الأحد 28 كانون الأول (ديسمبر) 2014

تداعيات أسر الطيار

الأحد 28 كانون الأول (ديسمبر) 2014 par د.عبدالله السويجي

هل يفهم تنظيم “داعش” معنى التعامل وفق القانون الدولي، وهل يعترف باتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بالأسرى، أو باتفاقية تحييد المدنيين في الحروب، وهل يفهم اللغة التي يخاطبه فيها أهالي المخطوفين، التي تناشدهم بأن يكونوا رحيمين بأبنائهم لأنهم مسلمون، وبعضهم من حفظة القرآن؟ أم أن هذا التنظيم لا يعترف بهذه الاتفاقيات الدولية، ولا يهمه أن يكون الأسير أو المخطوف مسلماً وحافظاً للقرآن، وينظر إلى كل من يحاربه نظرة المرتد وبالتالي وجب قتله؟ أم أن هذا التنظيم الدموي يلجأ إلى عمليات الخطف والأسر للتكسب وأخذ الفدية، أو إلى إشباع نزوات أفراده الجنسية والمادية خاصة حين يتعلق الأمر بأسر أو خطف نساء وبنات مسلمات من طائفة أخرى أو من عقيدة أخرى، ويعاملهم معاملة السبايا والجواري؟ أم أنه يلجأ إلى عمليات الخطف والأسر ليجبر الآخرين على التفاوض معه، والاعتراف به ككيان، كما حصل ويحصل مع الجنود اللبنانيين الذين تم خطفهم من بلدة عرسال اللبنانية، أو ما سيحصل مع الطيار الأردني معاذ الكساسبة، الذي سقطت طائرته فوق الرقة قبل أيام قليلة ووقع في أسر مقاتلي “داعش”، ولا شك أنه صيد ثمين، خاصة أن الأردن هو ضمن التحالف المعلن الذي يقوم بغارات جوية ضد التنظيم في العراق وسوريا .
منذ خمسة أشهر تقريباً، تم أسر مجموعة من الجنود اللبنانيين بعد معركة ساخنة مع “داعش” و“النصرة”، ومنذ ذلك التاريخ حتى الآن، والموضوع بين شد وجذب بين الحكومة اللبنانية والخاطفين عبر وسطاء متعددين، بعضهم مجهول وبعضهم معروف وواضح، وبين الحكومة اللبنانية وأهالي المخطوفين، وتم قتل خمسة من العسكريين الأسرى لأن الدولة اللبنانية لم تنفذ طلبات الخاطفين، ومنذ يوم الخطف حتى اليوم، والخاطفون يلعبون بأعصاب الأهالي، ويتصلون بهم على هواتفهم النقالة، ويأمرونهم بالضغط على حكومتهم من خلال قطع الطرقات، وإلا سيعدمون أحد الأسرى، وعلى الرغم من استجابة أهالي المخطوفين في ممارسة الضغوط على الحكومة اللبنانية، وقيامهم بإقفال الطرقات بالحجارة والعجلات المشتعلة، أو بالاعتصام أمام المؤسسات الحيوية، إلا أن الخاطفين نفذوا تهديدهم خمس مرات، وقتلوا من قتلوا، ولا تزال اللعبة الدموية جارية .
ومنذ وقوع الطيار الأردني معاذ الكساسبة في الأسر، لم يتوقف والد الأسير عن مناشدة تنظيم “داعش” بلغة فيها من المذلة والتوسل الكثير، وقال في اتصال هاتفي مع صحيفة “القدس العربي” إن ابنه “ضيف عند إخوان لنا في سوريا . . جماعة الدولة الإسلامية، أسألهم بالله وأسألهم بكرامة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، أن يستقبلوه استقبال الضيف عند مضيفيه وأن يحسنوا إليه ولا يسيئون معاملته . . إن ابني الطيار معاذ من مواليد عام 1988 من أسرة متدينة، تربى على الأخلاق الطيبة، وهو من حفظة القرآن الكريم، وما عرف عنه إلا طيب الأخلاق، كلف بمهمة عسكرية وشاءت الأقدار أن يكون رهينة بين أيدي الدولة الإسلامية”، وطالب تنظيم “داعش” بالدخول في مفاوضات جادة مع المملكة الأردنية لتبادل السجناء، وإطلاق سراح ابنه .
ودخل على الخط ناشطون سياسيون وطالبوا بالتفاوض بين “داعش” والمملكة، والإفراج عن عدد من المعتقلين من المتطرفين الإسلاميين لديها، من بينهم منظر التيار السلفي الجهادي الشيخ أبو محمد المقدسي وأبو محمد الطحاوي، إضافة إلى سيدة عراقية متهمة بتفجير أحد الفنادق في عمان .
