الثلاثاء 13 كانون الثاني (يناير) 2015

آخر مواجهة مع الإرهاب في فرنسا

الثلاثاء 13 كانون الثاني (يناير) 2015 par د. محمد صالح المسفر

بقيت لساعات طويلة الأحد الماضي أمام شاشة تلفزيون فرنسا 24 أتابع أحداث وترتيبات المسيرة الكبرى التي احتشدت في باريس تعلن رفضها للإرهاب وفي جوهره “الإسلام والمسلمين والمهاجرين إلى أوروبا” احتشد في ميدان الجمهورية ومداخله السبعة كما قالت وسائل الإعلام الفرنسي ما يقارب 3 ملايين وسبعمائة إنسان وشارك في تلك المظاهرة الضخمة رؤساء دول وحكومات بما في ذلك دول عربية كان أعلاها مقاما ملك الأردن وحرمه الذين لم يسلما من مزاحمة محمود عباس ليصل إلى الصف الأول على مقربة من نتنياهو.
استوقفني المنظر الجماهيري الكثيف وراحت بي الذاكرة إلى الإعلام المصري ورديفه العربي في 3 يوليو 2013 عندما أعلن أن المظاهرة الاحتجاجية التي أُخرجت إلى ميدان التحرير في القاهرة للمطالبة بسقوط الرئيس المنتخب محمد مرسي أنها بلغت 30 مليون إنسان، سألت نفسي ماذا كان سيقول الإعلام المصري عن عدد المشاركين في المظاهرة الباريسية لو أنها حدثت في القاهرة، حتما سيقولون إنها أكثر من ستين مليون إنسان.
(1)
لاشك بأن ما حدث لصحيفة شارلي ايبدو الفرنسية ومحرريها أمر مرفوض بكل المعايير ولا يجيزه الإسلام، وقد أحسنت الدول العربية مجتمعة ومنفردة عندما استنكرت ذلك الفعل وأدانته، كما أن منظمات حقوقية عربية، ومؤسسات دينية إسلامية مثل الأزهر وغيره أدانوا ذلك العمل المشين الذي أودى بحياة 12 إنسانا في باريس، وتبادل بعض الرؤساء العرب المكالمات الهاتفية مع الرئيس الفرنسي وأركان حكومته معبرين عن سخطهم وإدانتهم واستنكارهم لما حدث، وهذه الاتصالات تعبر عن خلق العربي تجاه من تحل به نازلة وأعظم النوازل عندي هو قتل الإنسان والمس بكرامته وكبريائه ومعتقداته.
لكن يجب ألا يصرفنا ذلك الحدث المقيت عن تذكير إخواننا في الإنسانية من الأمريكان والأوروبيين بأننا نحن العرب نتعرض لإرهاب منظم، أعني إرهاب دول، إسرائيل تحاصر أهلنا في قطاع غزة منذ عام 1996وذلك عمل إرهابي مقيت وتمارس على أهلنا في فلسطين أقسى وأعظم أنواع الإرهاب، قتلت في خلال 55 يوما من العام المنصرم ما يزيد على 1200 إنسان في غزة ناهيك عن الجرحى والمصابين إصابات مقعدة، وأكثر من 60 إنسانا في الضفة الغربية والقدس، وقتلت وزيرا من وزراء السلطة الفلسطينية في الشهر الماضي وتقوم بعمليات تجريف أراض زراعية وتحرق وتجتث أشجار الزيتون وتمنع أصحابها من حصاد ثمار تلك الأشجار، هدمت منازل وأحرقت مزارع في قطاع غزة والضفة الغربية ولم يقل قادة أوروبا وزعماها كلمة لصالح الشعب الفلسطيني بل قامت أمريكا وبعض الدول الأوروبية الأعضاء في مجلس الأمن باستخدام الفيتو لمنع صدور قرار إدانة للإرهاب الإسرائيلي وفي أحسن الأحوال تمتنع تلك الدول عن التصويت، ولم نر المجتمع الدولي يحتج على حصار مصر لقطاع غزة بلا ذنب اقترفه أهل غزة ضد مصر.
(3)
