الجمعة 7 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014

رهان عربي خاطئ على الجمهوريين الأمريكيين

الجمعة 7 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 par رغيد الصلح

تتزامن الانتخابات الأمريكية الفرعية مع اقتراب الذكرى الحادية والستين لإعلان استقلال لبنان . ويوفر هذا التزامن للعرب عموماً فرصة للعودة إلى تاريخ المنطقة الحديث حتى نستنتج منه دروساً تنفعنا للتغلب على ما نحن فيه من معضلات ومحن . ففيما تتفاقم هذه الظواهر الأخيرة وتتجاوز في مستوى العنف والدموية كل ما عرفناه خلال العقود المنصرمة، وفيما باتت تهدد حياة مئات الألوف من المواطنين والمواطنات، انصرف الكثيرون من المعنيين بالشأن العام وبمصير المنطقة إلى البحث عن الوسيلة الأفضل للخلاص من الفتن والحروب التي تعصف بها . وانقسم هؤلاء بصورة عامة إلى فريقين رئيسيين:
الأول، يجد أن “الخارج”، أي الغرب تحديداً، وحده يملك الحل . انطلاقاً من هذه النظرة، يتابع المنتمون إلى هذا الفريق الانتخابات الأمريكية الفرعية باهتمام شديد . وتأمل الكثرة من هؤلاء أن تصدق التوقعات فيفوز الحزب الجمهوري بالأكثرية الكونغرسية . وتعوّل هذه الكثرة على الكونغرس الجديد الذي يسيطر عليه الجمهوريون في اتباع سياسة متشددة تجاه الأطراف والقوى التي تتحدى الوضع الراهن في المنطقة . ويعتمد الذين يحملون هذا الرأي على الكونغرس لكي يدفع إدارة أوباما إلى اتباع السياسات اللازمة لتحييد واحتواء إيران، وإلى وضع حد للنزاعات المتفجرة في المنطقة العربية .
الثاني، يعتقد أن الحل موجود في “الداخل” وخاصة في المنطقة العربية، وأن التوصل اليه يقتضي السهر على تنمية العلاقات العربية العربية، والعمل الدؤوب على تطوير علاقات مجموعة الدول العربية مع سائر دول المجتمع الدولي بدءاً من دول الجوار .
كما ينقسم الرأي العام العربي اليوم، انقسم اللبنانيون بالأمس أي قبل الاستقلال، إذ كان البعض منهم يعول على الغرب لكي يحصن لبنان من مشاريع “استردادية” كانت رائجة في دول عربية شقيقة . مقابل هؤلاء، اعتقد فريق من اللبنانيين أن الدواء لهذا النوع من المشاريع يقضي ببناء نظام إقليمي عربي تتعمق فيه علاقات الدول العربية ببعضها انطلاقاً من التشابك والتداخل في المصالح والثقافة والتاريخ . فضلاً عن ذلك، كان أصحاب هذا الرأي الأخير يرون أن التعاون مع الدول العربية الأخرى ضروري، في مطلق الأحوال، من أجل حماية لبنان من الخطر الأكبر المتمثل بالتوسعية الصهيونية .
تدل التجارب التي مر بها لبنان المستقل على أن الرأي الأخير لم يكن دوماً صائباً، فكثيراً ما شابت العلاقات اللبنانية العربية التعقيدات . إلا أن هذه التجارب تدلنا، من ناحية أخرى، على أنه إذا أردنا المقارنة بين الفريقين والرأيين، لوجدنا أن الرأي الثاني أقرب بكثير إلى الصواب من الرأي الأول . هذا ما يؤكده لنا تاريخ علاقة الفريق الأول مع دول الغرب وخاصة مع الولايات المتحدة . ولسوف نتوقف عند محطتين مفصليتين:
المحطة الأولى مر فيها لبنان خلال النزاع المسلح الذي انفجر بين اللبنانيين خلال عامي 1957-1958 . وكانت السياسة الخارجية للبنان من أهم أسباب هذا النزاع . فلبنان رفض مجاراة الحكومات العربية الأخرى التي أعلنت مقاطعة دول العدوان الثلاثي عام ،1956 كما أنه تفرد بتأييد مشروع آيزنهاور الذي تعهدت بموجبه الولايات المتحدة بملء الفراغ الناشئ عن خروج بريطانيا وفرنسا من شرق المتوسط . وأدت هذه المواقف إلى تدهور العلاقات اللبنانية مع مصر وسوريا، وإلى اشتداد حملات المعارضة اللبنانية على الحكومة، وإلى تحول التوتر الداخلي إلى نزاع مسلح بين اللبنانيين .
