السبت 7 آب (أغسطس) 2010

الجيش ينجح في التصدي والمقاومة بالانضباط مؤقتاً

السبت 7 آب (أغسطس) 2010 par د. عصام نعمان

«إسرائيل»، مصابة بالاستغراب والذهول. سبب الذهول أداء الجيش اللبناني. إن أحداً لم يتوقع ان يرد جيش لبنان، غير المتكافئ في القوة مع جيش «إسرائيل»، بسرعة وتصميم على انتهاك العدو حرمة أرضه. «إسرائيل» تعتدي يومياً على لبنان جواً وبحراً وبراً منذ حرب يوليو/تموز 2006، فيكتفي الجيش اللبناني، بسبب عدم تكافؤ القوى، بإحصاء اعتداءات «إسرائيل» وإبلاغها إلى قوات الأمم المتحدة «يونيفيل». ما سرّ مبادرته يوم الثلاثاء الماضي إلى التصدي للعدوان بلا هوادة؟

«الاستغراب» و«الذهول» و«خطورة الحادثة»، وغيرها من النعوت التي أبداها المسؤولون «الإسرائيليون» ووسائل الإعلام، لم تغطِ السبب الحقيقي للاعتداء السافر في نظر اللبنانيين. ذلك لأن الكل مجمع على أن «إسرائيل» هي البادئة بالعدوان، وأنها أرادت من ورائه تحقيق غرضين : اختبار جهوزية الجيش اللبناني ومدى تنسيقه مع المقاومة، وامتحان الوضع السياسي اللبناني بعد القمة الثلاثية التي جمعت العاهل السعودي والرئيسين السوري واللبناني، والزيارة التاريخية التي قام بها أمير قطر للجنوب اللبناني، ومدى انعكاس ذلك كله على تضامن اللبنانيين فيما بينهم.

«إسرائيل» فشلت في اختبارها الدموي . فقد تصدى الجيش اللبناني بسرعة وتصميم لعدوانها، وسارعت المقاومة إلى استنفار قواتها ووضعها بتصرف قيادة الجيش منتظرةً تعليماتها، فبرهنت بانضباطها على أنها في تنسيق محكم معها. أما القوى السياسية، على اختلاف مذاهبها ومشاربها، فقد سارعت إلى استنكار العدوان «الإسرائيلي» والإشادة بتصدي الجيش له ودعت إلى الالتفاف حوله بقوة وثبات.

هل انتهت المواجهة عند هذا الحد؟

ظاهر الحال يشير إلى أن القيادة السياسية «الإسرائيلية» لم تكتف بإبداء الاستغراب والذهول إزاء أداء الجيش اللبناني، بل بادرت إلى العمل على احتواء الوضع من خلال اتصالات أجرتها مع جهات دولية ومع قيادة «يونيفيل»، للإشارة إلى أن ما حدث لا يعدو كونه حدثاً موضعياً على الرغم من خطورته. بعبارة أخرى، إرادت «إسرائيل» توجيه رسالة للجميع بأنها ليست في صدد تصعيد المواجهة، الأمر الذي يؤكد أن اعتداءها كان مجرد اختبار لجهوزية الجيش اللبناني ولمدى التنسيق بينه وبين المقاومة.

غير أن احتواء ما حدث لا يعني أن «إسرائيل» قد اسقطت خيار الحرب. بالعكس، خيار الحرب مازال قائماً لكن توقيته لم يتحدد بعد.

المقاومة بشخص قائدها السيد حسن نصرالله فسرت الاعتداء منذ لحظاته الأولى بأنه اختبار، لكنها لم تستهن بإمكانية تطوره إلى عدوان واسع فاستنفرت قواتها ووضعتها في تصرف الجيش وفي إطار خطة التنسيق القائمة بينهما. غير ان السيد نصرالله تحسّب لما يمكن أن يحدث لاحقاً وهدد، بالتنسيق مع قيادة الجيش على الأرجح، «بقطع اليد «الإسرائيلية» التي تمتد على الجيش اللبناني مرةً أخرى».

بهذا التهديد الصريح لـ «إسرائيل» تدخل المجابهة على طرفي الحدود مرحلة جديدة. ذلك أن استمرار «إسرائيل» في الاعتداء على الجيش اللبناني سيواجَه بقوة رادعة، حدد السيد نصرالله منهجية عملها على النحو الآتي : «في أي مكان سيُعتدى فيه على الجيش من قبل العدو الصهيوني، ويكون فيه تواجد للمقاومة أو يد لها تصل إليه، فإن المقاومة لن تقف ساكتة ولا صامتة ولا منضبطة. اليد «الإسرائيلية» التي ستمتد إلى الجيش اللبناني ستقطعها المقاومة».

نصرالله أعاد، من موقع الاقتدار، الكرة إلى ملعب «إسرائيل» : إن أي اعتداء تفتعله ضد الجيش اللبناني في موقع يكون للمقاومة وجود فيه أو يد تصل منه إليه، فإنها سوف ترد بقوة وحزم. لا حاجة بعد اليوم إلى ذريعة تصطنعها «إسرائيل» لتبرر عدوانها. إن أي اعتداء من قبلها كافٍ بحد ذاته لرد تلقائي من المقاومة شريطة وجود فعالية قتالية لها في موقع الاعتداء.

