الاثنين 10 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014

ما بعد القدس

الاثنين 10 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 par د.عبدالله السويجي

تتعرض مدينة القدس وسكانها منذ فترة لاعتداءات خطيرة وممارسات قمعية، الهدف منها تهويد المدينة وتكريسها عاصمة لدولة الكيان الصهيوني، أما المسجد الأقصى وهو الرمز الإسلامي الأكبر والأكثر قداسة عند المسلمين، فيتعرض لانتهاكات يومية من قبل المتطرفين والمستوطنين، تحت أعين رجال الشرطة، ويبدو أن ذلك يتم بدعم من الحكومة الصهيونية، فهم يطلقون التصريحات العدائية يومياً ويستفزون الأهالي بكل أشكال الممارسات الوقحة، وذلك (لاستعادة الأقصى)، وليس للقيام بنزهة فيه .
رئيس وزراء العدو الصهيوني نتنياهو ورداً على فيديريكا موغيرني، مسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي، التي زارت الكيان الصهيوني خلال الأيام القليلة الماضية وقالت إن الاستيطان يشكل عقبة أمام طريق السلام، قال: “أرفض الادعاء الكاذب القائل إن هذه المستوطنة أو تلك هي أساس المشكلة . فالقدس عاصمتنا ولذا فهي ليست مستوطنة أصلاً” .
النائب السابق مايكل بن آري قال إن “الشعب اليهودي مرتبط بجبل الهيكل . . لماذا كان أسلافنا يصلون؟ من أجل حانات تل أبيب أو لأجل نزهة في حيفا؟ كانوا يصلون من أجل العودة إلى جبل الهيكل”، وقال يوم الخميس مشيراً إلى الفلسطينيين الذين وصفهم ب “الإرهابيين”، إن “المالكين الشرعيين هم نحن . أما هم فقد اغتصبوا المكان” .
وأمام هذه الاستفزازات والاعتداءات، لا يملك الشعب الفلسطيني إلا مواجهة العدو بصدوره العارية، وبإيمانه الصلب، والإصرار على الصلاة في المسجد الأقصى، أو القيام بأعمال تعبّر عن مدى الغضب الذي وصل إليه المقدسيون، ولم يجدوا وسيلة متاحة أكثر من قيام بعض الشباب بالانتقام عن طريق تفجير غضبهم بكل صهيوني يرونه يسير في الشارع، فيدهسونه، وقد تكرر هذا النوع من الفعل أكثر من مرة، وهو عمل لا شك استشهادي، فصاحبه يعلم بأنه سيتم إلقاء القبض عليه بسهولة، ورغم ذلك لا يتردد الشبان عن التعبير عن غضبهم ورفضهم للممارسات الوحشية بكل الطرق المتاحة .
الموقف العربي والإسلامي حافظ على صمته وتردده أمام هذه الانتهاكات للأماكن المقدسة وهدم بيوت المقدسيين، وأقصى ما صدر عن بعض العرب هو تحول قضية القدس إلى مجلس الأمن، متناسين أن قضية فلسطين كلها، وليس القدس فقط، تم تحويلها إلى مجلس الأمن منذ 66 عاما وسط فشل ذريع ومخزٍ لمجلس الأمن وأعضائه .
الصمت سيد الموقف باستثناء بعض التصريحات الخجولة التي صدرت من هنا أو هناك، فقد أعلن سفير المملكة المغربية ومندوبها الدائم لدى الجامعة العربية محمد العلمي، إن لجنة القدس التي تترأسها المغرب، ستجتمع يوم الأربعاء المقبل على المستوى الوزاري، في مدينة الرباط بالمغرب، لبحث سياسة الاقتحامات “الإسرائيلية” بحق المسجد الأقصى، وستبحث اللجنة خطة تحرك عاجلة من أجل إيقاف الانتهاكات والاعتداءات “الإسرائيلية” المتكررة على المدينة المقدسة خاصة المسجد الأقصى، وقال: “إن هذه القضية تهم الجميع بلا استثناء، فلا بد أن يكون التحرك على أعلى المستويات، خاصة من قبل منظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربية، لوقف هذه الاقتحامات التي ينفذها المستوطنون في باحات ومرافق المسجد الأقصى، بحماية مشددة من عناصر الوحدات الخاصة في شرطة الاحتلال الإسرائيلي” . وللعلم فقط فإن لجنة القدس كانت قد تأسست بتوصية من المؤتمر السادس لوزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي المنعقد في المملكة العربية السعودية في جدة عام ،1975 أي قبل حوالي أربعين عاما، ولو رصدنا نشاطها سيكون عبارة عن بيانات وبعض الدعم المادي الخجول، ولغتها (ناعمة) تشبه لغة الدبلوماسيين الأوروبيين .
