السبت 20 كانون الأول (ديسمبر) 2014

درس من كوبا

السبت 20 كانون الأول (ديسمبر) 2014 par معن بشور

في مطلع عام 1992، وفيما الزهو يغمر الرئيس الأمريكي آنذاك، جورج بوش الأب، بعد حرب بلاده وحلفائها الأولى ضد العراق، وبعد نجاحه في استدراج الدول العربية إلى مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط ، وفي ضوء انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية من حوله، وقف بوش أمام جمع من الكوبيين المنفيين قائلاً: أعدكم أننا سنحتفل في عيد الميلاد القادم في هافانا، موحياً إن النظام الذي يقوده فيدل كاسترو سيسقط حتما.
يومها وضع كثيرون أيديهم على قلوبهم خائفين على هذا الموقع الثوري، الذي صمد على مدى عقود في خاصرة الدولة الأكبر والأقوى في العالم، من أن يسقط أخيراً في ظل الزلزال الضخم الذي هزّ العالم بعد ما جرى في موسكو وبوخارست وبرلين وبراغ وكييف وتبليسي وقبلها في وارسو عاصمة بولندا، بل بعد ما جرى في العراق آنذاك، وبعد انتشار غير مسبوق للقوات الاطلسية في “خليج الشمس الساطعة” كما أسماه يوماً الاسكندر المقدوني.
كان السؤال يومها محيّراً للجميع، كيف تصمد دولة صغيرة بحجم كوبا وسط هذه الأعاصير، وهي على بعد أميال من فلوريدا الأمريكية، فيما تقوم في جزء منها واحدة من اكبر القواعد العسكرية الأمريكية (غوانتامو) التي تحولت إلى واحدة من أكبر معسكرات التعذيب الأمريكية في العالم، والتي قد يكون سر اختيار جورج بوش الابن لها كسجن للمقاتلين في افغانستان نوعاً من الرمزية التي تريد تصوير جزء من كوبا كسجن أمريكي، فيما لم يستطع السجن الأمريكي الكبير أن يقفل أبوابه الحديدية على كوبا وعلى قيادتها الثورية.
يومها قلت في لقاء تضامني عقدناه في الطريق الجديدة في بيروت مع الثورة الكوبية (بعد ان تصرف المندوب الكوبي في مجلس الأمن آنذاك كالمندوب العربي الوحيد في دفاعه عن فلسطين والعراق وسوريا وحركة التحرر العربية والعالمية) إن كاسترو باقٍ وان بوش هو الذي سيكون في عيد الميلاد القادم (25 كانون الأول 1991) يوضب حقائبه للخروج من البيت الأبيض”. وهو ما حصل في الانتخابات الرئاسية في خريف 1992.
لم تكن تلك الفكرة نبؤة آنذاك ،ولم يكن ردا انفعاليا على مناخ الاحباط الفكري والسياسي الذي طوق نخباً عديدة آنذاك، بل كانت إدراكاً بسيطاً وعفوياً أن في كوبا شعب مسكون بروح التمرد على الطغيان والتبعية، وفيها أيضاً قيادة ثورية تعرف كيف تلتصق بشعبها، وتحرص على مبادئها، وتدرك أن الأوطان موجودة باستقلالها فان خسرت استقلالها تخسر كرامتها وعنفوانها بل ووجودها نفسه.
وكنت أدرك ، كالكثيرين، أن ما من شعب قرّر الصمود خلف قيادة صلبة إلا وانتصر على اعدائه مهما طال الزمن، وان هذا قانون عرفته كل الأمم المكافحة، كما عرفه الكوبيون أنفسهم حين امتشق عشرات منهم السلاح، وفي اواسط الخمسينات من القرن الماضي، وعلى رأسهم الثنائي كاسترو – غيفارا، فاسقطوا باتيستا الطاغية، وتحصنوا بوجه كل الإغراءات والتهديدات الأمريكية.
اليوم ستحتفل كوبا باعياد الميلاد لهذا العام، وبعد 23 عاماً على “وعد” بوش الاب، وهي تحتضن قائد ثورتها فيدل ورئيسها راؤول، فيما يمضي بوش الاب وابنه واحفاده عطلة عيد الميلاد في مزرعتهم في تكساس بينما تعصف بدولته اعاصير العصبيات العنصرية بكل ما تحمله من اخطار…
“درس من كوبا”، هذا ما كشف عنه إقرار الرئيس الأمريكي اوباما بأن كل محاولات إدارته لإخضاع كوبا قد فشلت، فهل سيقرّ اوباما، أو من يخلفه، أن كل محاولات إداراتهم لثني شعب فلسطين عن مقاومة الاحتلال والاغتصاب قد فشلت مع انتفاضة تتجدد، ومقاومة تتسع وتعيد صياغة المعادلات، كما ان كل دسائس اجهزتهم وادواتهم لم تنجح في تدمير ارادة الشعب في العراق وسوريا، وفي مصر وليبيا والسودان، وفي اليمن والجزائر والصومال، ناهيك عما جرى للبنان وفيه.
قد تتباين وجهات النظر فيما جرى بالامس من تطور خطير ومذهل في العلاقة الامريكية مع هافانا، وقد يعتقد اسرى وهم القوة الامريكية الطاغية في كل مكان وزمان، ان ما جرى هو محاولة استيعاب للدولة والثورة، وقد يعتقد البعض ان ما جرى هو اغلاق جبهة للتفرغ لجبهات أخرى اكثر سخونة، بل ربما لاستفراد دول اخرى في امريكا اللاتينية وعلى رأسها فنزويلا، لكن احداً لا يستطيع ان ينكر ان كوبا الثورة قد صمدت وظفرت وانتصرت.
انه درس من كوبا لكل من يسعى إلى فرض التبعية على الأمم، ولكل من أثبت أن لديه “قابلية واسعة للتبعية ” … وهم ليس قلة خصوصاً بين بعض النخب و” المحللين الاستراتيجيين”.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 58 / 2165323

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع معن بشور   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165323 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010