حسناً، للمقاومة وجود بري فاعل على معظم أرض الجنوب ووادي البقاع في شرق لبنان، وبالتالي لها القدرة هناك على الرد. ماذا عن قدرتها على الرد في حال حدوث اعتداء من البحر أو من الجو؟

سبق للمقاومة أن أصابت، خلال حرب 2006، مدمرةً للعدو الصهيوني كانت تقصف مواقع على الساحل اللبناني، الأمر الذي يؤكد قدرتها على مواجهة البحرية «الإسرائيلية» من البر. فوق ذلك، كان السيد نصرالله قد هدد، في خطبة سابقة، بأنه في حال قامت «إسرائيل» بفرض حصار بحري على لبنان، فإن المقاومة سترد بفرض حصار بحري على «إسرائيل». وقد فسر المحللون الاستراتيجيون ذلك التهديد بأن المقاومة قد طوّرت قدرتها التكنولوجيا والقتالية بحيث أصبح لديها صواريخ قادرة على إصابة السفن المتجهة إلى موانئ الكيان الصهيوني على امتداد الساحل الفلسطيني المحتل.

ماذا عن الخروق «الإسرائيلية» اليومية للإقليم الجوي اللبناني؟ هل لدى المقاومة من وسائل الدفاع الجوي ما يمكّنها من الرد على «إسرائيل» جواً؟

قائد المقاومة تجنّب هنا الالتزام بمعادلة الرد. اختار، بحكمة، الاستمرار في سياسة الغموض البنّاء. قال : «لندع «الإسرائيلي» ضائعاً بين أن يكون لدينا دفاع جوي أولاً يكون. هناك امور نكشفها لحماية البلد، وهناك أمور يجب ألا نكشفها لحماية البلد».

لسياسة الغموض البنّاء هذه دوافع ومسوّغات، لعل أبرزها ثلاثة :

أولاً، لـ «إسرائيل» حساسية بالغة إزاء وسائل الدفاع الجوي لدرجة أنها هددت بشن الحرب فوراً على لبنان والمقاومة (وربما على سوريا أيضاً)، إذا ما جرى استخدام صواريخ دفاع جوي استراتيجة تردع طائراتها الحربية عن القيام بطلعاتها الاستطلاعية اليومية فوق الأراضي اللبنانية. ويبدو أن قيادة المقاومة لا ترى في طلعات سلاح الجو «الإسرائيلي» الاستطلاعية خطراً يهدد وجودها أو حركتها، فلا تجد فائدة في التصدي له في هذه المرحلة تجنباً لحربٍ لا مصلحة للبنان ولا للمقاومة في وقوعها.

ثانياً، إن بقاء «إسرائيل» في حيرة من أمر وجود أو عدم وجود قوة دفاع جوي متقدمة ورادعة لدى المقاومة من شأنه ردعها عن مغامرة شن حرب ستكون مُكلِفة بكل المعايير المعتمدة.

ثالثاً، من الأفضل الاكتفا، بادئ الأمر، باعتماد سياسة ردع «إسرائيل» واعتداءاتها في البر والبحر حيث للمقاومة قدرة مضمونة على الإيذاء، ثم بتقييم نتائجها وردود فعل «إسرائيل» عليها قبل توسيع دائرة التصدي لتشمل أجواء لبنان. ذلك قد يؤدي إلى إحدى نتيجتين : إما ارتداع «إسرائيل» عن ممارسة اعتداءات برية وبحرية على لبنان والمقاومة والتخفيف تالياً من خروقها الجوية، وإما إنزلاقها إلى شن الحرب ما يمكّن المقاومة من مفاجأتها باستخدام قدرات دفاع جوي متقدمة تُلحق بسلاحها الجوي خسائر فادحة.

يتحصّل من مجمل ما تقدم بيانه أن سياسة الردع البري والبحري التي اعتمدتها المقاومة اللبنانية ضد «إسرائيل» تلقي على هذه الأخيرة، من الآن فصاعداً، واجب الانضباط بعدما كانت المقاومة وحدها مطالبة بذلك، إذ إن تمادي «إسرائيل» في اعتداءاتها سيؤدي إلى ردود فعل محسوبة وحازمة من المقاومة وبالتالي إلى خسائر بشرية ومادية قد تكون «إسرائيل» في غنى عنها.

إلى ذلك، سيكون محكوماً على المقاومة أن تضع في الحسبان أن سياسة الردع، براً وبحراً، التي ستنتهجها في وجه «إسرائيل» قد تحمل هذه الأخيرة على التعجيل بشن الحرب، ما يستوجب وجود اتفاق استراتيجي (لعله أصبح نافذاً) بين سوريا وإيران وقوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية يعتبر كل حربٍ على أي منها اعتداءً على الجميع يواجهونه سويةً بلا تردد.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 44 / 2181440

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

6 من الزوار الآن

2181440 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40