الأربعاء 10 كانون الأول (ديسمبر) 2014

دبلوماسية شعبية خليجية بدل القوة الناعمة

الأربعاء 10 كانون الأول (ديسمبر) 2014 par د.احمد جميل عزم

على مدى ثلاثة أيام انعقد في العاصمة القطرية الدوحة، بتنظيم من المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، مؤتمر “دول مجلس التعاون الخليجي: السياسة والاقتصاد في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية”. وكما في كل مؤتمر يبحث الشأن الخليجي، ومنذ عشرات السنوات، يبرز الخوف من التركيبة السكانية، فيما برز في هذا المؤتمر موضوعات جديدة نسبياً أهمها المواقف الخليجية المتباينة من “الإسلام السياسي”، و“الوساطة العُمانية” في الملف النووي الإيراني.
من أهم وظائف القيادة السياسية في أي دولة، والأجهزة المسؤولة عن الأمن القومي، تحديد نوع التهديد الذي تتعرض له الدولة. ومن أهم وظائف القائد فحص الفرص وإمكانيات التطور.
في المؤتمر المذكور لم يكن هناك أي جديد تقريباً في التناول الخاص للهوية والقول إنّها تتعرض لخطر بسبب التركيبة السكانية والارتفاع الهائل في نسب الوافدين، وتراجع اللغة العربية. ولكن إحدى النقاط التي تستحق التوقف والتأمل، هي: هل يمكن أن يتحول الحضور الأجنبي لنقطة قوة، بما في ذلك أمنيّاً؟ وبما في ذلك بشأن التعامل مع الإسلام السياسي؟ من خلال نموذج للدبلوماسية الشعبية؟.
في موضوع الإسلام السياسي توقف أكثر من متحدث عند أنّ دولاً مثل السعودية والإمارات كانت تدعم تيارات الإسلام السياسي، من مثل دعم الإخوان المسلمين في وجه الاشتراكية والناصرية في الماضي، ودعمت المجاهدين الأفغان وحركة “طالبان” الأفغانية وحكومتها في الماضي، إلى قيادة حملة غير مسبوقة ضد هذه القوى، في المقابل بقيت التساؤلات والدهشة حول موقف قطر الداعم لهذه الجماعات، والتي كما أوضحت إحدى الباحثات تلقي ظلالا حتى على علاقات فرنسا وقطر، بسبب دعم الأخيرة للجماعات الإسلامية، واستخدم باحث آخر تعبير “حرب الخطاب” للحديث عن قناة الجزيرة.
هناك شبه إجماع أنّ قطر والإمارات والسعودية تتشابه في وجود سياسة نشطة لديها بشأن الإسلام السياسي، تستخدم غالباً أدوات القوة الناعمة من إعلام ومال. هذا مع اختلاف جوهر السياسات، بين قطر التي تستخدم أدواتها لدعم الإسلام السياسي، متحديةً بذلك منطق الدولة الصغيرة التي عادة ما تركّز على “البقاء” بعكس الدوحة الباحثة عن “النفوذ” والدور، فيما في حالة الدولتين الأخريين (الإمارات والسعودية) يجري الآن شن حرب شاملة سياسياً وأمنياً على هذه الجماعات – التي كانت حليفة يوماً.
مما سبق يتضح أنّ هناك رأيا عاما خليجيا يرى في التركيبة السكانية خطراً، وهناك رأي حكومي في أغلب هذه الدول (باستثناء قطر) يرى الإسلام السياسي خطراً ويغضب من موقف قطر بالشأن، كما يرى إيران خطراً ويغضَب من موقف سلطنة عمان الداعي والمُيسّر سراً للوساطة مع طهران، وبالتالي يكاد يكون تقييم أغلب الملفات، بأنّها “تهديد”.
تختلف القوة الناعمة عن الدبلوماسية الشعبية، بأنّ الأولى تعتمد التأثير بأدوات مختلفة (غير عسكرية ومنها الإعلام والمساعدات)، أمّا الثانية فتعتمد أن تتحول الدولة إلى نموذج يُعجِب الشعوب الأخرى، ويدفعها للترحيب بها وبسياساتها.
يمكن الافتراض أنّ جزءا من الحضور السكاني الوافد في دول الخليج العربية غير مبرر تنمويا، وأحياناً لا حاجة لتلك الدول به إلا إذا قررت زيادة عدد سكانها، رغم ذلك يشكل هذا التواجد فرصة لممارسة “الدبلوماسية الشعبية”، بإبراز قوة النموذج، وتصميم برامج لمخاطبة هؤلاء الوافدين. فلو أمكن لدول الخليج العربية تحويل قصص نجاحها في التنمية والبنية التحتية والبشرية (خصوصا موضوعات الصحة ومعدلات الإعمار والرفاه) وهي ما فشلت به دول عربية أخرى بعضها نفطي أيضاً (ليبيا والجزائر مثلا)، لأمكن تحويل البنية السكانية لفرصة، بتحويل هؤلاء لسفراء للاعتدال، ولتم مسح آثار سياسات الدول الخليجية ذاتها، في تشجيع قوى رفعت شعارات سياسية إسلامية معينة، في الماضي.
ما يحول دون حدوث هذا أنّ دول الخليج العربية ترفض التغيير الكبير داخلها، فالانتقال لخطاب “قوة النموذج” ستفتح بعض ملفات هذا النموذج وعيوبه ومتطلبات الإصلاح فيها. كما أنّ الرأي العام الخليجي طوّر موقفاً قلقاً من أي اهتمام “زائد” بالوافد، وقد يبدو تبني برنامج دبلوماسية شعبية نشطا موجها للرأي العام الوافد الخليجي نوعا من “التمكين” لهذا الوافد.
تبقى “قوة النموذج” فكرة، ولو نظرية، فيها شق دفاعي مشروع أكثر بكثير من عملية التدخل والدعم لقوى خارجية؛ للإسلاميين أو لأعدائهم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 56 / 2178126

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع احمد جميل عزم   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

21 من الزوار الآن

2178126 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40