الجمعة 2 كانون الثاني (يناير) 2015

متى تكون الدول العربية جاهزة لاستقبال طريق الحرير؟

الجمعة 2 كانون الثاني (يناير) 2015 par رغيد الصلح

كثيراً ما يتداول المعنيون بعلاقات الشرق بالغرب في أيامنا هذه مصطلح “طريق الحرير” . ولكن العودة إلى هذا المصطلح، في بعض الكتابات والمداولات هي أقرب إلى استرجاع صور قديمة وغابرة من التاريخ القديم، منها إلى التفكير بالغد . فهذه الطريق التي نشرت الرخاء الاقتصادي والتنوع والتفاعل الحضاريين في آسيا وإفريقيا وأوروبا لا تنتمي، عند هؤلاء، إلى الجغرافيا الحديثة بل إلى التاريخ القديم .
في الصين وفي البلاد العربية أيضاً، هناك نظرة مغايرة لطريق الحرير . أنه عند القيادة الصينية مشروع مستقبلي، وخطوات عملية بوشر بتنفيذها بالدأب الصيني المعهود . هذا ما أكده الرئيس الصيني شي جين بينغ بمناسبة استقباله الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أسبوعين . فبين عامي 1992 و،2014 أنفقت الصين ما يقارب 5 .8% من مجموع الناتج القومي على بناء البنى التحتية مثل الطرقات البرية . بالمقابل تفاوت معدل استثمار الدول النامية الأخرى في البنى التحتية ما تراوح بين 2 و4% من ناتجها القومي كما جاء في “منبر شرق آسيا (16-08-2014)” تحت عنوان “بناء طريق الحرير خلال القرن الواحد والعشرين” .
مع تنفيذ هذه الخطوات والمشاريع الفرعية، أخذت تتبلور ملامح الطريق العابرة للقارات التي تبنيها القيادة الصينية . تنطلق هذه الطريق، كما جاء في مجلة “الايكونوميست” (29-11-2014) من ثلاث محطات أساسية: الأولى هي وسط الصين، حيث تنطلق الطريق إلى المنطقة العربية مروراً بدول آسيا الوسطى . الثانية هي بحر الصين الجنوبي، حيث تبدأ الطريق البحرية لكي تمر بعد ذلك بممرات وموانئ عربية على ضفاف البحرين الأحمر والمتوسط، ومنطقة يونان في جنوب غرب آسيا حيث تبدأ الطريق هناك لكي تنتشر في الدول المجاورة للصين، أي ميانمار وفيتنام ولاوس وتايلاند . إذا صحت هذه التقديرات، فإن قسماً واسعاً من طريق الحرير المعاصر سوف يمر بأراض عربية .
إن هذا الاحتمال جدير بأن يشيع بعض التفاؤل في نفوس أولئك الذين يتنبأون للمنطقة العربية بمصير مظلم لعدة سنوات، أي حتى تضع الحروب العربية العربية أوزارها على الأقل . فقبل أن يعود الاستقرار إلى المنطقة، وقبل أن تصطلح أوضاعها السياسية والأمنية، سوف يكون من الصعب إقناع المعنيين بالتجارة الدولية، سواء كانوا من قادة الدول مثل الصين، أو كانوا من أصحاب ومسؤولي الشركات العابرة للقارات، بتوظيف استثمارات ضخمة في المنطقة من أجل تشييد البنى التحتية وبناء طريق حرير للقرن الواحد والعشرين .
ومع استفحال الصراعات الفئوية الدامية في المنطقة، فإنها قد تكتسب ديناميكية ذاتية، بحيث يصعب وضع حد لها ضمن المدى الزمني المنظور . وإذا لاحت علامات استمرار هذه الصراعات الدامية فترة طوال من الزمن، فإن الجهود الرامية إلى إطفائها وإلى تحويل المنطقة بعيداً عنها وباتجاه عصر البناء والنهوض سوف تصطدم، إضافة إلى الصراعات الفئوية والاقتتالية المستشرية في المنطقة، بعوامل أخرى تؤثر سلباً في دخول طريق الحرير البلاد العربية، وفي مقدمتها العاملان التاليان:
* أولاً، تبدل النظرة الصينية إلى مسار طريق الحرير . إن الصين التي تستعجل اليوم بناء طريق الحرير وصولاً إلى تنمية تجارتها مع المنطقة العربية وأوروبا، قد تجد أنه من الأجدى والأفضل، خلال السنوات المقبلة على الأقل، إبعاد الطريق عن الممرات العابرة للمنطقة العربية، والتركيز على المسالك والمعابر التي تمر عبر تركيا والدول الأوروبية في الشمال، وعلى الممرات البحرية التي تمر بالقارة الإفريقية للوصول عبرها إلى أوروبا والى دول أمريكا اللاتينية . وتقدم علاقات الصين مع مجموعة الدول الأخيرة نموذجاً للتغييرات المحتملة إذا لم ترتب الدول العربية وبسرعة أوضاع