحيث بدت خطوة جريئة على طريق التكامل العربي ومحاولة الخروج من حالة التشرذم القائمة، إذ نصت على إقامة هيئات تنفيذية . وخشية أن تشكل إدارة فاعلة في مواجهة “إسرائيل”، التقت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا على إصدار “البيان الثلاثي” في 25/5/،1950 بتحديد تصدير السلاح للمنطقة . ومع أن أنظمة الحكم العربية كانت أقرب لأن تعتبر شبه ليبرالية إلا أنه لم يجر تحقيق أي خطوة تكاملية بين الأقطار الموقعة على المعاهدة .
4- حين اتضح التوجه القومي للنظام المصري بقيادة عبدالناصر بتصديه لحلف بغداد في ربيع 1955 التفت الجماهير العربية بقيادة القوى قومية التوجه والالتزام حول مصر، باعتبارها “الإقليم القاعدة” العربي المؤهل للعمل على تحرير بقية الأقطار العربية ووضعها على طريق التكامل والوحدة والتحرر السياسي والاقتصادي .
5 - حين واجهت سوريا عام 1957 تحديات نظامي نوري السعيد وعدنان مندريس عضوي حلف بغداد، فيما تحول لبنان في عهد كميل شمعون ليكون مركز تآمر عملاء حلف بغداد ومشروع ايزنهاور على النظام السوري، رفع حزب البعث في 17/4/1956 . شعار الاتحاد مع مصر لحماية الدولة السورية . فالتفت الجماهير السورية حول الشعار مُشكلة ضغطاً شعبياً على النظام بمصر . وبعد موافقة أحزاب سورية وحركاتها السياسية، عدا الحزب الشيوعي، على شرطي حل الأحزاب وامتناع الجيش عن التدخل في السياسة، وأقر الشعب السوري بما يشبه الإجماع في استفتاء عام غير مطعون بشرعيته على ما كان قد اتفق عليه الضباط السوريون مع عبد الناصر في مباحثات القاهرة، وأقر الاتفاق مجلسا الوزراء والنواب السوريان . قامت الجمهورية العربية المتحدة في 22/2/1958 . ولما كانت الدولة الأقل مساحة وإمكانات ودور إقليمي هي التي فرضت الوحدة ما يدل على انتفاء الضغط والإكراه في إقامة دولة الوحدة، وعلى أنها قامت وفق ما انتهى إليه الفكر السياسي من اعتماد الاستفتاء الشعبي سبيلاً ديمقراطياً لإقامة الوحدة والاتحاد .
6 - حين أعلن الرئيس العراقي عبدالكريم قاسم ضم دولة الكويت بعيد إعلان استقلالها، تصدى له عبدالناصر رافضاً التعدي على حرية شعب الكويت، في تقرير مصيره، وحائلاً دون استغلال بريطانيا للأزمة بحجة الدفاع عن استقلال الكويت بينما غايتها الدفاع عن مصالحها في بترول الكويت شريان حياة الاقتصاد البريطاني، كما ورد في منشور وزع على القوات البريطانية التي أنزلت في الأردن غداة تفجر ثورة 14 تموز/ يوليو 1958 في بغداد .
7- انحسر المد القومي الوحدوي برحيل القائد جمال عبدالناصر في 28/9/1970 . وعلى مدى السنوات الأربع والأربعين التالية لم تحقق الأنظمة، وغالبيتها غير قومية، أي خطوة تكاملية فيما بينها . وذلك نتيجة تفاعل افتقار معظمها لحرية الإرادة والقرار، وشيوع الخطاب القطري المغالى في قطريته، ولكون الغالبية العظمى من رجال وسيدات الأعمال مرتبطين مصلحياً بالخارج، بدليل أن التجارة البينية العربية لا تجاوز 10% من مجمل تجارة أي قطر عربي . فضلاً عن أن المقارنة بالاتحاد الأوروبي غير واقعية كون دوله جميعها مستقلة الإرادة والقرار وإن كانت تسير في الركب الأمريكي .
مما سبق يتضح عدم تاريخية شعار “مصالحة الدولة القطرية”، ولا موضوعية الزعم بأن التوجه الوحدوي أواسط القرن الماضي أعاق التكامل العربي، ولا مصداقية الزعم بأن في القولين تجديداً للفكر القومي العربي . كما تتضح الشروط الموضوعية للتكامل العربي الذي فيه استعادة الأمة العربية لدورها الإقليمي وتجاوز واقع التجزئة والتخلف والتبعية .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2165477

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عوني فرسخ   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165477 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010