الثلاثاء 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014

زيارة بطعم الأسيد إلى “الأقصى”

الثلاثاء 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 par د.احمد جميل عزم

مصطلح “كي الوعي” الذي بات متداولا، ويعود اختراعه لوزير الدفاع الصهيوني موشيه يعلون، حينما كان قائداً لأركان الجيش الإسرائيلي في الانتفاضة الثانية، العام 2002، هو مصطلح لا يتعلق باستخدام المكواة، مع ما يعنيه هذا من حرارة مؤلمة عندما تمسّ الجسد؛ بل كان يتحدث عن الكي بمادة الأسيد. والمراقب لما يحدث في القدس، يجد في الخطاب الإعلامي الإسرائيلي نوعاً من “كي الوعي”.
ما أراد يعلون قوله حينها أنّه بنهاية الانتفاضة الثانية، يجب أن يكون قد حفر (كما باستخدام مادة حارقة لختم شيء ما) في وعي الفلسطينيين أنّ الإرهاب (يقصد المقاومة) لا يجدي مع الإسرائيليين. والآن، يقول الناطقون الرسميون الإسرائيليون إنّهم لا يريدون تغيير الواقع في الحرم القدسي الشريف، وهي كلمات تعني في واقع الأمر “أننا لن نتراجع عن فرض ما نريد هناك، ويجب أن يستسلم العالم لذلك”.
نشرت صحيفة “لوس أنجلوس تايمز” الأميركية، أول من أمس، أنّه “أعيد فتح جبل الهيكل (الاسم اليهودي المزعوم للحرم الشريف) أمام الزوّار. لكن القيود بقيت على المصلّين المسلمين”. وليس واضحاً لي المقصود بالعبارة، لكنّها في الوقت ذاته تُلخِص ما يحدث. فالإسرائيليون باتوا يحاججون بأنّ من حق اليهود، وأي شخص آخر، “زيارة” الحرم القدسي الشريف، وأنّ وجود مسلمين يحاولون، قولاً أو فعلاً، منع هذا، يبرر منع من هم دون سن الخمسين من دخول الحرم. فما يفعله الإسرائيليون هو تصوير الأمر على أنّه زيارات عادية يقوم بها يهود لأماكن يهودية، وأنّهم يقدمون تنازلا لأنّ هناك قيودا على قيامهم بالصلاة هناك. وتتكرر أسطوانة يراد لها أن تحفر في وعي العالم والفلسطينيين، بأنّ عليهم قبول فكرة “الزيارة”، وأنّ ما يفعله الفلسطينيون هناك “شغب”.
يقول نتنياهو، بذات الطريقة اللزجة المراوِغة: “يريد (الفلسطينيون الأصوليون) استخدام العنف اللفظي والجسدي لمنع اليهود من الصعود إلى جبل الهيكل. ونحن لن نسمح بحدوث هذا”. ثم يكمل: “نحن لن نغير ترتيبات الصلاة والدخول لجبل الهكيل، وستبقى كما كانت لعقود”. وحديث نتنياهو قد يعني أنّ المستوطنين سيمنعون من دخول المنطقة، على اعتبار أنّهم كانوا ممنوعين من ذلك لعقود، لكن الجزء الأول والأوضح الذي يقول إنه لن يسمح بمنع اليهود من “الصعود”، يبدو متناقضاً مع الثاني، إلا إذا فهمناه بشكل آخر؛ وهو أنّ نتنياهو يقول إنّ اليهود يدخلون المنطقة منذ عقود، وأنه سيحفظ حقهم في هذا. وعمليا، فإن ترتيبات الصلاة تغيرت فعلا، وبات المسلمون يُمنعون من ذلك.
استمعتُ لمتحدثين إسرائيليين رسميين عدة. وأجد في تقرير مطوّل نشرته صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية صدى الصوت الصهيوني الذي يراد للعالم أن يسمعه. فتحت عنوان “قطار القدس الذي أريد أن يوحد اليهود والعرب، عمّق الانقسام المر”، جاء أنّ القطار الذي افتتح في القدس قبل ثلاث سنوات، ويمر بأحياء يسكنها العرب ومستوطنون يهود، “بات مركز العنف المتصاعد من قبل الفلسطينيين إزاء الدولة الإسرائيلية”.
هناك غياب شبه كامل من المشهد الإعلامي العالمي، أنّه ليس أبواب الحرم هي المغلقة فقط، ولكن حدود فلسطين مغلقة أمام المسلمين والمسيحيين العرب للصلاة في الحرم وكنيسة القيامة؛ وأنّ هناك جدار فصل عنصري يمنع حتى من يسكن على مرمى البصر من “الأقصى” و“القيامة” من زيارتهما، وزيارة المدينة. وليس هناك حديث عن منع البناء وهدم البيوت وسحب الهويات من القدس. بل إنّ الناطق الرسمي الحكومي الإسرائيلي الذي “استضافته” فضائية عربية للحديث، رد على سؤال المذيع إن كان بإمكانه وهو “غير اليهودي” أن يصلي عند حائط البراق (الذي يسمونه المبكى)، بقوله: “طبعاً مرحب بك”؛ متجاهلا كل عمليات المنع سالفة الذكر.
في يومٍ من الأيام، قال تيدي كوليك الذي كان الرئيس الصهيوني لبلدية القدس منذ الستينيات وحتى التسعينيات: “لقد أنجزت شيئاً للقدس اليهودية في الخمسة والعشرين عاماً الماضية. ولكن ماذا فعلت لشرق القدس؟ لا شيء. ممرات مشاة؟ لا. مؤسسات ثقافية؟ ولا واحدة. نعم، قمنا بتمديد نظام مجاري (...) ولكن لماذا؟ هل تعتقد أنّ ذلك لمصلحتهم ورفاههم؟ انس. كانت هناك حالات كوليرا، وخاف اليهود أن تصيبهم، فقمنا بتركيب أنظمة المياه والمجاري في وجه الكوليرا”.
هذا هو الوجه الحقيقي للسياسة الإسرائيلية الذي يستحق خطة لتوضيحها للعالم، وفق نهج مدروس.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 52 / 2165427

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع احمد جميل عزم   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165427 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010