الأربعاء 29 تشرين الأول (أكتوبر) 2014

القدس وسياسة الأمر الواقع

الأربعاء 29 تشرين الأول (أكتوبر) 2014 par علي بدوان

تشهد مدينة القدس المحتلة أحداثاً جساماً، حيث تمر المدينة المقدسة في فلسطين بظروف استثنائية جداً. فعمليات التهويد ومصادرة الأرض، والإطباق على المدينة من كل جوانبها، وتهويد الأحياء العربية الإسلامية والمسيحية داخل حدودها الإدارية وحتى خارج حدودها، بات أمراً مفروضاً بفعل الوقائع المادية الملموسة التي تصنعها كل يوم أدوات الاحتلال «الإسرائيلي» ومجموعات المستوطنين الصهاينة، التي لم توفر حتى محيط وأسفل المسجد الأقصى وقبة الصخرة، حيث تشير العديد من المعلومات المؤكدة إلى أن الحفريات أسفل ومحيط المسجد الأقصى قد باتت تهدد كامل بنيان هذا الصرح الإسلامي والروحي المقدس لعموم المؤمنين في العالم كله. فضلاً عن قيام جرافات الاحتلال بشكل شبه يومي بهدم المنازل العربية.

والخطير الآن بكل ما يجري في مدينة القدس المحتلة من اقتحامات يومية للمستوطنين لباحات المسجد الأقصى بحراسة شرطة الاحتلال ومنع المقدسيين من الصلاة في «الأقصى»، اعتزام الكنيست «الإسرائيلي» طرح مشروع قانون تقسيم المسجد الأقصى، زمنياً ومكانياً، للتصويت الشهر المقبل، في خطوة تصعيدية جديدة، لا تقل خطورة عن الأفكار التي تم طرحها «إسرائيلياً» في المفاوضات التي جرت خلال السنوات الماضية مع الطرف الرسمي الفلسطيني في سياق عملية التسوية الغارقة في الأوحال والغائبة في سباتٍ عميق.

إن هدم منازل عدد من المقدسيين في بلدة الطور المجاورة لأحياء المدينة المقدسة مؤخراً، والاستعداد لطرح مشروع تقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً، يُعد عدواناً «إسرائيلياً» جديداً واعتداءً سافراً على حرية المسلمين والمؤمنين عامة في العبادة وعلى عروبة مدينة القدس ككل، التي تشهد لحظات صعبة من مصيرها الواقع حالياً تحت ضغط الاحتلال ومشاريع التهويد المتتالية.

وكانت مفاوضات (كامب ديفيد) الثانية في واشنطن صيف العام 2000، بين الوفد الفلسطيني برئاسة الرئيس الراحل ياسر عرفات ووفد دولة الاحتلال بقيادة الجنرال (إيهود باراك) رئيس الوزراء في حينها، قد انهارت بشكلٍ كاملٍ حين دعت الورقة الأميركية التي تقديمها سنتذاك من قبل الرئيس الأميركي الأسبق وليام حيفرسون كلينتون، والتي دعت لتقسيم المسجد وتقسيم الصلاة فيه. وعلى إثر الموقف إياه اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الكبرى الثانية نهاية يوليو 2000، والتي هزت العالم، وأعادت وضع الأمور على سكتها الحقيقية.

إن المبادرة «الإسرائيلية» المطروحة حالياً في دواخل الكنيست «الإسرائيلي» باتجاه إقرار مشروع تقسيم الصلاة في المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً، وطرحه على جدول أعمال الكنيست (البرلمان) سيؤجج عملية الصراع في المنطقة ككل، وسيهيل التراب على ما تبقى من جهود تبذلها بعض الأطراف لإعادة إحياء العملية السياسية التسووية المعطلة منذ وقت كبير، وقد يشعل المنطقة برمتها.

ومن الواضح أن حكومة اليمين «الإسرائيلي» بقيادة بنيامين نتانياهو تستغل انشغال العالم بالصراعات الداخلية وتشكيل التحالف الأميركي الدولي الإقليمي الجديد وموضوعة تنظيم (داعش)، لمواصلة جرائمها بحق أبناء الشعب الفلسطيني وفرض قوانين عنصرية وتهويدية بحق المقدسات وبحق مدينة القدس التي تعيش لحظات حاسمة بين التهويد والمحافظة على عروبتها وإسلاميتها ومسيحيتها.