ومن ردود الفعل تجاه ما يحدث في القدس أيضاً، استدعاء الأردن سفيره في تل أبيب، مع الإبقاء على اتفاقية وادي عربة .
ورئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو مثلاً، وصف التصرفات “الإسرائيلية” في مدينة القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة، وخصوصاً ما يتعرض له الأقصى والحرم الإبراهيمي، بأنها عدائية لكل مسلم . وقال إن تركيا لن تقف مكتوفة الأيدي متفرجة على الإجراءات “الإسرائيلية”، وأنها “ستسخّر كل إمكاناتها لتحريك المجتمع الدولي ضد تل أبيب”، بينما حين يتعلق الأمر بتدمير سوريا أو العراق أو بث الفوضى في مصر، فإنه لا يتوانى عن تقديم الدعم اللوجستي والأسلحة الخفيفة والثقيلة وتسهيل عبور (الدواعش) إلى سوريا أو العراق .
أما أوروبياً، فقد ناشد وزير الخارجية البريطانية فيليب هامون الجمعة الماضي، كافة الأطراف المعنية، تهدئة الأوضاع في القدس، معرباً عن قلقه البالغ حيال ارتفاع حدة التوتر في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقال بلغة دبلوماسية عجيبة: “كل إنسان فلسطيني و”إسرائيلي“، من حقه العيش في سلام، ومن ثم فإن هناك أهمية كبيرة لتكاتف جميع الأطراف، من أجل تهدئة الأوضاع”، وهو موقف لا يسمن ولا يغني من جوع .
وفي ألمانيا، قال كريستيان فيرتز نائب الناطق باسم الحكومة إنهم يتابعون بقلق بالغ تطورات الأوضاع في القدس، وأكد “أن الحكومة الألمانية تدعم وجود دولة فلسطينية مستقلة ديمقراطية، تقيم علاقات مبنية على الأمن والسلام مع كل جيرانها بما في ذلك إسرائيل” . وهو تصريح متكرر نسمعه يومياً من المسؤولين الأوروبيين والأمريكان .
المتطرفون الصهاينة يتحركون فعلياً على الأرض، وهدير الحفارات تزأر تحت المسجد الأقصى، وحكومة الكيان الصهيوني تهدم بيوت المقدسيين، وردود الفعل العربية والإسلامية والعالمية مجرد بيانات على ورق، سيذوب حبرها بمجرد انتهاء الضجة، حتى يستيقظ العرب والمسلمون على المسجد الأقصى وقد انهار على رؤوس المصلين، أو يستيقظ الفلسطينيون وقد وجدوا القدس قد تهوّدت بالكامل . هنالك لغة أخرى يفهمها العدو الصهيوني، غير لغة البيانات والاجتماعات والتهديد بتحويل الملفات إلى مجلس الأمن، والعرب والمسلمون يعرفون تماماً هذه اللغة، ولكن، يبدو أنهم لم يتعلموها حتى الآن، على الرغم من كل التهديدات الحقيقية والخطرة .
القدس في خطر منذ عشرات السنين، وفلسطين كلها في خطر منذ أكثر من مئة عام، وتجاهل الخطر هو ما أوصل الدول العربية لتشهد ما تشهده الآن، من فوضى وتحديات قد تقود إلى المزيد من الهزائم، فهل سيتحسسون الخطر ويدركونه قبل فوات الأوان؟ فهناك مرحلة يمكن تسميتها (ما بعد القدس)، وهي مرحلة تهدد الوجود العربي والإسلامي، وليس المسجد الأقصى فقط .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 36 / 2178281

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع عبدالله السويجي   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2178281 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40