الاثنين 27 تشرين الأول (أكتوبر) 2014

فلسطين.. تغيير قواعد اللعبة.. والملعب!

الاثنين 27 تشرين الأول (أكتوبر) 2014 par خالد الحروب

عندما طالب الفلسطينيون في شهر سبتمبر. 2011. دول العالم جميعها بالاعتراف بـ “فلسطين” كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة. قرأ كثيرون الخطوة بكونها قراراً إستراتيجياً قررت عبره القيادة الفلسطينية تغيير مسار أوسلو الطويل والفاشل. آنذاك كتبتُ في هذه الصفحات أن الخطوة تنطوي على ما هو أهم من “تغيير قواعد اللعبة” وهو التغيير في “اللعبة” ذاتها وفي “الملعب” التي تُخاض عليه (فلسطين: تغيير قواعد اللعبة... والملعب!). بيد أن التخوف الذي خشيه كثيرون وأنا منهم. تمثل في أن يتم تحجيم الخطوة الإستراتيجية الكبيرة وحمولتها وآفاقها الواسعة إلى مجرد “ورقة ضغط” على إسرائيل ومحض خطوة تكتيكية تندرج في سياسات الضغط التفاوضية وتُبقي الفلسطينيين في “الملعب التفاوضي” وفي “لعبة أوسلو التفاوضية”. بعد كل الآمال الكبيرة يومها. وانتزاع الفلسطينيين زمام المبادأة والفعل وارتباك إسرائيل ومؤيديها في واشنطن والغرب. خضع الفلسطينيون لضغوطات دولية من هنا وهناك وجمدوا المسار الأممي. وعادوا “إلى طاولة المفاوضات”. وأضاعوا ثلاث سنوات أخرى.
اليوم كأن التاريخ القريب على أهبة أن يعيد نفسه. فثمة زخم كبير وإعادة امتلاك لزمام المبادرة بعد إعادة نفض الغبار عن المسار الأممي. وقرار وباتجاه التحرر من لعبة وملعب المفاوضات. لكن في ذات الوقت هناك التخوف ذاته: تخوف العودة ثانية إلى المفاوضات بعد رفع الأسقف وتحضير الأرضية لملعب جديد تُخاض عليه المعركة. ما كُتب في الجولة الأممية الأولى قبل ثلاث سنوات ينطبق تماما اليوم وكأنه كُتب تعليقا على آخر ما استجد فلسطينيا على الصعيد الأممي. ويستحق الاستعارة والعودة إليه أدناه. بما يشير إلى أن كل ما جرى في الفترة الماضية لم يكن سوى تضييع للوقت في الجانب الفلسطيني. واستثمار له في الجانب الإسرائيلي. الوقت المهدور فلسطينيا يُستثمر دائما إسرائيليا عبر تعميق وترسيخ الاحتلال والاستيطان وتهويد القدس. الاحتلال والاستيطان والتهويد هما الآن أسوأ بكثير من الحال الذي كان قبل ثلاث سنوات. آن الأوان للعبة إهدار الوقت وتقديمه هدية ثمينة لإسرائيل أن تتوقف. قبل ثلاث سنوات علقت على التطور الفلسطيني الأممي بما يلي وهو ما ينطبق على ما يحدث اليوم:
"... الإنجاز الفلسطيني بالتوجه إلى الأمم المتحدة والحصول على عضو دولة مراقب وحتى هذه المرحلة كبير والزخم الذي تم توليده هائل ويجب المحافظة عليه وعدم إضاعته. جوانب هذا الإنجاز عديدة لكن يمكن توصيفها وتوصيف خطوة الذهاب بالقضية إلى الأمم المتحدة بعملية. بل مغامرة. جريئة هدفها يجب أن لا يكون تكتيكيا محصورا بتغيير قواعد اللعبة. بل تغيير اللعبة كلها وتغيير الملعب. اللعبة المملة هي المفاوضات العبثية التي ضيعت عشرين عاما عبر قواعد مجحفة وضعها حكم منحاز ومتواطئ هو الولايات المتحدة. وتدور على أرضية وملعب حدد معالمهما العدو نفسه ومعه الحكم المتواطئ. من خلال تلك اللعبة تم نفي ملف القضية الفلسطينية عمليا وسياسيا عن أروقة الأمم المتحدة. وتحولت القضية إلى كرة تتقاذفها سياسات الخداع والكذب وإضاعة الوقت الإسرائيلية والأمريكية التي كرست الاحتلال والاستيطان والتهويد على مدار سنوات المفاوضات الطويلة. تشريد ملف القضية من حيزها الأممي والقانوني القوي المُدعم بقرارات دولية ومرجعيات حقوقية واضحة إلى حيز التفاوض الثنائي بهدف الوصول إلى حل