السبت 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014

هدنة نووية مع استمرار الحرب الناعمة

السبت 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 par د. عصام نعمان

ثمة سبع دول تفاوضت في فيينا حول البرنامج النووي الإيراني، لكن الأهم بينها اثنتان : الولايات المتحدة وإيران . ذلك أن الدول الأخرى حليفة ضمنية لكلٍ من هاتين الدولتين وإن كان لها آراء ومواقف بشأن بعض القواعد والتفاصيل موضوع المفاوضات . غني عن البيان أن الولايات المتحدة هي الطرف الأقوى بالنظر إلى قدراتها الذاتية العظمى من جهة، ولكونها “تمثّل” في الواقع حليفتها المؤثرة “إسرائيل” من جهة أخرى .
إذا ما استخدمنا ميزان الأرباح والخسائر في إطار ما ترتجيه كلٌ من الدول السبع إضافة الى“إسرائيل”، لخرجنا باستنتاج أولي مفاده أن الجميع ربح في نواحٍ وخسر في أخرى .
الولايات المتحدة ربحت مطلب تمديد المفاوضات . باراك أوباما محيط بثلاث حقائق لا سبيل إلى تجاهلها . أولاها، إن ميزان القوى الداخلي في بلاده ليس في مصلحته بعد سيطرة الجمهوريين على مجلسيّ الكونغرس . والجمهوريون معروفون بتشددهم حيال إيران . ثانيتها، أن “إسرائيل” الواسعة النفوذ في الأوساط الأمريكية عموماً وفي الكونغرس خصوصاً تشن حملة مؤثرة على إدارة أوباما للحؤول دون توصلها إلى اتفاق نهائي مع إيران . ثالثتها، تمسّك إيران بحقها بتخصيب اليورانيوم لتأمين حاجاتها الذاتية، ورفضها مقايضة حقها هذا برفع العقوبات المفروضة عليها أو الدخول في مساومات حول قضايا إقليمية عالقة تمسّ بعض حلفائها .
كانت طهران قد أعلنت رفضها تمديد المفاوضات في حال عدم الوصول إلى اتفاق نهائي قبل 24/11/،2014 غير أنها عادت عن رفضها بعدما توصلت إلى تسوية مبدئية مع واشنطن بشأن نسبة تخصيب اليورانيوم على أن يصار إلى استكمال الشروط التقنية في مفاوضات لاحقة . وفي مقابل موافقة إيران على تمديد المفاوضات، وافقت الولايات المتحدة على رفع العقوبات جزئياً عنها بالإفراج عن 700 مليون دولار شهرياً من أرصدتها المجمدة في المصارف الأمريكية لغاية 30/6/،2015 أي ما مجموعه 5000 بليون/مليار دولار .
موافقة إيران على تمديد المفاوضات سبعة أشهر إضافية اعتبرتها إدارة أوباما كسباً لها في الظروف الدولية والإقليمية الراهنة . غير أن أوساطاً أمريكية معارضة لأوباما فسرت فشل إدارته في التوصل إلى اتفاق نهائي مع إيران بأنه يُشكّل فرصة للأطراف المتشددة لتوجيه الانتقادات إلى المفاوضات وبالتالي عرقلة الاتفاق النهائي بين دول الغرب وإيران . صحيفة “فورن بوليسي” كشفت أن عدداً من أعضاء الكونغرس يرغبون في جولة جديدة من العقوبات ضد طهران لاعتقادهم أن الضغط الاقتصادي وحده سيدفع إيران إلى القبول باتفاق على برنامجها النووي يرضي دول الغرب .
بنيامين نتنياهو ابتهج لعدم توصل مجموعة دول الغرب وإيران إلى اتفاق نهائي . ردّد لازمته المعهودة بأن “لا اتفاق خير من اتفاق سيئ” . شدّد على أنه لا يجوز رفع العقوبات المفروضة على طهران قبل أن يتمّ نزع قدرتها على إنتاج قنبلة نووية . فوق ذلك، دعا إلى تشديد العقوبات الدولية المفروضة عليها في الوقت الذي تستمر المحادثات معها .
عدم التوصل إلى اتفاق نهائي مع إيران يُعتبر كسباً ل “إسرائيل” . غير أن موافقة الولايات المتحدة على الإفراج عن 700 مليون دولار شهرياً من أرصدتها المجمدة لديها لغاية 30/6/،2015 اعتبره بعض المعلقين “الإسرائيليين” نكسةً لنتنياهو .
إيران أعلنت نفسها رابحة بلسان كلٍ من المرشد السيد علي خامنئي ورئيس الجمهورية الشيخ حسن روحاني . خامنئي أكّد أن دول الغرب لم تتمكن من تركيع إيران في المفاوضات . روحاني قال أن المفاوضات ستؤدي في نهاية المطاف إلى اتفاق، موضحاً في الوقت نفسه أن طهران لن تتنازل عن برنامجها النووي .
إعلان خامنئي بأن دول الغرب فشلت في تركيع إيران مرده إلى أن طهران كانت تتوقع أن تقوم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات إضافية عليها جراء رفضها القبول بمشروعهما لتحجيم برنامجها النووي . غير أن نتيجة المفاوضات جاءت مغايرة تماماً إذ اضطرت واشنطن إلى الموافقة على الإفراج عن 5000 بليون/ مليار دولار خلال الأشهر السبعة لقاء تمديد المفاوضات . كما بادر الاتحاد الأوروبي إلى تمديد تعليق إجراءات عقابية بشأن أنشطة متعددة تتعلق بقطاعات أساسية في الاقتصاد الإيراني .
عدم التوصل إلى اتفاق نهائي يُعتبر نكسة لإيران . لكن تثبيت حقها بالتخصيب وعدم فرض عقوبات إضافية عليها، واستمرار تجميد العقوبات الأوروبية وبعض العقوبات الأمريكية، والإفراج عن 5000 بليون / مليار دولار من أرصدتها المجمدة، واتجاه روسيا والصين، منفردتين، إلى رفع بعض العقوبات الدولية المفروضة عليها، تُعتبر كسباً واضحاً لإيران .
ما المحصّلة النهائية لمفاوضات فيينا؟
لا غلوّ في القول إن المفاوضات أدّت إلى تمديد هدنة قلقة بين إيران ودول الغرب الأطلسي الثلاث، وإلى تقارب ملموس بينها وبين روسيا والصين، وإلى تأكيد وعد مقطوع من الولايات المتحدة بالاستمرار في المفاوضات، لا بالضغوط، من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي حول البرنامج النووي الإيراني . لكن الهدنة الممددة لا تعني وقف الحرب الناعمة القائمة بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة وإيران وحلفائها من جهة أخرى .
الولايات المتحدة ما زالت تشن حربها الناعمة بواسطة أجهزة استخباراتها ضد إيران في مناطق البالوتش الجنوبية، وضد سوريا بواسطة بعض التنظيمات الإسلامية المسلحة الناشطة في شمالها كما في جنوبها وغربها . و“إسرائيل” ما زالت تشن حربها الخشنة ضد المقاومة الفلسطينية في غزة وحربها الناعمة ضد الانتفاضة الوليدة في الضفة الغربية . وإيران ما زالت ترد على الولايات المتحدة و“إسرائيل” بحرب ناعمة ضدهما وضد حلفائهما في العراق وسوريا واليمن .
الهدنة النووية نافذة . الحرب الناعمة ناشطة . والتعايش القلق مستمر بينهما إلى 1/7/2015 على الأقل .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 67 / 2177885

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عصام نعمان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2177885 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40