الخميس 15 كانون الثاني (يناير) 2015

أدوات روسيا القديمة في العصر الجديد

الخميس 15 كانون الثاني (يناير) 2015 par د.احمد جميل عزم

هل أطلقت روسيا النار على أقدامها، وتحاول استخدام أدوات قديمة في عصر جديد، مع اختلاف أنّها بدلا من الأيديولوجية الشيوعية تسعى إلى قومية روسية؟
قررت موسكو دعم الانفصاليين في أوكرانيا عسكريّاً، وضم جزء من تلك البلاد. وأعلنت هذا الأسبوع خطة عسكرية جديدة للفترة 2016-2020، بتكلفة 310 مليارات دولار، للتحديث العسكري، وفق “مذهب عسكري جديد”. وأهم ما في هذه الخطة تعزيز القوات العسكرية في منطقة جزيرة “القرم”.
بالتزامن مع هذه الخطة الروسية، هناك أنباء عن عرض أوروبي يتم إعداده، وربما يعلن خلال أيام، يعرض على موسكو تقليص الحصار، ونقاش إلغاء تأشيرات الدخول، وزيادة التعاون بين أوروبا والاتحاد الأوراسي الذي تتزعمه موسكو، والمشاركة في ملفات ليبيا وسورية والعراق. وكل ما يطلبه الأوروبيون، التزام روسيا باتفاقياتها بشأن أوكرانيا.
قد تعني هذه العروض الأوروبية، والإجراءات الروسية، رفع الأثمان التي تطلبها موسكو للتعاون مع الأوروبيين، لكنها في الوقت ذاته قد تضعف موقف موسكو في السياق الأوراسي.
في صيف العام 2013، كتبتُ هنا، في “الغد”، مقالاً عنوانه “خطة طوارئ أميركية ضد”أوراسيا المتحدة“السوفيتية؟”، عن خطط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “تكوين نوع من التحالف المضاد للاتحاد الأوروبي، بتشكيل”الاتحاد الأوراسي“الذي يشمل، إضافة إلى روسيا، كلا من بيلاروسيا وكازاخستان وطاجيكستان”. وكان تعليق وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، أنّه “سفوَتَة المنطقة” (أي إعطاؤها هوية سوفيتية).
وإذا ما ربطنا هذا المشروع بما بدا أنّه نجاحات في ملفات سورية وإيران، وتَقدُم اقتصادي، فإنّ ذلك كان يبدو صعوداً روسيّاً يُثير شهيّة الحديث عن تغيير في موازين النظام الدولي.
وبالفعل، أعلن نهاية أيار (مايو) 2014 عن إقامة الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، والذي يضم روسيا والدول الثلاث سالفة الذكر، مع خطط لضم أرمينيا وقيرغزستان، مع صلاحيات وخطط في مجالات عدة، منها الطاقة، والزراعة، والبنى التحتية، واتحاد نقدي. وكان يوم الأول من الشهر الحالي، هو يوم إطلاق وتفعيل الاتحاد رسميّاً.
مع فرض الغرب حصاراً على روسيا، وتحدي موسكو ذلك بمقاطعة مضادة على الاستيراد، ووقف صادرات وواردات، فرض هذا على الشركاء في الاتحاد الجديد تبعات في مرحلة مبكرة من عمر الأخير. وعلى سبيل المثال، فإن مقاطعة الواردات الأوروبية الذي فرضته موسكو، يعني تقليص وارداتها من قطاع إعادة التصدير في بيلاروسيا، وهو ما ردت عليه الأخيرة في الأشهر الماضية بتقليص الواردات من روسيا إلى حد شبه كامل.
انطلق الاتحاد الأوراسي في موعده، ولكن بشكل باهت؛ كما لو كان قد ولد ميتاً. وأحد أسباب هذا الفتور أنّ أوكرانيا كانت دولة مستهدفة ستعطي الاتحاد قوة، وهو ما لم يعد ممكناً الآن. أضف إلى ذلك أنّ الأزمة الاقتصادية التي تمر بها روسيا كانت من أسباب تراجع التجارة بين دول الاتحاد. فمثلا، تراجعت تجارة كازاخستان مع كل من روسيا وبيلاروسيا بنحو 20 %. ومن علامات فتور هذا المشروع، أنّ الرئيس الأرمني، والذي وقع بوتين قرار ضم بلاده للاتحاد في يوم 2 من الشهر الحالي ضمن عملية انضمام متدرجة، رغم معارضة كازاخستان، لم يذكر الاتحاد في خطابه للعام الجديد. بدلا من ذلك، دعا وزراء أرمن إلى تسريع مفاوضات لتطوير علاقات بلادهم مع الاتحاد الأوروبي. يضاف إلى ذلك أنّ بيلاروسيا قررت، ولأول مرة، عدم بث تحية مطلع العام من بوتين على أجهزة إعلامها الرسمية، كما اعتادت سابقاً.
الآن، من المتوقع تخفيض تقييم الوكالات العالمية تصنيفها لملاءة روسيا وأهليتها للقروض، كما فقدت العملة الروسية، الروبل، 41 % من قيمتها أمام الدولار العام الماضي، ومؤشرات الأداء الاقتصادي هي الأسوأ منذ العام 2009، هذا مع تراجع مستمر لأسعار النفط؛ السلعة الروسية الأهم.
سبق لجورج بوش الابن أن استخدم عقلية الحرب (كما في العراق)، وفرض على دول العالم الانحياز لبلاده بقوله: “من ليس معنا فهو ضدنا”. والآن، تدفع واشنطن الثمن. وروسيا تفعل شيئا مشابها؛ لا تستخدم القوة الناعمة، وتزيد استخدام القوة العسكرية والحروب التجارية، ما يضرب كل المشروع الأوراسي، ويثير تساؤلا حول الصعود الروسي الدولي. والإغراءات الأوروبية قد تغري شركاء روسيا بالابتعاد عن موسكو، إذا رفضت هذه الأخيرة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 53 / 2165426

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع احمد جميل عزم   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165426 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010