فوز زعيم حركة “نداء تونس” الباجة قايد السبسي في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية الثانية وبنسبة 55% على المناضل التاريخي والمدافع عن حقوق الإنسان الرئيس المنصف المرزوقي يعتبر ردة عن المسار الطبيعي للربيع العربي والثورات العربية، فلا يجوز منطقيا أن يهزم رجل ينتمي إلى نظام المخلوع مناضلا مفكرا وحقوقيا بوزن الدكتور المرزوقي، فهذا يعاكس طبيعة الأشياء.
بالطبع لابد من القبول بنتائج صناديق الاقتراع، والتسليم بالإرادة الشعبية وخيارات الناس، لأن هذا الأمر يعتبر العمود الفقري للعملية الديمقراطية والاحتكام إلى قواعد اللعبة التي قبل بها الجميع، ولهذا فإن الباجي قايد السبسي سيكون رئيسا شرعيا مقبولا حتى نهاية فترته الرئاسية، وهذا هو الجانب الإيجابي من اللعبة الديمقراطية، الانتقال السلمي السلس للسلطة من يد إلى اليد الأخرى.
لكن التجربة التونسية التي أفرزت عودة أركان النظام القديم المخلوع إلى السلطة، تثبت أن الحالة التونسية والعربية ليست مستقرة، وأن المزاج الشعبي متقلب، وأنه قابل للانقلاب من النقيض إلى النقيض خلال عام أو عامين، وهذا يعكس سيادة حالة من التخلف وغياب الوعي والاستقطابات الحادة والمواقف العدائية الأيديولوجية المتصارعة إلى حد الإقصاء، مما يقود إلى نتائج معاكسة لمنطق الأشياء، ولكن من قال إن العالم يسير حسب المنطق الصحيح دائما؟
في تفاصيل التجربة التونسية، فإن الثورة التي اندلعت في سيدي بوزيد عندما أشعل الشاب محمد البوعزيزي النار في نفسه في 17 ديسمبر 2010 انقلبت إلى الاتجاه المعاكس، لأسباب عديدة، أهمها توغل الدولة العميقة في كل المفاصل، وامساك مجموعة بمفاصل الدولة و“يعشعشون” في كل ثناياها، وعدم وجود نخبة ثورية، وانحياز النخب المثقفة في غالبيتها ضد الثورة والديمقراطية لصالح الدكتاتورية والاستبداد، وتحالف رجال الأعمال واليسار والقوميين والليبراليين مع الفلول ضد “الإسلاميين وحلفائهم من العلمانيين”، وهو تحالف جمع كل المتناقضين على صعيد واحد“حركة النهضة الإسلامية وحلفاؤهم، الدكتور المنصف المرزوقي ومصطفى بن جعفر”.
لكن هذه الاستدارة المعاكسة للناس ضد مناضلي ومجاهدي الأمس ضد الدكتاتورية جاءت أيضاً بسبب أخطاء حركة النهضة الإسلامية في الحكم، ولابد من الإقرار أن النهضة فشلت بتقديم أي نموذج مقنع للناس، فلا حلت مشكلة الفقر ولا البطالة، ولا قدمت خططا قابلة للتطبيق من أجل تغيير الأوضاع في تونس نحو الأفضل، وهي حكمت بنفس طريقة الأنظمة العربية القائمة، ولم يكن لديها نموذج مغاير لما هو موجود، وكان أداؤها متواضعا للغاية فعاقبها الناس على ذلك بخسارة المركز الأول في الانتخابات البرلمانية، وخسارة الرئيس الذي كانت تفضله رغم أنها لم تدعمه رسميا.
لكن القول إن حركة النهضة وحلفاءها فشلوا لأسباب ذاتية خالصة فيه قدر كبير من الظلم والتجني، لأن القوى المضادة للثورة والمعادية لحركة النهضة الإسلامية استنزفتها في كثير من المعارك الجانبية، وأرهقتها الآلة الإعلامية الضخمة والحملات التي لا تتوقف، وتكالب الخصوم من جميع المشارب وتحالفهم لوضع العصي في دواليب حركة الدولة المفلسة، والتمويل الخارجي، الذي انهال على القوى المضادة للثورة، الأمر الذي تكلل بإجبار الائتلاف الفائز في الانتخابات السابقة إلى التنازل عن تشكيل حكومته التي يريد لصالح حكومة خبراء، وهو تنازل يعكس قوة القوى التي حصلت على أصوات قليلة من الناس ومقاعد قليلة في البرلمان السابق على “المشاغبة” إلى درجة أنها استطاعت أن تفرض على الفائزين ما تريد، وهي بذلك انتصرت وهي خاسرة، ثم عادت لتنتصر مرة أخرى وتفوز في الانتخابات، الأمر الذي يجعلها “فائزة” في الحالتين.
الوضع في تونس وفوز الباجي قايد السبسي لا يمكن فصله عن مجريات الأحداث في مصر، والانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي، والإطاحة بالحكم الشرعي والإرادة الشعبية، وهذا ما عكسته التهنئة السريعة من السيسي للسبسي، فالقوى المعادية للثورة تعمل في مصر وتونس وليبيا مدعومة بأموال ورغبات إقليمية ودولية بطي صفحة الثورات العربية وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل أن يحرق البوعزيزي نفسه.
على أي حال، عودة العسكر في مصر وعودة علي عبد الله صالح لكي يلعب في اليمن رغم إزاحته من السلطة، وهجمة خليفة حفتر على الثورة في ليبيا، واستمرار الدعم الدولي والإقليمي لبشار الأسد في سوريا رغم قتل ربع مليون سوري، ما هي إلا فصل في ملحمة الكفاح من أجل الحرية، الحرية التي يعاديها نصف الشعوب العربية الرازحة في نير الفقر والعبودية، وهناك فصول كثيرة ستتوالى، لأن التاريخ حركة مستمرة لا تتوقف.
السبت 27 كانون الأول (ديسمبر) 2014
من السيسي إلى السبسي
السبت 27 كانون الأول (ديسمبر) 2014
par
سمير الحجاوي
مقالات هذا المؤلف
الصفحة الأساسية |
الاتصال |
خريطة الموقع
| دخول |
إحصاءات الموقع |
الزوار :
25 /
2178523
ar أقسام الأرشيف ارشيف المؤلفين سمير الحجاوي ? | OPML ?
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC
12 من الزوار الآن
2178523 مشتركو الموقف شكراVisiteurs connectés : 9