الاثنين 5 كانون الثاني (يناير) 2015

المطلوب بعد إسقاط مشروع السلطة

الاثنين 5 كانون الثاني (يناير) 2015 par رامز مصطفى

سقط أو أسقط مشروع السلطة. لا أسف على سقوطه فهو جاء ليشكل الأداة الوظيفية في تبديد المزيد من حقوق شعبنا، بعد أن تساهلت السلطة وفريقها السياسي في إدخال المشروع الأصلي في بازار التعديلات، أملاً في الحصول على رضا أميركي، من شأنه أن يُسهّل عملية تمريره من خلال التصويت عليه من دون عقبات. ولكن ما أفضت إليه المناقشات داخل قاعة مجلس الأمن، ومن ثم التصويت على المشروع بأنه سقط من دون الحاجة الأميركية إلى استخدام حق النقض الفيتو. في خطوة إيحاء أنها بريئة من دفع وتحريض من يلزم من الدول الأعضاء في المجلس على الرفض أو الامتناع عن التصويت. وبذلك أصبح المشروع من المنسيات، إلاّ بقدرة الأميركي على تفعيله من جديد، ولكن بعد أن يضع بنفسه عناوين المشروع الجديد القديم بمسماه «الفلسطيني العربي»، بالنسخة والنكهة الأميركية – «الإسرائيلية». بمعنى أنّ المشروع قد يُطرح من جديد، ولكن بعد إعادة صياغته وبما يتوافق والمعايير الأميركية «الإسرائيلية»، وبعد انتخابات «الكنيست» وتشكيل الحكومة «الإسرائيلية» الجديدة، أي بعد تسعة أو عشرة أشهر من الآن.

وقبل الخوض في الخطوة الواجب اتخاذها من قبل السلطة بعد الصفعة التي وجهها إليها الراعي الأميركي الحصري للمفاوضات والعملية السياسية بين السلطة و«الإسرائيليين». لا بدّ من القول إنّ السلطة التي تردّدت وتلكّأت كثيراً في الإقدام على هذه الخطوة، ألم يكن في مقدورها أن تستمرّ في هذا التردّد والتلكؤ حتى بدايات العام 2015؟ حيث ستنضمّ دول جديدة إلى عضوية المجلس، هي مؤيدة للقضية الفلسطينية. نعم كان في مقدورها فعل ذلك، ولكن الإصرار على تقديمه بهذه الطريقة يترك علامات استفهام على ذلك. وقد يقول قائل: احترنا مع الآخرين من الفصائل كيف نتعامل. إذا تأخرنا تقوم الدنيا ولا تقعد علينا، وفوق ذلك نُتهم. وإذا ما توجهنا وسلّمنا المشروع أيضاً متهمين بشبهة التوقيت. كلام في الشكل فيه شيء من الصحة، ولكن في المضمون لا شيء من الصحة على الإطلاق. على اعتبار أنّ السلطة وباعتراف الفصائل الشريكة في منظمة التحرير، تشكو على الدوام التفرّد الذي يمارسه رئيس السلطة، والشواهد كثيرة، خصوصاً في القرارات أو التوجهات أو الخطوات ذات الحساسية السياسية، والتي تحتاج إلى قرارات جماعية ومن قبلها نقاشات معمّقة.

