السبت 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014

الأمازيغية... الترسيم القاتل

السبت 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 par حسين لقرع

مع عودة الحديث عن التعديل الدستوري، تجدّدت آمال أنصار الأمازيغية بأن يحمل لها الجديد ويقرّها لغة رسمية ثانية إلى جانب العربية.

المشكلة ليست في ترسيم الأمازيغية في الدستور القادم، فذلك يقتضي فقط تعديل المادة الثالثة، وهو أمرٌ هيّن، وحتى الشعب لن يعترض على ذلك لتعزيز التلاحم بين مكوّناته المختلفة، ولكن تطبيقها ميدانياً ليس بالأمر السهل في المديين القصير والمتوسط على الأقل.

المعروف أن الأمازيغية الآن لاتزال لهجاتٍ متنافرة، وكل جهة في الوطن تدرّس لهجتها في عدد من مؤسساتها التربوية، وليس هناك لغة أمازيغية فصحى جامعة موحِّدة لمختلف اللهجات إلا في ثنايا بعض الكتب والقواميس حديثة النشأة، وليس هناك جهودٌ جادّة لتعميم هذه اللغة الفصحى على المؤسسات التربوية التي تُدرّس فيها الأمازيغية اختيارياً، فكيف يمكن إذن ترسيم الأمازيغية الآن قبل بذل المزيد من الجهود لترقيتها وتعميم استعمالها بالتدريج؟

المفروض أن تخرج الأمازيغية من دائرة الاستغلال السياسي تماماً وأن تؤسّس لها أكاديمية ويُفسح المجالُ للباحثين وخبراء اللغة والمختصين في اللسانيات لتحديث مصطلحاتها عبر وضع مئات آلاف المفردات والمصطلحات الجديدة في هذه اللغة، وفي شتى مجالات الحياة والاختصاصات العلمية والمعرفية، لتواكب اللغاتِ الحية، ويتمّ جمع المصطلحات الجديدة في قواميس وتعميم تدريسها حتى تصبح للشاوي والقبائلي والميزابي والترڤي والشينوي وغيرهم لغةٌ واحدة يعرفونها جميعاً ويمكنهم التفاهمُ بها بكل سهولة إذا التقوا، بعد أن تعذّر عليهم التفاهمُ بلهجاتهم المحلية لعدم تشابه أغلب كلماتها، وهو أمرٌ لا نجده في اللهجات العربية المختلفة.

الأمازيغية ليست بحاجة إلى ترسيم فوري، وإن طالب بها سياسيون شعبويون لتحقيق أغراضهم السياسية، بل بحاجة إلى عمل أكاديمي معرفي بحت، يكون مكثفاً وشاملاً ويتواصل طويلاً.. لا بأس أن يستمر هذا الجهد الأكاديمي 20 أو حتى 30 سنة قادمة ولكنه ينتهي إلى وضع أسس لغة حيّة قادرة على الصمود والمنافسة والاستمرار، فذلك أفضل من الإسراع إلى ترسيمها لدوافع شعبوية، ثم لا يتغيّر شيءٌ في الواقع.

هل حققت الأمازيغية شيئا ملحوظاً حينما تم إدراجها في المؤسسات التربوية في منتصف التسعينيات عقب إضراب المحفظة الشهير؟ لقد تقلص عددُ الولايات التي تدرّسها في مؤسساتها التربوية من 16 إلى 9 ولايات، بل إن 80 بالمائة من هذه المؤسسات بتيزي وزو نفسها لا تدرّسها، وكل هذا بسبب التسرّع وسيطرة الديماغوجيا والمناورات السياسية وعدم ترك المجال للأكاديميين والباحثين وخبراء اللسانيات لتطوير هذه اللغة والتحضير الجيّد لتدريسها، وبطريقةٍ علمية بعيدا عن الصخب والغوغائية.

لا شك أن الاعتراف بالأمازيغية لغة رسمية اليوم وقبل إنشاء أكاديمية لها، هو من قبيل وضع العربة أمام الحصان، اللغة الرسمية تعني، من ضمن ما تعنيه، أن تتم جميعُ المراسلات الإدارية بها، فهل الإدارات الجزائرية، حتى في تيزي وزو وبجاية، مستعدّة لتبادل المراسلات بحروف التيفيناغ التي يجهلها أكثر من 99 بالمائة من الجزائريين، وأن تستعمل مفرداتٍ عصرية تفهمها كل الإدارات؟

باختصار، الأمازيغية بحاجة إلى جهودٍ علمية أكاديمية لغوية بحتة؛ جهود تمتدّ سنوات طويلة حتى تفرض نفسها على الجميع ويكون ترسيمها تحصيل حاصل، وكل ماعدا ذلك، فهي مناوراتٌ ومتاجرة سياسية لا تخدمها في شيء.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2180632

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع حسين لقرع   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

8 من الزوار الآن

2180632 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40