في ضوء هذه المواقف وتداعياتها، خيل للرئيس اللبناني كميل شمعون أن دول الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، سوف تستجيب إلى طلب المساعدة الذي أرسله إلى واشنطن، وأنها ستسارع إلى إرسال مساعدات عسكرية إلى لبنان لحماية الرئيس وحكومته . ولكن الإدارة الأمريكية رفضت الاستجابة إلى هذا الطلب، ولم تقرر التدخل في لبنان إلا بعد إسقاط النظام الملكي في العراق في صيف عام 1958 . وتكررت المفارقات التي طبعت التدخل الأمريكي عندما اتفقت الإدارة الأمريكية مع خصوم الرئيس شمعون وخصوم التيار الذي كان يمثله، على طابع طاقم الحكم البديل الذي حل محله، بدلاً من أن تتفاهم معه، كما كان هو يرغب، على هذا الأمر . وكانت من المفارقات المهمة أيضاً أن الحزب الحاكم في واشنطن وقتها كان الحزب الجمهوري، وأن وزير الخارجية كان آنذاك جون فوستر دالاس الذي كان من صقور الحرب الباردة ومن المتشددين الذين يفوقون في تشددهم زعماء الحزب الجمهوري اليوم مثل جيمس ماكين . هذا ما أسهم أيضاً في إعطاء الانطباع المضلل بأن الإدارة الجمهورية على استعداد لنجدة النظام اللبناني الحليف .
المحطة الثانية، مرت بلبنان خلال السبعينات أي عندما انفجر الصراع بين اللبنانيين . ولقد تكرر مشهد نهاية الخمسينات عندما تطلع فريق من اللبنانيين تزعمته “الجبهة اللبنانية” إلى دول الغرب لحماية الوضع الراهن في لبنان من التحديات . وحيث إن الكثرة الساحقة من هذا الفريق كانت من المسيحيين اللبنانيين، فقد توقعت “الجبهة” أن تفعل العوامل الأيديولوجية فعلها، وأن تسارع دول الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، بالاستجابة لطلب الحماية . ولكن كما يذكر الكثيرون، لم تتجاوب الولايات المتحدة مع هذه الطلبات، وتركت للجبهة أن تتدبر أمر حماية المسيحيين اللبنانين مع أطراف إقليمية، ومع القيادة السورية بصورة خاصة .
كما كان الحزب الجمهوري يحكم في الخمسينات الولايات المتحدة، فإنه كان في السبعينات يحكمها أيضاً . في الحالتين، كان - ولا يزال - من الخطأ الاعتقاد بأن دول الغرب، أو أن الجماعات المتشددة فيه مستعدة للتدخل في المنطقة لتقديم حماية لهذا الطرف أو ذاك . إذ تتخذ حكومات الغرب مثل هذا الموقف فإنها لا تفرق كثيراً بين المتحمسين لترسيخ وتنمية العلاقات مع واشنطن ومن المناوئين لخصومها ومنافسيها في المنطقة، ولا تتأثر كثيراً بعامل العقيدة الدينية التي تجمع الأمريكيين والعرب أو اللبنانيين الذين يستنجدون بواشنطن . فغير هذه الاعتبارات، هناك اعتبارات أخرى متعددة تأخذها واشنطن بعين النظر عندما تقرر التدخل العسكري خارج الولايات المتحدة وخارج القارة الأمريكية .
إن البديل عن هذه النظرة ليس سهلاً ولا قريب المنال، ولكن لا بد من السعي إلى الوصول إليه ولو بعد حين . البديل هو التأكيد أن الحل يكمن في المنطقة نفسها، في كل دولة من دولها، وفي مؤسساتها الجماعية . وأنه في الوصول إلى مثل هذه الحلول فإنه من الضروري الاقتناع بأولوية الحق في الحياة والاستعداد لتقديم التنازلات المتبادلة والمساومة مع الخصوم والمناوئين . بدون ذلك، سوف تستمر السباحة في الأوهام والتعويل على منقذين مفترضين، بينما يذهب الدمار بما تبقى من المنطقة العربية .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 24 / 2178507

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع وفاء الموقف  متابعة نشاط الموقع رغيد الصلح   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178507 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40