ونلاحظ هنا اللغة التي استخدمها والد الطيار الأردني، حيث اعتبر مقاتلي تنظيم “داعش” (أخوة)، بينما الناشطون الإسلاميون طالبوا الحكومة الأردنية بالتفاوض وتبادل الأسرى بين الطرفين، وهو الأمر ذاته الذي يطالب به أهالي الجنود اللبنانيين المختطفين، حيث طالبوا بالإفراج عن عشرات الإسلاميين المتطرفين المسجونين لدى الدولة اللبنانية، في مقابل الإفراج عن أبنائهم الجنود .
ولم يخل الأمر عند أهالي الجنود اللبنانيين، ووالد الطيار الأردني من التوسل والتذلل واستخدام لغة الود والرحمة والتراحم، حيث خاطبوهم كمسلمين يعترفون بالطريقة التي يعامل فيها الإسلام الأسرى .
وقد يكون أهالي الجنود والطيار معذورين لأنهم شاهدوا عمليات ذبح سابقة لمئات من الجنود الأسرى، ويخشون أن يكون مصير أبنائهم الذبح والقتل، إلا أن للقضية وجهاً آخر، فالأهالي، وأمام حالة الرعب، يحاولون إجبار حكوماتهم على الاعتراف بهؤلاء ككيان موجود على الأرض، وليس من العيب التفاوض معهم والتعامل معهم ككيان موجود، والاستجابة لهم أيضاً، إذا دعت الحاجة، ويضرب أهالي الجنود اللبنانيين المثل بحزب الله الذي تفاوض مع “داعش” للإفراج عن أسير وعدد من الجثث، بل إنهم طالبوا حزب الله بالتدخل والقيام بالدور ذاته والفعل ذاته للإفراج عن الجنود .
وإذا كانت الدولة اللبنانية قد نأت بنفسها حتى الآن عن التورط في الموضوع السوري، فإن المملكة الأردنية انضمت إلى التحالف بشكل مباشر، ويقوم طياروها بشن غارات على مواقع “داعش”، وبهذا يكون الطيار أكثر من عدو، وربما اعتبروه كافراً ومرتداً، لأنه يحارب مقاتلي (دولة الخلافة)، ووفق قانونهم فإن القتل هو الحكم .
وتنظيم “داعش” ليس مستعجلاً في القتل، وسيفكر في انتهاز الفرصة ليطالب الحكومة الأردنية بالانسحاب من التحالف، ووقف الغارات التي تشنها على قواعد التنظيم، وقد يطالب بالإفراج عن عشرات المعتقلين الإسلاميين من السجون الأردنية . لكن الأردن، وفي كل الحالات، قد يكون مستعداً للتفاوض دون الإخلال بتعهداته في محاربة الإرهاب، والتزامه في إطار التحالف الدولي لمحاربة “داعش”، خاصة مع وجود تيار سلفي وجهادي قوي في الأردن، قد يضغط على الحكومة .
وهكذا، تبدو القضية معقدة منذ البداية، لكن الاحتمالات كلها مفتوحة، للإفراج عن الطيار، خاصة أن الولايات المتحدة قد وعدت على لسان السفيرة الأمريكية في الأردن “أليس ويلز”، أن حكومة بلادها تعمل مع الحكومة الأردنية لضمان عودة سالمة للطيار، دون أن تشير إلى الكيفية .
إلا أن السؤال الجوهري هو: ماذا سيكون رد فعل المملكة الأردنية لو قام “داعش”، الذي لا يعترف بأي اتفاقيات دولية ولا يفرق بين المدنيين والعسكريين في حربه، بإعدام الطيار؟ هل ستحرك جيشها للتدخل في سوريا والعراق لمحاربة التنظيم الدموي، أم أنها ستعض على الجرح، وتبقى تمارس دورها المرسوم؟
الأيام المقبلة حبلى بالأحداث، لأن تحرك الجيش الأردني إذا ما حصل، سيقلب المعادلة في التحالفات، وسيسرّع في القضاء على “داعش” .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2178424

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع عبدالله السويجي   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178424 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40