الأحد 11 كانون الثاني (يناير) 2015

فرنسا وسلسلة الـ ”من”؟

الأحد 11 كانون الثاني (يناير) 2015 par د. حياة الحويك عطية

“مبتدىء مستغل، صبي يضع الطاقية (الكاسكيت) ويوصل البيتزا إلى البيوت كي يدفع ثمن ما يدخنه من حشيش . ولد لا يعرف ما يفعله بحياته، يلتقي بين يوم وليلة”من“يعطيه الانطباع بأنه مهم” .
هكذا وصف المحامي فينسان اوليفييه عام 2005 موكله شريف كواشي المتهم بالانتماء إلى ما عرف بمجموعة بوت شومون . الذي عاد اليوم، بعد عشر سنوات متهماً وأخاه بعملية “شارلي ايبدو” . مما يطرح العديد من الأسئلة قد يكون على رأسها: هل التهميش والفقر هما وحدهما سبب انخراط شباب أوروبي (أياً تكن أصوله) في الإرهاب؟ والسؤال الثاني الأخطر هو: من هو هذا ال“من” الذي استطاع بذلك تجنيد آلاف الإرهابيين وإرسالهم إلى العراق وسوريا؟ وأين تتوقف سلسلة ال“من” الطويلة هذه؟
تسريبات الأمن الفرنسي تؤشر إلى أن الرجل الذي “أعطى كواشي الانطباع بأنه أصبح مهماً” هو رجل آخر كان يومها في الرابعة والعشرين من عمره، طويل الشعر وزائغ النظرة يدعى فريد بن فيتو وقد كرس نفسه إماماً لمسجد صغير في شارع ضيق من حي فقير في الدائرة الحادية عشرة . لكن بن فيتو كان قد تدرب منذ الثامنة عشرة من عمره مع صهره يوسف زيموري، الذي أبعد من فرنسا عام 2004 بتهمة الإرهاب، كما تدرب على يد ناشط آخر هو محمد كريمي، القيادي المعروف في الجماعة السلفية للدعوة والقتال، التي أسست عام 1998 في الجزائر لتكون الأم الولادة لتنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” .
هي سلسلة ال“من” تتوقف هنا بحسب تسريبات الإعلام الفرنسي . لتتركنا نسأل: وبعد؟
كانت الشرطة تعرف أن بن فيتو قد استطاع أن يجند عشرات الشباب من الفرنسيين ذوي الأصول العربية والإفريقية . كان دائماً حاضراً في المظاهرات محاطاً بأتباعه . وعندما ألقي القبض على بعضهم عام 2005 ومن بينهم كواشي ورفيقه سالم بشناق، اعترفا بأن ثلاثة جهاديين من مجموعتهم قد قتلوا في العراق، أحدهم في عملية انتحارية، وأن اثنين معتقلين هناك لدى الجيش الأمريكي وآخر في سوريا . كما اعترفا بأنهما كانا على وشك الالتحاق بهم . لكن الشرطة تركتهما يخرجان .
في عام 2008 اعتقل من جديد وحكم بثلاث سنوات، لكنه خرج . ليعتقل بعد سنتين إثر محاولة تهريب إسماعيل علي بلقاسم عضو “الجماعة الإسلامية المسلحة” الجزائرية الذي أدين بتهمة تفجير مترو اورسي عام ،1995 والمقرب من جمال بغال الذي قضى عشر سنوات في السجون الفرنسية بتهمة تحضير عمليات إرهابية وتدريب المقاتلين . لكنه خرج .
في عام 2013 اتهمت السلطات التونسية بوباكر الحكيم 2011 بتهمة اغتيال المعارضين التونسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، ولم يلبث الحكيم أن أكد ذلك في تصوير فيديو وعرف أنه أحد أعضاء بوت شومون الذين ذهبوا إلى العراق عام ،2004 وعاد ليمارس نشاطه الإرهابي في فرنسا، فيلقى القبض عليه عام 2008 ويحكم بالسجن ليخرج عام 2011 .
في كل ذلك كان السؤال يدور: “من”؟ سؤال يثير تعدد الإجابات بقدر ما يثير تعدد الأهداف التي لم يكن صحفيو “شارلي ايبدو” إلا ضحيتها ووقودها، خاصة أن تبرير الاعتداء عليهم جاهز، وتسهيل نجاحه واضح .
الكليشيهات التي واجهنا بها المسؤولون الفرنسيون لم تقل شيئاً إلا تذكيرنا ب11 سبتمبر/أيلول: “ضربنا لأننا بلد الحريات” . “الوحدة الوطنية” . “القيم: العلمانية، الحرية”، “حرية التعبير والحضارة ورسالة السلام والتسامح” . الانتشار الأمني غير المسبوق، مقدمة للانتقاص من الحريات؟ مقدمة لتدخل خارجي ما؟
“دول لا تعرف أن تضحك مع الرسم والفن” يقول فرانسوا هولاند . نفكر بالعائلات وبالضحايا يقول الجميع . من دون أن يقول أحد إن فرنسا تحالفت مع المتطرفين منذ عام ،2005 تحالف تجلى بقوة مع الحرب على ليبيا وبلغ ذروته مع الأزمة السورية: يومها قال مانويل فالس وزير الداخلية، ورئيس الوزراء اليوم: “لا يمكنني أن أمنع المقاتلين من الذهاب إلى سوريا لمقاتلة الديكتاتورية” فيما يبتهج لوران فابيوس وزير الخارجية قائلاً: “لقد أحسن الإسلاميون العمل في سوريا وأجادوا” .
فهل كانت السياسات الخاطئة القصيرة النظر في العالم العربي هي المسؤولة عن انتقال العنف إلى فرنسا، كما يعتبر البعض من مثل النائب وأستاذ العلاقات الدولية في المدرسة العليا، الان مارسو، الذي يستعمل مصطلح السوريون الفرنسيون تيمناً بالأفغان الفرنسيين؟ أم هي نهاية مرحلة التحالف مع المتطرفين الذين كانوا واضحين لكل من يعيش في فرنسا أو يتابع سياساتها وارتبطت بالمشروع الأمريكي؟ أم هو الخطاب الديني الظلامي الذي يشكو منه حسن شلغومي رئيس منتدى أئمة فرنسا ويقول مستهجناً: “مراهقة لاتعرف اتجاه القبلة ولا الوضوء تذهب إلى سوريا للجهاد؟” أم هو انعدام ثقافة قبول الآخر والحوار والمواطنة؟ أم هو صراع الأجنحة داخل السلطة الفرنسية نفسها، وبين المخابرات والحكومة، خاصة بشأن الموضوع السوري أم هي المعادلات الدولية الجديدة ودور فرنسا فيها مع اقتراب توقيع الاتفاق الأمريكي - الإيراني؟ أم هو حاجة مشروع يهودية الدولة في فلسطين المحتلة، الذي سيطبق في مارس/آذار، إلى تأجيج صراع الحضارات والأديان؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2180947

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع وفاء الموقف  متابعة نشاط الموقع حياة الحويك   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

6 من الزوار الآن

2180947 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40