الجمعة 19 كانون الأول (ديسمبر) 2014

القائد المؤسس للكفاح المسلح الفلسطيني

الجمعة 19 كانون الأول (ديسمبر) 2014 par عوني فرسخ

الصراع الذي فرض على شعب فلسطين وأمته العربية ضد المشروع الصهيوني ورعاته الدوليين والإقليميين لم يكن يوماً فلسطينياً “إسرائيلياً” وإنما كان على الدوام عربياً صهيونياً . ولأن الشعوب العربية أدركت أنها مستهدفة في أمنها واستقرارها وتكاملها تصدت طلائعها للصهاينة وداعميهم منذ عشرينات القرن الماضي، إذ تدفق على فلسطين مئات المناضلين من غالبية الأقطار العربية، الذين سقى العديد منهم ثرى فلسطين بدمائهم الزكية . وفي مقدمة الشهداء الخالدين في الذاكرة الشعبية الشيخ عز الدين القسام .
والشيخ القسام من مواليد مدينة جبلة السورية . وقد شارك سنة 1920 في ثورة الشيخ صالح العلي في جبال العلويين ضد الفرنسيين، وحين حكم عليه بالإعدام لجأ إلى فلسطين واستقر في حيفا سنة ،1923 حيث انتسب لجمعية الشبان المسلمين، ولم يلبث أن انتخب رئيساً لها سنة 1926 . وعينه المجلس الإسلامي الأعلى مأذوناً شرعياً في قضاء حيفا، ما يسّر له توسيع نشاطه في القرى وتشكيل الخلايا السرية . وكان مؤمناً بالعروبة والإسلام . وقد عرف بفكره الثاقب، والوعي السياسي، والحديث الهادئ، والنظر في الصراع باعتباره صراعاً ضد الاستعمار البريطاني الداعم للحركة الصهيونية . كما آمن بأن الكفاح المسلح هو السبيل الوحيد لتحرير فلسطين من الاستعمار والصهيونية، وأن القيام بذلك يتطلب تشكيل قوة مدربة، وإشاعة الوعي الوطني في أوساط الجماهير الشعبية ليكون لديها الاستعداد لدعم الكفاح . ولتحقيق ذلك أقام خمس لجان: للدعوة للجهاد، وتدريب المتطوعين، ولشراء السلاح وحفظه، وجمع المعلومات عن الإنجليز والصهاينة وعملائهم، وللعلاقات الخارجية .
وبهذا يكون القسام أول من دعا لاعتماد الكفاح المسلح خياراً استراتيجياً في الصراع ضد الاستعمار وأداته الصهيونية . متميزاً بذلك كيفياً عن النهج الغالب على أنشطة اللجان التنفيذية للمؤتمرات الوطنية والأحزاب الفلسطينية، القاصر على تقديم المذكرات للحكومة البريطانية، وتنظيم المظاهرات ضد المشاريع الاستعمارية . كما تميزت حركته عن جميع أحزاب فلسطين، بما فيها الحزب الشيوعي، بتجذرها في أوساط عمال وفقراء حيفا ذوي الأصول الفلاحية . وحينها كان ما يجاوز 50% من الفلاحين العرب في فلسطين لا يملكون أو يستأجرون أي أرض . فتدفقوا على مدن الساحل . ففي حيفا القديمة كان نحو أحد عشر ألف عامل يتكدسون في أكواخ أقاموها من صفائح البنزين، دون أن تتوفر فيها الشروط الصحية البدائية، فيما كان كثير ممن لا تصحبهم أسرهم ينامون في العراء . غير بعيد عن المساكن الجميلة التي أقامتها الجمعيات اليهودية للعمال الصهاينة .
ويذكر إلياس شوفاني - في كتاب الموجز في تاريخ فلسطين السياسي - أن القسام وقلة من مناصريه خرجوا إلى أحراج يعبد، بالقرب من جنين، تحت ضغط ملاحقة سلطة الانتداب للتنظيم الذي شكله، واعتقال عدد منهم، والحكم على مصطفى الأحمد بالإعدام، وعلى أحمد الغلاييني بالسجن 15 عاماً . فيما يذهب ناجي علوش - في كتاب المقاومة العربية في فلسطين 1917 - 1948 إلى أنه خرج وصحبه إلى أحراش يعبد كي يعلن الثورة من هناك . وفي يوم الاثنين 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 1935 طوق أحراش يعبد 400 ضابط وشرطي، يصحبهم عدد من منظمة الهاغاناه . وحين اكتشفوا موقع الشيخ القسام وعناصر “عصبة المجاهدين” دعاهم أحد الضباط العرب للاستسلام حقناً لدمائهم، فقرر الشيخ المجاهد صنع أمثولة استشهادية تشكل رافعة للحراك الوطني، بأن دخلوا في معركة غير متكافئة من حيث العدد والسلاح، فاستشهد القسام وأربعة من مرافقيه، وجُرح اثنان، وألقي القبض على الجريحين وخمسة آخرين . فيما نجح الشيخ فرحان السعدي في الافلات من الطوق ومعه بقية المجاهدين . وكان للواقعة ردة فعل شعبية واسعة، فرضت على سلطة الانتداب التراجع عن وصفها الشهداء في بيانها الأول بأنهم “اشقياء” . فيما قامت القوى الوطنية والجماهير الشعبية بتشييع الشهداء في موكب مهيب حملت فيه النعوش على الأكف مسافة خمسة كيلومترات، اشتبك خلالها المشيعون بالشرطة والجنود دون مبالاة بالرصاص الذي انهمر عليهم وسقوط عدد من الشهداء .
وفي كتاب “بن غوريون والعرب”، للكاتب “الإسرائيلي” شبتاي تبيت، ورد أن الزعيم الصهيوني فوجئ باستشهاد القسام وبجنازته المهيبة، إذ كان يؤمن بأن أي زعيم عربي مستعد لبيع الشعب العربي كله في مقابل تأمين مصالحه، وأن العرب لا يحترمون زعماءهم . إلا أنه وجد في القسام قائداً عربياً يضحي بنفسه من أجل المبدأ، ورأى في استشهاده ما يمنح العرب قوة أخلاقية لم يكن يظن أنها متوفرة لديهم . وانتهى إلى تقدير أن أمثولة القسام سوف تؤدي إلى حوادث عدة، وأن آلاف الشباب سوف يمضون على درب القسام، وأن ذلك سيضع كلاً من بريطانيا والحركة الصهيونية أمام نقلة نوعية في الصراع مع عرب فلسطين ومحيطهم الذي بات يعطي تلميحات بأن لا مناص من الدخول في مجابهات مع بريطانيا .
ويورد أكرم زعيتر - في كتاب وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية 1918 - 1939 أسماء عشرة من رفاق القسام كانوا بين أبرز قادة الثورة الكبرى في فلسطين 1936 - 1939 التي أسقطت مشروع التقسيم الأول سنة ،1937 وتصدت على مدى ثلاث سنوات لأربعين ألف جندي بريطاني يساعدهم آلاف رجال الشرطة ومن منظمة الهاغاناه . وكان ضمن الثوار عشرات المناضلين العرب من سوريا والعراق ولبنان والأردن، فيما كانت دمشق مركز القيادة الخلفية للثورة تؤمن لها السلاح والعتاد والمال وتدعمها بالمناضلين .
الجدير بالتذكير به أنه بعد معركة الكرامة في 21-3-،1968 التي كانت أول انتصار عربي بعد نكسة ،1967 والتي سطر ملحمتها أشبال الفدائيين مدعومين بمدفعية الجيش العربي الأردني بقيادة اللواء مشهور حديثة، تدفق على فصائل المقاومة آلاف الشباب والصبايا من معظم الأقطار العربية، مفارقين جامعاتهم ووظائفهم للالتحاق بالعمل الفدائي . وفي عام 2009 نظم عضو المؤتمر القومي العربي أحمد الكحلاوي احتفالاً بإحياء ذكرى شهداء تونس الذين رووا بدمائهم الزكية ثرى فلسطين .
وحين يقرأ تاريخ الصراع العربي الصهيوني بموضوعية يتضح أن التصدي للصهاينة، وللاعتراف بكيانهم، والصلح والتطبيع معه، لم يكن في الماضي ولا في الحاضر قاصراً على شعب فلسطين وإنما كان ولا يزال، يشارك فيه مناضلون عرب، مسلمون ومسيحيون، ومن مختلف المذاهب والطوائف من أغلبية الأقطار العربية، وأن أغلبية الشعوب العربية كانت ولا تزال تعتبر القضية الفلسطينية قضيتها المركزية .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 27 / 2178497

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عوني فرسخ   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2178497 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40