السبت 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014

أردوغان المتمرد

السبت 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 par د. محمد مصطفى علوش

بعض النظم في الشرق الأوسط تبدي صراحة كرهها للرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتحرض وسائل الإعلام المملوكة أو الخاضعة لها ضده وضد تركيا كلها أحيانا، وتصور عودة تركيا للاهتمام في المنطقة أنها عودة عثمانية لاستعمار العرب من جديد، وباسم الدين مرة أخرى، لكن عبر قوى الظلام والإرهاب المتمثلة بالجماعات الإسلامية التي تمثل حصان طروادة للمستعمرين الجدد!
ولا يخفى على عاقل الخلفيات الحقيقية لهذا التسويق، كما يُفهم تماما المبررات التي تدفع لممارسة هذه اللعبة. فكل له مصالح وامتيازات يريد حمايتها كيفما اتفق. لكن لا أحد من هؤلاء فكر كيف يستفيد من خصمه المحتمل (تركيا- أردوغان) في صنع الاستقلالية الحقيقية لا المزيفة عن قوى الاستعمار، ولا كيف يحفظ مصالحه وامتيازاته ويحصنها بطريقة أكثر ديمومة!
باستثناء الطبع الحاد جدا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي لا يتفق أحيانا مع ما هو مطلوب من رئيس دولة، فإنه يعتبر صانع نهضة تركيا الحديثة، وهو لا يقل أهمية عن مهاتير محمد في ماليزيا الذي وضع بلاده في مصاف الدول الأكثر نموا وتقدما خلال سنوات قليلة. وبلادنا العربية تشبه في حد كبير ما كانت عليه تركيا قبل وصول أردوغان إلى رئاسة الحكومة، وبالتالي تزداد عملية محاكاة التجربة التركية أهمية في بلادنا لمن يريد بحق أن ينهض ببلاده!
تركيا الحديثة منذ نشأتها لم تكن يوماً خارج الحلف الغربي، كانت جزءاً لا يتجزأ من السلاح الغربي في مواجهة المعسكر الشرقي، ولا تزال إلى اليوم عضوا أساسيا في حلف شمال الأطلسي إلا أنها عرفت في عهد أردوغان كيف تقول لا لهذا “المعسكر الغربي” إذا تعارضت مصالحها مع توجهاته!
أحدث تصريحات أردوغان الصادمة هو قوله: “أود أن تعلموا أننا ضد الوقاحة والمطالب التي لا حد لها”.
مضيفاً “لماذا يقطع شخص ما مسافة 12 ألف كلم ليأتي ويبدي اهتمامه بهذه المنطقة؟” في إشارة إلى زيارة جوزيف بايدن -نائب الرئيس الأمريكي- إلى إسطنبول قبل أيام، ثم يوضح أن النفط هو الأساس الذي تسعى إليه الولايات المتحدة في المنطقة!
ما يحزن حقا أن ما تجرأ أردوغان على قوله رغم الحظوة التي تنالها تركيا ضمن الحلف الغربي قياسا على حالنا نحن العرب، لم يجرؤ زعيم عربي على فعله. بل ذهبت قيادات عربية مذعنة وبعضها مفتخرة أنها تشارك الولايات المتحدة حربها ضمن ما يعرف بالتحالف الدولي. والجميع يعلم أن العرب لا ناقة لهم ولا جمل في هذا الصراع الذي صنعته الولايات المتحدة بتقديراتها السيئة وسياساتها الرعناء، وأن الارتدادات ستكون كارثية على المجتمعات العربية جميعها وليس على بعضها لأن مسايرة القطار الأمريكي دون التجرؤ على كلمة لا أو إظهار امتعاض يؤكد على سلبية ما نحن بصدده في هذه البلدان. حتى أن بعضنا لا يجرؤ أن يكون مثل تشاك هيجل وزير الدفاع الأمريكي الذي استقال أو أقيل لأنه تجرأ على قول لا وأظهر اعتراضه على سياسة رئيسه وولي نعمته!
الدول العربية تدرك أن الولايات المتحدة تتلاعب بهم لمصالحها وأنه في حال وقعت نزاعات إقليمية ضخمة أو وقعت ثورات جديدة فإنها لن تكترث لهم بتاتا بل ستكون سياطا ضاربة لهم مادحة بقوى الثورة الجديدة كما حصل في مصر، هل اختلف حسني مبارك يوما مع الولايات المتحدة طيلة ثلاثين سنة من حكمه؟ لما سقط مبارك.. ألم تبارك واشنطن سقوطه، وأثنت على الثورة وصانيعها؟ دأبت الولايات المتحدة على تكرار سياساتها التي تقول إنها لا تكترث لحلفائها - باستثناء إسرائيل طبعا - متى ما تعرضوا لمهددات حقيقة، وليست وهمية كتلك التي تصنعها واشنطن بين الفينة والأخرى لبيعنا المزيد من السلاح وإثارة بعضنا على بعض!
ما تفعله هذه المرة في العراق وسوريا يعيد نفس السيناريو الذي بدأه الرئيس السابق جورج دبليو بوش في العراق وأفغانستان.. مسار كارثي لم تكترث فيه لأحد. ولما أوشكت مصالحها على التهديد في العراق بدأت بحشد سنة العراق من جديد، وتشكيل صحوات جديدة لن تؤدي في نهاية المطاف إلى تصحيح الوضع الشاذ في هذا البلد.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2181857

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع محمد مصطفى علوش   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2181857 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40