تسلك السلطة ورئيسها سياسة التفرّد وضرب رأي الشركاء في مؤسسة اللجنة التنفيذية بعرض الحائط. وما أعلنه عضو اللجنة المركزية للجبهة الشعبية الدكتور ذو الفقار عن مشاورات تجريها جبهته لعقد مؤتمر للفصائل في قطاع غزة بهدف مواجهة تفرّد محمود عباس رئيس السلطة بالقرار السياسي الفلسطيني إلا تأكيد على حالة عدم القبول الفلسطيني للتفرّد الذي يمارسه أبو مازن. وقد يسأل آخر: ما الفائدة من التأخير ما دامت النتيجة واضحة سلفاً أن المندوب الأميركي حينها سيستخدم حق النقض الفيتو. قد يبدو أيضاً ذلك صحيحاً، ولكن الفارق بين الحالتين هو المزيد من انكشاف زيف هذا الراعي الغير نزيه، والمنحاز على الدوام للرؤى والمواقف «الإسرائيلية»، على حساب الحقوق الفلسطينية، وشرعة الأمم المتحدة. وبالتالي هذا الكلام يقودنا إلى القول: ما دامت السلطة ورئيسها كانوا متيقنين من حقيقة الموقف الأميركي المعادي لقضيتنا، وهذا ما أكده رئيس السلطة في احتفالات انطلاقة حركة فتح، وكذلك فعل صائب عريقات ونبيل شعث وبيان خارجية السلطة، الذين اتهموا الإدارة الأميركية بالانحياز والعداء للقضية والشعب الفلسطيني.

ولكنه «شيك من دون رصيد»، بمعنى: أين سيصرف هذا الكلام فيما لا يزال الرهان قائماً على الرعاية الأميركية. وما الفائدة من التوجه لمجلس الأمن وطرح ما سُمّي المشروع «الفلسطيني العربي»؟ وما الرسالة التي تلقاها الشعب الفلسطيني من وراء سقوط المشروع العتيد، سوى المزيد من الإحباط؟ وأيضاً وأيضاً، ما دام السيد أبو مازن رئيس السلطة قد وقع أخيراً على وثيقة روما الخاصة بمحكمة الجنايات الدولية في خطوة ردّ فعل على رفض الإدارة الأميركية تمرير المشروع «الفلسطيني العربي» في مجلس الأمن. لماذا لم يوقعه منذ زمن؟ أو أقله منذ أن انفرط عقد المفاوضات، عندما رفض نتنياهو الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين أواخر آذار من العام الماضي. يومها أيضاً رئيس السلطة وفي خطوة ردّ فعل على ذلك، وقع على عدد من الاتفاقات أو البروتوكولات التي تخوّل السلطة الدخول والمشاركة في عدد من الهيئات والمنظمات الدولية.

أثبتت التجربة الراهنة وما سبقها، والسياق السياسي للسلطة وطبقتها السياسية، عقم الرهانات التي تتبناها، وعلى ما يبدو أنها ليست آخر المطاف في مسيرة هذه الرهانات أقله حتى اللحظة، على أمل أن يشكل إسقاط المشروع «الفلسطيني العربي» بالنقاط وليس بالضربة القاضية «الفيتو الأميركي «، نقطة التحوّل في التوقف عن الاستمرار في سلوك طريق الرهانات على الآخرين وتحديداً الإدارة الأميركية التي تجاهر علناً بالتزامها وتبنيها المطلق للسياسات والرؤى والمواقف «الإسرائيلية».لأن البكاء والاستجداء على موائد اللئام من أصحاب النفوذ الدولي لن يجدي نفعاً أو مكسباً أو نتيجة. وإذا هناك من إمكانية للتعلم من التجربة المريرة، التي جاءت في مجموعها على حساب حقوقنا وتطلعاتنا وأمانينا، فإنّ الخطوات الواجب اتخاذها في البناء على خطوة التوقيع على وثيقة روما الخاصة بمحكمة الجنايات الدولية وسواها ممّن يؤمّن حقوقنا المشروعة، ويُجرّم الاحتلال وقادة الكيان «الإسرائيلي» ويسوقهم إلى المحاكم الدولية كمجرمي حرب، مما استدعى رداً محموماً من قبل الإدارة الأميركية التي اعتبرت التوقيع تصعيداً خطيراً من قبل الفلسطينيين، فيما توعد نتنياهو السلطة والفلسطينيين بمزيد من التدابير العقابية.

