السبت 13 كانون الأول (ديسمبر) 2014

اختلاق الفرقة.. هذا منطق علماء بني اسرائيل

السبت 13 كانون الأول (ديسمبر) 2014 par صالح عوض

وقف الامام الأكبر المرحوم محمد أبوزهرة خطيبا بعد نكبة يونيو 1967 داعيا الأمة للنهوض من كبوتها وتجاوز الهزيمة والاستعداد لخوض معركة الشرف والواجب...فاعترضه شاب قائلا: وكيف نقاتل تحت راية غير اسلامية؟ فرد الشيخ: وهل تنتظر موشي ديان - وزير الحرب الاسرائيلي- ليقيم لنا دولة الاسلام في مصر..أخرجوه إن هذا خارجي حروري.

وفي تاريخنا الاسلامي الرائع قدم لنا علماء الأمة نماذج لازالت شاهدة على تميزها على الصعيد الانساني في نموذج الوحدة مع التعدد والتنوع والمخالفة..فلقد كان الأئمة والعلماء على غير نهج حكام الملك العضوض ولطالما لحق بهم الأذى الجسدي تعذيبا أو قتلا .. لقد تعرض أبوحنيفة لظلم حكام بني أمية وكما تعرض ابن حنبل لظلم حكام بني العباس إلا أنهم لم يدعوا للخروج عن الأمة والانصراف لتكوين أمة جديدة ولم يدعوا لشق صف الأمة واعتبروا أن الصبر أولى وأنه لامبرر للخروج بالمؤمنين إلى صعيد أخر..وحتى أن الامام السجاد رغم أن الأمويين قتلوا أبيه وأهله إلا أنه حرص كل الحرص أن تظل الأمة واحدة ودعا لجيشها مع أن حكامه وقيادته من حكام بني أمية طغاة.

وللخوارج منطقهم وسبيلهم، حيث لا يمكن التشكيك في نواياهم، ولكن التهمة تلحق عقولهم وسبيلهم..فهم كانوا مع علي كرم الله وجهه جنودا مقاتلين دفاعا عن الشرعية والشريعة ليردوا البغاة إلى دائرة الأمة ومشروعية الخلافة الراشدة..إلا أنهم عندما جنح الإمام علي للصلح مع الخارجين عن الخلافة انصرفوا يشتمون ويقاتلون جيش علي لأنه توقف عن القتال ..هم لم يذهبوا لمواصلة قتالهم ضد الخارجين عن الخلافة بل ارتدوا لمقاتلة رمز الخلافة وقيادتها..

إنها عقلية مكرورة ونفسيات تتولد في لحظات تاريخية صعبة لأنها غير قادرة على استيعاب التنوع وتعدد الأراء واختلافها، ولأن ضيق الصدور يحرم العقول من الاستفادة من التعاون، وقد نبه القرأن الكريم في أكثر من موضع، بأن التنازع سبيل الفشل وأن التعاون سبيل الخير والفلاح، وأن البحث عن الخير هو الأولى وأن سوء الظن سبيل لخراب البيوت وأن الصبر على المخالفين أولى من تنفيرهم، فلقد وضع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم منهجا قويما لوحدة الأمة واعتبر أن حالقة الدين هي إفساد ذات البين وإن إصلاحها أولى من الصلاة والصيام في غير المفروضة..

وبعد ذلك اختلف العلماء في تفسير الأيات والأحاديث فتعددت سبل فقههم وتنوعت، بل لعل أحدهم بدل ما تبناه في زمن ما إلى موقف جديد يفرضه واقع جديد، ولم ينكر أحد على أحد حقه في التنوع والاختلاف، كما اختلف علماء الكلام في تفسير الأيات في العقيدة والفقه سواء..إلا أنهم جميعا كانوا مدركين أن هذا الاختلاف يحتمله النص ولا يذهب بالمعنى إلى عكس الرسالة ونقيضها..

إلا أن هناك أناس مع حسن نيتهم تضيق صدورهم وينحسر أفقهم ويتعطل تدبرهم في السنن والأيات يندفعون إلى التعصب لرأيهم وفكرتهم فيبحثون عن كل ما يفرق وما يميز فيكبرون الاختلافات - وهي موجودة بلا شك- ويصغرون المتفق عليه وهو الكبير والأساس..وفي داخل هؤلاء المتعصبين تتولد الفرق كل فريق بما لديهم فرحون، يختلفون في الشروح ويتركون اتفاقهم على الأصول..يبتعدون عن المرجعية الأساسية المتمثلة بالقران وصحيح سنة رسول الله إلى أقوال الرجال ويتهمون كل من اختلف معهم في الفهم بأنه سيء الطوية ومغشوش العقيدة وفاسد الرأي يبطن ما لا يعلن..وهذه أسلحة وقائية لفرق التعصب الخارجية تحرمها من فرصة الاقتناع ونعمة مشاركة الأخرين عقولهم وأراءهم.

