السبت 27 كانون الأول (ديسمبر) 2014

التفكير في مواجهة التكفير!

السبت 27 كانون الأول (ديسمبر) 2014 par حلمي الاسمر

منذ أن ساد فكر التكفير بديلا لفقه التفكير، حلت بالأمة كوارث كبرى، نكأت جراحات ماضية، وفتحت جراحات أخرى جديدة، أضيفت لبقية العناصر التي تشق صف الأمة الاسلامية المتشظي اصلا!
الجرأة على تكفير المسلم، غير مختصة بتكفير بعض أهل السنة للشيعة، ولا لتطاول بعض أهل الشيعة على أبناء المذهب السني، بل هناك حركات تكفيرية بين أبناء المذهب الواحد، أنتجتها حركات ظلامية ترجمها البعض إلى سلوك عدواني شرس، رأى في قتل المسلم عملا مشروعا، بزعم أنه خارج عن الملة!
ما حصل من جرائم مروعة في العراق والباكستان وسوريا ولبنان، واليمن، وليبيا، ومصر، وغيرها من بلاد العرب والمسلمين، من قتل وتنكيل بين المسلمين انفسهم، جريمة بشعة، لا يمكن لمسلم أو غير مسلم أن يتقبلها، حتى ولو استند منفذوها لفتاوى التكفير والمفاصلة والبراء، من السهل علينا أن نحمل الاحتلال الأميركي أو الصراع بين القوى الإقليمية مسؤولية ما حصل ويحصل، لكن قيام شاب بتفجير نفسه وسط جموع من البشر المحتفلين بمناسبة دينية تاريخية، مثلا، مهما اختلفنا حولها، أمر لا يبرىء من أعد الأرضية للتحريض المذهبي، بتكفير فئة مؤمنة بيننا وبينها خلاف تاريخي، وضعه ابن خلدون في سياق صحيح يعطي مثالاً للتوحيد بين الرؤيتين في تحليله لثورة الإمام الشهيد - سيدنا الحسين رضى الله عنه- فنجده يقول: «..فرأى الحسين أن الخروج على يزيد متعين من أجل فسقه لا سيما على من له القدرة على ذلك. وظنها في نفسه بأهليته (معيار خلقي وروحي) وشوكته (معيار سياسي ومادي). فأما الأهلية فكانت كما ظن وزيادة. وأما الشوكة فغلط يرحمه الله؛ لأن عصبية مضر كانت في قريش وعصبية قريش في عبد مناف وعصبية عبد مناف إنما كانت في بني أمية. فقد تبين لك غلط الحسين إلا أنه في أمر دنيوي لا يضره الغلط فيه. وأما الحكم الشرعي فلم يغلط فيه لأنه منوط بظنه وكان ظنه القدرة على ذلك».
ولمحمد خاتمي، الرئيس الإيراني الأسبق، في هذا الصدد كلام نفيس، إذ استخلص في كتابه «الدين والفكر في شراك الاستبداد» أنه يمتنع أن تتحقق نهضة المسلمين دون التخلص من الخلافات المذهبية التي طابقت الخلافات الشعوبية وخاصة بين أقوام الإسلام الخمسة الرئيسية: العرب والفرس والترك والهنود والبربر. فالعرب هم الأصل الأول لكون الرسالة بلغتهم، والفرس يبرزون حضارياً، والترك سياسياً: وثلاثتهم يمثلون القلب. ويضاف إلى هذا القلب جناحاه: البربر والهنود فهم في الجناحين وفي الأقاصي. لذلك فالنسر الإسلامي يحتاج إلى هذا المخمس الذي يمثل قاعدة الانطلاق الدائمة التي فتحت للإسلام كل العالم بأقوامه الأخرى، غربا وشرقا، فضلا عن كون الأقليات المهاجرة من هذه الأقوام الخمسة هي التي تمثل سفراء الإسلام في كل بقاع العالم.
الخلاف بين السنة والشيعة، أو بين جماعة وأخرى من المسلمين، خلاف تاريخي أصلا، أو عقلي، أو اجتهادي، وحله يتم بالتفكير والتدبير، لا بالتكفير والتفجير، ومن العار على المسلمين، مهما كان مذهبهم، أن ينشغلوا بتصفية بعضهم البعض، فيما أعداؤهم يحرضون، ويمدونهم بالأسلحة الفتاكة، لإتمام ما عجزوا عن إتمامه!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2165629

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع حلمي الاسمر   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2165629 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010