والخطوات المطلوب السير بها دونما إبطاء أو تردّد، والتي من شأنها أن تعيد للقضية حضورها:

1 ـ قبل كلّ شيء إسقاط وهم استمرار الرهان على الإدارة الأميركية كوسيط وراع نزيه ومحايد، والانفتاح على قوى دولية ناهضة مثل روسيا والصين ودول «بريكس» وغيرها، والتي بدأ تأثيرها يظهر في أكثر من مكان في العالم، وهناك إمكانية للاعتماد عليها وفي مجموعها دول تؤيد الحقوق الفلسطينية وأثبتت ذلك عملياً، وليس آخرها تأييد المشروع «الفلسطيني العربي».

2 ـ بالتالي إسقاط وهم المفاوضات التي أثبتت التجارب ومنذ العام 1993 عقمها وعبثيتها، والتي كانت في مجملها لصالح الكيان «الإسرائيلي»، الذي وظفها في فرض وقائعه الميدانية في التهويد والاستيطان. والتوقف عن إعطاء الفرص والمهل للإدارة الأميركية في استئناف المفاوضات من جديد تحت أي مسوّغ أو مبرّر.

3 ـ الخطوة التي تشكل قصماً لظهر الاحتلال هي وقف التنسيق الأمني معه. والتذرّع بأنّ استمرار هذا التنسيق يصبّ في المصلحة الوطنية الفلسطينية كلام ساذج، لأنّ الاحتلال هو من يفيد من هذا التنسيق وليس الفلسطينيين في مطلق الأحوال.

4 ـ وقف سياسة التفرّد التي تنتهجها السلطة ورئيسها من خلال دعوة الإطار القيادي الموقت لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى الانعقاد من أجل صوغ رؤية سياسية وطنية من أجل مواجهة التحديات «الإسرائيلية» المتعاظمة في وجه القضية وعناوينها.

وكذلك التوقف عن الخلط بين صلاحيات المنظمة والسلطة التي تحوّلت إلى المرجعية لكلّ شيء، فيما المنظمة حطام وعنوان من دون مضمون، بعد أن أفرغ رئيس السلطة وعن عمد المنظمة ولجنتها التنفيذية من أيّ مضمون حقيقي.

5 ـ العمل الفوري على رأب الصدع والانقسام في الساحة الفلسطينية، وتطبيق متطلبات المصالحة بكلّ عناوينها ومندرجاتها، بما يؤمّن وقفاً مستداماً للسجال السياسي والإعلامي في الساحة الفلسطينية، حتى يتمّ التفرغ لمتابعة الأزمات المتفاقمة في قطاع غزة وفي مقدمتها رفع الحصار والبدء في إعادة ما دمره العدوان «الإسرائيلي».

6 ـ إنّ إعادة الاعتبار للمشروع الوطني مهمة مستعجلة في ظلّ ما تواجه القضية وعناوينها من تحديات، ليس أقلها فرض الاعتراف بـ«يهودية الدولة»، وما سينتج عنه من طرد جماعي لأبناء شعبنا في مناطق الـ48 من فلسطين المغتصبة، وتهويد للأرض والمقدسات واللغة والتاريخ والثقافة.

7 ـ بالتالي فإنّ ما حفظته شرعة الأمم المتحدة في حق الشعوب مقاومة محتليها ومغتصبي أرضها، يمثل المسوّغ القانوني والأخلاقي أمامنا في إعادة التأكيد على خيار شعبنا في التمسك بمنهج المقاومة وبكلّ الأشكال المتاحة وفي مقدمتها الكفاح المسلح، القادر وحده على فرض إرادة شعبنا الفلسطيني.

من دون ذلك فإنّ القضية الفلسطينية وعناوينها إلى مزيد من التبديد والتراجع. وبالتالي استمرار حالة تشظي الساحة الفلسطينية سيُكسب الاحتلال الوقت الكافي من أجل استكمال برنامجه وفرض وقائعه على الأرض. خصوصاً أنّ الظروف الإقليمية في ظلّ ما تشهده المنطقة غير مهيأة لأن تكون القضية الفلسطينية في أولويات الاهتمام العربي.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 58 / 2165820

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع رامز مصطفى   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165820 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010