إن تصدي أبناء مدينة القدس لسياسات الاستيطان والتهويد وهدم واحتلال منازل المقدسيين وعربدة المستوطنين وفرض قوانين عنصرية ومنع المقدسيين من الوصول للمسجد الأقصى وصمودهم في وجه قوات الاحتلال وتحويلهم شوارع القدس إلى ساحات اشتباك وصدام، يؤكد من جديد الروح الوطنية العالية المختزن لدى عموم ابناء الشعب الفلسطيني للدفاع عن أرضه ومقدساته. لكن تلك الروح الوطنية العالية والجاهزية المتقدمة تحتاج لإسنادٍ حقيقيٍ عربيٍ وإسلاميٍ ومن جميع قوى الديمقراطية والعدالة والسلام في العالم من أجل مناصرة الشعب الفلسطيني، وتوفير الروافع الضرورية لاستمرار صموده، ولإحداث نقلات نوعية في مساره الكفاحي في سياق المعركة الوجودية التي يخوضها في وجه الاحتلال ومجموعات المستوطنين القادمين من أصقاع المعمورة للاستيطان على أرض فلسطين وعلى حساب أصحابها الشرعيين.

وهنا من المهم، التعاطي العربي والفلسطيني بآلية جديدة مع ملف القدس، ووضع إستراتيجية خاصة للمدينة بما فيها توفير مستلزمات صمود أبناء القدس وعموم فلسطينيي الداخل المحتل عام 1967 لمشاريع الاستيطان والتهويد. فقضية القدس العربية الفلسطينية المحتلة بشقيها الغربي المحتل عام 1948 والشرقي المحتل عام 1967 المفاوضات المطروحة على جدول أعمال عملية التسوية «المتوقفة» في الشرق الأوسط وعلى مسارها الفلسطيني «الإسرائيلي»، وتتعدى المسؤولية الفلسطينية فيها لتصبح مسؤولية عربية وإسلامية ومسيحية بامتياز لا تقبل سوى الحل العادل.

فقضية القدس تضاف إلى مجمل العناوين الساخنة التي تُشكّل جوهر القضية الوطنية للشعب الفلسطيني، كما هي حال قضية اللاجئين وحقهم في العودة وفق قرارات الشرعية الدولية والذين يشكلون نحو (65 %) من التعداد العام للشعب الفلسطيني في الداخل والشتات. ويعتبرها ذوو الشأن في الساحة الديبلوماسية الدولية «إحدى إشكاليات العالم المعاصر والقضية ذات التدخل الدولي المستديم». فهي تُشكّل العنوان الأكثر عاطفةً في العالم، والأرسخ رمزية، والأعمق تجذراً في الوجدان الديني والقومي والإنساني لجمهور المؤمنين من أبناء الرسالات السماوية الذين عاشوا أو ارتحلوا إليها كحجاج منذ فجر تاريخها وفي كنف الدول العربية الإسلامية وصولاً إلى عام النكبة الفلسطينية الكبرى بكل ارتياح ومودة وإخوة.

إنها القضية الرمزية الأكثر عدالة لشعب مقهور لم يذق طعم الاستقلال منذ ما قبل محنته الكبرى عام 1948. وهي بهذا المعنى قضية عادلة وصارخة، لمدينة فريدة، وتاريخ فريد لشعب مازال يمتشق صهوة الفعل وإرادة الحياة، بالرغم من كل ما أحاط ويحيط به من عوامل الانكسار والاستبداد على يد طواغيت القوة، وفي ظل الظروف الراهنة القاسية التي تمر على عموم المنطقة وعلى الشعب الفلسطيني بشكلٍ خاص، حيث مأساة غزة، ومآسي فلسطينيي سوريا في ظل المحنة التي يعيشون تداعياتها اليومية.

وانطلاقاً من استحالة بناء التسوية المتوازنة والعدالة الانتقالية ما دامت تدور في ظل اختلال المفاهيم المرتبط مع اختلال ميزان القوى دون استثمار عناصر القوة العربية والإسلامية، فإن المدينة الفلسطينية الأسيرة تنتظر كل يوم يد المساعدة المادية والسياسية العربية والإسلامية والمسيحية، لمواجهة التحدي الصهيوني وسياسة الأمر الواقع الجارية على الأرض.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 21 / 2165863

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165863 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010