الأربعاء 10 كانون الأول (ديسمبر) 2014

هل نعتذر لفرنسا عن ثورة 1 نوفمبر؟

الأربعاء 10 كانون الأول (ديسمبر) 2014 par حسين لقرع

خلال الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة عبد المالك سلال إلى فرنسا منذ أيام قليلة، طرح الجانبُ الفرنسي مجدداً مسألة تعويض مئات الآلاف من المعمّرين عن “أملاكهم؟” التي تركوها في الجزائر فور الاستقلال، من سكنات ومحالّ تجارية وورشات وغيرها...

وعوض أن يسرع سلال إلى إغلاق الملف منذ البداية بكل حزم وثبات ويرفض مناقشته أصلاً، أعلن إحالته إلى “لجنة مشتركة” بين البلدين، ما يعني أن رئيس حكومتنا يعترف ضمنياً بـ“حق” المعمّرين في المطالبة بـ“أملاكهم” المزعومة في الجزائر، وبقي فقط تحديد كيفية التعويض وقيمته.

كنا ننتظر على الأقل أن يجيب سلال الفرنسيين بمطالبتهم بأن يعوّضوا، بالمقابل، للجزائر عن قرن وثلث قرن من الاحتلال، قتلوا خلاله ملايين الشهداء، وارتكبوا بحق الجزائريين جرائمَ ضد الانسانية، ونهبوا أراضيهم وثرواتهم الباطنية والظاهرة، واستعبدوهم وساموهم سوء العذاب... لكن سلالاً جزّأ الموضوع ولم يثر سوى مسألة التعويضلضحايا التجارب النووية، وسكت عن ملايين الضحايا...

لو طلب سكان جزيرة بولينزيا من فرنسا تعويضهم عن الأضرار التي خلّفتها تجاربُها النووية في جزيرتهم الهادئة، لتفهّمنا الأمر، فربّما لم يرتكب الاستعمارُ بحقهم غير هذه الجريمة، أما في الجزائر فالجرائم الاستعمارية لا تُحصى، فكيف تتناساها الحكومة وتكتفي فقط بالحديث عن ضحايا تجارب رڤان النووية؟

البلدان التي تحترم نفسها وتضحيات شعوبها من أجل الحرية تصرّ دون كلل أو ملل على مطالبة مستعمريها السابقين بالاعتراف بجرائمهم بحقها والاعتذار الصريح عنها ودفع تعويضات لها قبل غلق صفحة الماضي، وقد انتزعت بلدانٌ عديدة الاعتراف والاعتذار والتعويض من جلاديها ومنها ليبيا منذ سنوات قليلة مع إيطاليا، أمّا الجزائر فقدشذت عن القاعدة وسكتت عن المسألة بشكل مريب؛ فبعد أن تدخلت يدٌ خفية لسحب مقترح قانون تجريم الاستعمار الذي طُرح ردا على قانون تمجيد الاستعمار الذي وضعته فرنسا بكل وقاحة في 21 فيفري 2005، ها هي الآن تقبل بطرح مسألة تعويض المستعمرين عن “أملاكهم” المزعومة بالجزائر للنقاش، عوض أن تطالب فرنسا بأن تعوّضناعن احتلالها وجرائمها واستغلالها أراضينا وخيراتنا طيلة 132 سنة كاملة...

وإذا استمرّ تصاغرُنا أمام فرنسا بهذا الشكل المُهين، فقد يأتي اليوم الذي تجرؤ فيه على مطالبتنا بالاعتذار لها عن قيامنا بثورة 1 نوفمبر 1954 ضدّها، ودفع تعويضاتٍ مُجزية لها عن الآلاف من جنودها الذين قُتلوا خلال الثورة دفاعا عن “الجزائر الفرنسية” والتعويض عن السلاح والعتاد الذي خسرته خلالها، والتعويض لـ“الحركى” أيضاً وليسللمعمّرين فقط، بل قد تنصّب فرنسا نفسها محامياً عن نتنياهو وتتبنى مطالبته الجزائر بدفع تعويضاتٍ لـ120 ألف يهودي غادروها مع بقية المعمّرين الفرنسيين والأوربيين في 5 جويلية 1962، فمادام أداءُ سلطتنا قد بلغ هذا المستوى من الضعف والهزال أمام فرنسا، فلا يمكن استبعادُ أيّ فكرة، وما رأيناه في التسعينيات من إجبار الولايات المتحدة-تحت غطاء أممي- نظام صدام على دفع تعويضاتٍ ماليةٍ لها بذريعة أنه تسبّب في تكبيدها خسائرَ مالية ناجمة عن إرسال مئات الآلاف من جنودها إلى المنطقة لتحرير الكويت، قد يتكرّر بشكل آخر مع الجزائر إذا تواصل هذا الهوانُ المخزي أمام مستعمِر الأمس.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 30 / 2178511

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع حسين لقرع   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2178511 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40