الاعتداءات تتزايد على المسلمين خاصة العرب في أوروبا، أذكر من تلك الدول على سبيل المثال هولندا والدنمرك والسويد وإيطاليا وألمانيا وإسبانيا وغير ذلك. في بريطانيا قُتلت طالبة سعودية وهي خارجة من جامعتها العام الماضي، وقتل أربع سيدات من دولة الإمارات في سكنهن في مدينة لندن ولم نسمع احتجاجا أو القبض على الجناة من أي جهة رسمية. في كل يوم يقتل العشرات من العرب المسلمين في أوطانهم بآلة حرب أوروبية أمريكية في كل من العراق وسوريا ولبنان، وآخرون يقتلون في اليمن بواسطة طائرات أمريكية دون طيار ولا أحد يثير تلك الأعمال الإرهابية التي تديرها دول.
لن ننسى مذبحة الحرم الإبراهيمي بقيادة العنصري الرهيب جولد شتاين الطبيب اليهودي منفذ عملية المذبحة في الحرم الإبراهيمي والناس سجدا في صلاة الفجر في 1994 وقتل في تلك الجريمة 29 مصليا وجرح أكثر من 150 آخرين تمت تلك الجريمة تحت حراسة الجيش والشرطة الإسرائيلية وماذا كان رد فعل المجتمع الأوروبي؟ هل كان بنفس مستوى ردة فعل المجتمع الأوروبي والدولي لما حدث في باريس؟ لن أستعرض كل الأعمال الإرهابية التي مورست ضد العرب في أوطانهم وخارجها فالسجل يطول والمساحة محدودة في هذه الصحيفة.
(3)
في الولايات المتحدة الأمريكية جاءت كلمة حق من مواطن أمريكي له مكانته إنه السيد بيل دونوهيو رئيس رابطة الكنيسة الكاثوليكية الأمريكية الذي استنكر المسار السائد في جميع وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية حول هجوم باريس (صحيفة شارلي ايبدو) الساخرة، وقال: “من حق المسلمين العرب أن يغضبوا” واتهم وسائل الإعلام في برنامج (نيل كافيتو) بأنها استفزازية للغاية. وقال إن رسامي كاريكاتير الصحيفة المعنية تصرفوا مثل حفنة من البلطجية الفاجرين. وقال أيضاً:“أنا أدين، أولئك الذين يفتقدون لضبط النفس ويحرفون حرياتهم عن طريق اختيار تصويرات فاحشة وبذيئة للنبي محمد، مما يدل على نوايا بالإهانة. وراح يقول: إني متعب من هؤلاء الصعاليك الذين يطالبون المسلمين بتحمل كل ما يوجه إليهم، لماذا لا تختلف مع المسلمين بطريقة حضارية بدلا من التصرف كحفنة من الفاجرين البلطجية” (القدس العربي 9 / 1 /2015).
(4)
إن الحشد الفرنسي الكبير (الأحد) للتظاهر احتجاجا للأحداث التي حدثت في باريس ضد صحفيي صحيفة شارلي ايبدو، وشارك في ذلك الحشد الكبير قيادات سياسية أوروبية وأمريكية وعربية وإفريقية قد يفسره البعض أن هذه المظاهرات حدثت لتأليب الرأي العام الأوروبي ضد الإسلام والمسلمين استباقا لاتخاذ إجراءات قاسية ولو بالشبهة ضد كل مسلم وعربي يعيش في أوروبا. قد يقول البعض الآخر إن تلك المسيرات تهدف إلى تطهير أوروبا من المهاجرين العرب تحت مبدأ محاربة الإرهاب وقد يقول ثالث إن الحكومة الفرنسية الحالية تعاني أزمة داخلية فجاءت هذه الكارثة وأرادت الحكومة استغلالها لتقوية مكانتها الداخلية، ولعلها تردد الحكمة العربية “رب ضارة نافعة”.
آخر القول: يا حكام العرب الميامين.. لا تقبلوا الدنية في دينكم ولا تقبلوا المساس بمقدساتكم، واحذروا مما يراد بكم، ونحن جميعا جنود صادقون لمحاربة الإرهاب أيا ما كان مصدره.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2178725

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع محمد المسفر   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2178725 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40