البيت العربي وعلاقته مع الشركاء الدوليين . فالصين تستورد نصف ما تستهلكه من النفط من الخارج ومن الدول العربية بصورة خاصة . إن اضطراب الأوضاع في البلاد العربية قد يدفع الصين إلى زيادة مستورداتها النفطية من أمريكا اللاتينية على حساب مستورداتها من الدول العربية . هذا الوضع قد يتكرر في مناطق أخرى من العالم، حيث يتراجع دور الدول العربية كشريك تجاري مستقر ومضمون . في هذا السياق ينبغي الانتباه إلى ما قاله الرئيس الصيني بينغ إبان استقباله للرئيس السيسي، عندما أشار إلى أن الصين قد تلقت حتى الآن موافقة خمسين دولة على إحياء طريق الحرير . من المؤكد أن الرئيس الصيني لم يقصد إبلاغ الجانب العربي بأن هناك بدائل كثيرة لمرور الطريق عبر الأراضي العربية، ولكن هذا لا يمنع من يتابع مشروع الطريق أن يقرأ خطابات وكلمات زعماء الصين قراءة واعية .
* ثانياً، ضعف مؤسسات التعاون العابر للدول في المنطقة العربية . ويتسم هذا الوضع بالغرابة، إذ إن المنطقة شهدت ولادة واحد من أوائل النظم الإقليمية في العالم بعد الحرب العالمية الثانية متمثلاً في جامعة الدول العربية . ولكن انقضاء ما قرابة سبعة عقود من الزمن لم يفض إلى نمو مؤسسات التعاون الإقليمي في المنطقة . ومن يتابع نشاط هذه المؤسسات ويدقق في أعمالها، يجد أمثلة لا حصر لها على هشاشة هذه المؤسسات وضعفها .
فالمؤسسات الرئيسية مثل مؤتمرات القمة العربية والمجالس الوزارية العربية ومجالس الجامعة العربية كلها تعاني، كما صرح قادة عرب بارزون، من ضعف صريح في متابعة وتطبيق المقررات . يمكن أن يضاف إلى ذلك الغياب الواضح، في أغلب الحالات، للمساءلة والمحاسبة التي تقود إلى الحد من استشراء هذه الظاهرة . ومن الطبيعي أن ينسحب هذا الواقع الذي يطبع المؤتمرات الرسمية الرئيسية على المنظمات الإقليمية المختصة بتنمية المواصلات والاتصالات بين الدول العربية، ومن ثم بتنمية علاقات المنطقة بغيرها من مناطق العالم .
ويقدم الموقع الرسمي لإحدى هذه المنظمات نموذجاً محزناً لضعف الفاعلية . فعندما يتحدث الموقع عن إنجازات المنظمة يعدد 10 إنجازات رئيسية، سبعة منها تمثلت في حضور مسؤولي المنظمة مؤتمرات دولية . ويعدد الموقع هذه النشاطات وكأن حضور المؤتمرات هو في حد ذاته إنجاز كبير، بينما ينبغي اعتبار حضور هذه المؤتمرات فرصة للمساهمة الحية في بحث قضايا التعاون الإقليمي والدولي وللتقدم بمقترحات تخدم هذه الأهداف . استطراداً، يكون على المنظمة المختصة أن تنشر على الملأ تفاصيل سعيها، في المؤتمرات، أو خارجها، إلى تحقيق الأهداف المناطة بها، وتوعية المواطنين على أهمية هذه الأهداف وصلتها بأوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية .
ما لم تقم منظمات التعاون الإقليمي، خاصة الرئيسية منها التي تحمل طابعاً سياسياً، بمثل هذا الدور، وما لم توجه الرأي العام، بحيث يكون أكثر انتباهاً لما يؤثر في البلاد وفي المنطقة من مشاريع دولية كبرى مثل طريق الحرير، فإن التراجع لن يصيب فكرة التعاون بين الدول العربية فحسب، بل سوف يصيب كل دولة منها على حدة . فإذا كانت الصين بحجمها البشري والجغرافي والحضاري تتطلع إلى تعميق التعاون مع الدول الأخرى، كبيرها وصغيرها، وإذا كانت الصين تأمل في تحقيق فوائد ملموسة من وراء بناء طريق الحرير، فإنه من باب أولى أن تعمل الدول العربية بكل جد من أجل تعميق التعاون فيما بينها مقدمة لتنمية التعاون مع الجيران ومع الدول الصديقة، ولفتح الباب واسعاً أمام مرور طريق الحرير بالبلاد العربية .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2178391

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع وفاء الموقف  متابعة نشاط الموقع رغيد الصلح   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2178391 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40