الأربعاء 17 كانون الأول (ديسمبر) 2014

عن الكلام الطائش والمُنفعل

الأربعاء 17 كانون الأول (ديسمبر) 2014 par علي بدوان

الساحة الفلسطينية ليست بحاجة لمزيد من الإجهاد، كما ليست بحاجة للمزيد من المناكفات الداخلية، وللكلام الطائش المُنفعل، الذي بات يتواتر صدوره متبادلاً بشكلٍ واسع في الآونة الأخيرة بين بعض الأطراف الفلسطينية من داخل منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها ومن خارج منظمة التحرير. فالأوضاع التي تشهدها الساحة الفلسطينية من إخفاقات ومن أزمات متداخلة ومتراكمة تجعل الحليم فيها حيراناً، في هذه الحيرة الفلسطينية والتخبط الواضح للسياسات غير المدروسة على مستوى صناع القرار في الساحة الفلسطينية عامة عند مختلف القوى والفصائل.
لقد قيل من قبل الكثيرين بأن المشهد الفلسطيني بات أكثر سريالية، وأكثر دراما من التي يكتبها مراهقي السياسة قليلي الخبرة في إدارة صراع يُعتبر من أعقد الصراعات التي عرفها التاريخ، يتداخل فيها ما هو حضاري وما هو سياسي وما هو ديني بكل تعقيدات اللحظة الثقيلة في الساحة الفلسطينية.
إن الحديث هنا يدور عن أشخاص لهم مواقعهم القيادية، التي تَفتَرض عليهم التحلي بدرجة عالية من الحكمة والاقتدار في معالجة التوترات التي حصلت مؤخراً في قطاع غزة وبعض مناطق الضفة الغربية، وقد أعطت مُنعكساتها السلبية على الحالة الفلسطينية الداخلية، وعلى مشروع إعادة إعمار القطاع حيث تبدو الأمور الآن وكأنها تراوح في المكان لجهة إعادة إعمار ما دمرته الحرب العدوانية “الإسرائيلية” الأخيرة، وهو ما تستغله حكومة نتنياهو حاليًّا في تمرير الوقت والمطمطة في موضوع إعادة بناء القطاع، ووضع الاشتراطات التعطيلية، كالحديث عن الإشتراطات بتمرير المواد الأولية عن طريق ميناء (أسدود) ودفع الضرائب عليها من الأموال المخصصة لإعادة البناء، والحديث عن إشتراطات سياسية إضافية، لتصبح “إسرائيل” الرابح الأكبر في هذا الميدان وعلى كل المستويات بعد أن قامت بتدمير مناطق واسعة من القطاع.
وبالطبع، إن من يتحمل مسؤولية الوصول الى الحالة إياها، جميع القوى والفصائل، فيما تتحمل حركتي حماس وفتح المسؤولية الأكبر في ما يجري انطلاقاً من وزنهما ودورهما المؤثر في ساحة العمل الوطني الفلسطيني من جانب، وانطلاقاً من الواجبات التي ترتب عليهما المبادرة لكسر هذه الأجواء والمناخات السلبية من جانبٍ آخر، والانطلاق نحو استكمال مشروع المصالحة الوطنية الفلسطينية، والإلغاء العملي لحالة الازدواجية في المؤسسات بعد أن تم منذ عدة شهور تشكيل حكومة التوافق الوطني برئاسة الدكتور رامي الحمد الله، وهي الحكومة التي يُعوّل عليها فلسطينيو الضفة الغربية والقطاع والقدس الآمال الكثيرة من أجل تحقيق إنجازات ملموسة في مسار تطوير أوضاع المجتمع وأحوال الناس، وحل العديد من الاستعصاءات والمشاكل الاقتصادية، والهموم الاجتماعية التي يعيشها عموم المواطنين.
إن المراوحة بالمكان، وبروز مخاطر العجز على مغادرة الانقسام، والتوجه إلى مصالحه وحوار مُعمق، والارتهان إلى تهويمات سياسية، يُمثل إحدى أهم العقبات التي تبقي الانقسام الداخلي كخبز يومي لمعاناة الفلسطيني، التي أصبحت مركبة تحت سطوة الانقسام وسطوة الحصار وسياسات الاحتلال وتهويد الأرض. قد يقول البعض، إن الكلام هنا، قد يبدو عاماً، ودون تحديدات، وهو كذلك، لكن وكما يقول المثل الشعبي الفلسطيني “إن اللبيبَ بالإشارةِ يَفهَمُ”. فأصحاب الرؤوس الحامية في الساحة الفلسطينية، وأصحاب التطاير في التصريحات المُنفعلة التي لا تساعد على اجتراح الحلول العاقلة والمتزنة، معروفون تماماً ولا داعي لتحديدهم بــ “ضرب المندل”، وبالتالي عليهم أن يكفوا عن خلق أجواء المُشاحنات والمناكفات التي لا ضرورة لها، والتي تزيد “الطين بلة” بدلاً من أن تساعد هذا الشعب المكلوم والمظلوم على تيسير أموره الحياتية اليومية، وفي إسناد كفاحه اليومي في مواجهة الاحتلال وعصابات الاستيطان في القدس وما حولها وفي عموم الأرض المحتلة عام 1967.
إن الكلام الطائش والمُنفعل، وغير المسؤول، كان وما زال يُشكِّلُ كارثة على الحالة الفلسطينية، فهو لغة مُتقادمة، مرفوضة ومذمومة ومدانة، ولا تقدم حلول لمعضلات العمل الوطني اليومي في ساحة فلسطينية مُكتظة بالألوان والمشارب الفكرية والسياسية، ومُتخمة بالتعددية التي لا تقبل الإلغاء ولا الإقصاء، بل تَنشُد مُشاركة الجميع قولاً وعملاً في بناء وصياغة استراتيجيات وتكتيكات العمل اليومي، وفي تحديد الأولويات.
كما أن الكلام الطائش والمُنفعل، لا يليق بثقافة الشعب الفلسطيني وكفاحه الوطني العريق. ولا يليق بأدبيات الكفاح الوطني لأقدم حركة تحرر وطني ما زالت مُستمرة في عنادها على وجه المعمورة في سعيها للفوز بأهدافها العادلة والنبيلة.
ومع ذلك، وبالرغم من كل المعيقات، إن المصلحة الوطنية الفلسطينية، تتطلب من الجميع التغلب على المصاعب مهما بدت، من أجل إعادة بناء العقد الوطني التاريخي، بإنجاز وحدة الساحة الفلسطينية بالداخل والشتات. والعودة لترجمة نتائج الحوارات الوطنية الفلسطينية التي امتدت لفترات طويلة في العاصمة المصرية، بما في ذلك إعادة النظر بتركيبة منظمة التحرير الفلسطينية لجهة استيعاب الجميع ضمن أطر المنظمة، وبالتحديد الفصيلان الأساسيان الموجودان حاليًّا خارج أُطر المنظمة، وهما حركتا حماس والجهاد الإسلامي.
إن إنجاز الوحدة الوطنية وطي ملف الانقسام، شرط أساسي لا بد منه لإحداث انتقالات إيجابية، جدية، وحقيقية في الوضع الفلسطيني، خصوصاً في ظل المرحلة الصعبة الحالية التي تمر بها الأراضي الفلسطينية المحتلة في القدس ومحيطها، والصمت الذي يلوذ بملف إعادة إعمار قطاع غزة بعد الحرب العدوانية “الإسرائيلية” الأخيرة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2165804

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2165804 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010