وليكن معلوما أن تيار الوحدة في الأمة هو التيار الغالب، رغم أن النافخين في إثارة زوابع التنافر يمتلكون اليوم من الامكانيات الكثير، لاسيما وأن ذلك ينسجم مع سياسات الاستعماريين في بلداننا..ذلك لأن تيار الوحدة ينبع من صميم دعوة الاسلام الذي يدعو إلى الاخوة الانسانية والدينية والاسلامية ويوجد لكل دائرة من الدوائر الثلاثة موازينها ومعاييرها التي تحمي الجنس البشري في نفسه وعرضه وماله وحقوقه جميعا..إن تيار الوحدة ينطلق أيضا من الفطرة الانسانية التي تنزع إلى التعاون والتساند وتنفر من الشقاق والاختلاف.

لن تتفرق الأمة بعد أن اتضح لها منهجها وكيف انتصرت به، ومن أهم ملامحه ومعالمه وحدة الصف..لن تتفرق بعد أن تبين لها الأيات، فذلك نهج أهل الكتاب، الذين تفرق علماؤهم بغيا بينهم..ولن تكرر الأمة بالنابهين من علمائها ومفكريها تجربة بني اسرائيل، حيث نزل بهم غضب الله على ما أشاعوا فيهم من فرقة وتنابز وتنافر.

ولعله من الواضح من سياق هذا الحديث أن المطلوب ليس وحدة على حساب التنوع والاختلاف، ولكنها وحدة على حساب الفرقة والتشتت..هي وحدة تجمع المختلفين، فغير مطلوب أبدا في الوحدة أن يسقط أحد رأيه وفهمه بدون دليل وبرهان وليس مقبول في إطار الوحدة أن يسطو أصحاب اجتهاد ورأي على أصحاب الاجتهاد المخالف..وليس مقبول تحرك أي اتجاه للإساءة للاتجاه الأخر مهما كانت مبرراته، ولكن لابد من فهم أن المسألة لا يمكن ضبطها بدقة متناهية، إنما لابد من ترسيخ قيم ومعايير ويحاسب كل مسيء لقانون الاخوة بما توجبه الوحدة والحرص عليها. ومن نافلة القول أن لا وحدة مع الشتم والطعن في رموز الأمة أو الاساءة لقياداتها وشيوخها.

فليجتهد كل من أراد إلى ذلك سبيلا مدققا في مذهبه وموسعا لمعارفه وشروحه على أن يعرف جيدا أنه لا اجتهاد يخل بجوهر المعنى والمبنى وأن لايؤول نص تأويلا يحتمل الكفر أو أن ينكر معلوما من الدين بالضرورة...ولكل صاحب رأي واجتهاد نصيب من الأجر..وهكذا يجتمع أصحاب الاجتهادات المتعددة على الإيمان بالله وكتابه ورسالته ورسوله، وكليات الايمان يتعاونون على البر والتقوى ولا يتعاونون على قطع ما أمر الله به أن يوصل...وهنا من الضروري أن نسرع إلى القول إن الحرص على وحدة الأمة لا يعني بأي شكل من الأشكال تزيين المنكر والظلم والاساءة لرموز الأمة المحترمة والفاضلة.

إن ماسبق من كلام يصلح لكل زمان ومكان، ولكنه الأن أكثر حساسية وأهمية، فيما نرى جحافل جيوش المستعمرين، تدك عواصمنا واحدة واحدة وتفتت بلداننا وتشجع إثارة الفتن وإذكاء روح التناحر.. وبوضوح يصبح على تيار الوحدة في الأمة علماء ومفكرين واعلاميين ومثقفين أن يستبسلوا دفاعا عن وحدتها وأن يرفعوا من شأنها وينبهوا إلى الأخطار الفادحة الكامنة في منطق الشيع والفرق ..إنها عملية مباركة وراشدة وهي تضرب في صميم أعين الشياطين المستعمرين لتفقأها، علهم ينصرفون عنا بشرورهم..تولانا الله برحمته.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2165463

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع صالح عوض   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2165463 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010