سياسي كان معناه تجريد الفلسطينين من عناصر القوة الوحيدة المتوفرة في أيديهم. لم يكن هناك أية أوراق ضغط يملكها الفلسطينيون على طاولة المفاوضات التي ابتعدت بعيدا عن الأمم المتحدة وأقيمت في الملعب الإسرائيلي- الأمريكي. اللعبة والملعب والحكم فاسدون ولهذا فقد دفع الفلسطينيون ثمنا باهظا خارج حدود التصور. كيف يمكن أن تقود مفاوضات استمرت لمدة عقدين من الزمان بهدف نظري هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي إلى تكريس هذا الاحتلال ومضاعفة الاستيطان وعدد المستوطنين أكثر من ثلاث مرات وتهويد القدس برمتها؟
من هنا بالضبط تكمن أهمية وتاريخية الخطوة الفلسطينية: من إمكانية خلق مسار جديد والتوجه إلى ملعب جديد. معركة الأمم المتحدة وذروتها الخطاب الشجاع والمحكم الذي ألقاه الرئيس الفلسطيني أعادت الاعتبار لقضية فلسطين أمميا ووضعتها على رأس جدول الأعمال العالمي. أعادت التأكيد على أن قضية فلسطين ليست فحسب القضية المركزية في الشرق الأوسط وهي مفصل السلام والحرب فيه. بل وأيضا لا يمكن أن يستقر العالم من دون أن تتحقق الحقوق الفلسطينية. وقبل ذلك وخلاله أنجزت هذه الخطوة ثلاثة مكتسبات كبيرة يمكن اعتبارها إستراتيجية. الأول هو انتزاع زمام المبادرة والفعل من العدو والحكم معا. إسرائيل وأمريكا. وعكس مجرى التحكم في الأمور الذي بقي عند الطرف الآخر خلال السنوات العشرين الماضية. الفلسطينيون. والعرب من ورائهم. كانوا في موضع رد الفعل وكان المتحكم في المبادأة والسيطرة هو التحالف الإسرائيلي-الأمريكي. الخطوة الفلسطينية الأممية كسرت ذلك الاحتكار. الثاني. هو الانتفاضة على الضغوط الأمريكية التي بلغت مستويات هائلة وحاولت بالترغيب وبالوعيد ثني الفلسطينيين عن خطوتهم. يُسجل للقيادة الفلسطينية بكل موضوعية تشبثها بالموقف والإصرار على المضي خطوة تقديم طلب العضوية رغم السعار الأمريكي المُنحط أخلاقيا وسياسيا الذي شهدناه في واشنطن ونيويورك. كانت مندوبة الولايات المتحدة الجالسة في الصف الأول خلال خطاب أبو مازن تمثل المصالح الإسرائيلية وليس الأمريكية وهي ترفض حتى مجرد المشاركة في التصفيق منقطع النظير لكلمة فلسطين في المحفل الأممي. سوف يظل هذا المشهد عالقا في الذاكرة الجمعية الفلسطينية والعربية وكأن الولايات المتحدة تريد أن تؤكد بأنها عدوة للحقوق الفلسطينية عمليا رغم كل الرطانة والتصريحات الرسمية ووعود كلنتون. ورؤية بوش. وتفهم أوباما. وكل الأوهام التي سرعان ما تنقضي عن أول انتخابات محلية وضغوط للوبي اليهودي.
الإنجاز الثالث للخطوة الفلسطينية الأممية تمثل في خلق زخم وطني وشعبي كان الشعب الفلسطيني في أمس الحاجة إليه. لقد تراكم في السنوات الماضية قدر هائل من الإحباط واليأس واللامبالاة في أوساط الفلسطينيين. وتبعثرت بوصلتهم الوطنية خاصة بعد الانقسام والشرخ الذي حصل بعد سيطرة حماس على غزة سنة 2007. أصبحت القضية الوطنية ومعالمها مثار تهكم شرائح عريضة. ولم يعد الفلسطيني مدركا إلى أين المسير. خطوة عضوية فلسطين وربما على رمزيتها في الجوهر تمكنت من لم الشعب الفلسطيني على هدف وطني واحد. وشحنت الناس بقضية تستحق الصراع من اجلها.
لكن المهم الآن هو الحفاظ على ما تم إنجازه وعدم تبديده بالتراجع إلى الوراء. شعار الشهور القادمة يجب أن يكون: تغيير اللعبة والملعب. وليس تغيير قواعد اللعبة فقط. معنى ذلك أن يعود ملف القضية إلى الأمم المتحدة. وان تُصاغ الخطوات القادمة على أرضها ومن خلال مرجعياتها القانونية والحقوقية. أي عودة إلى المفاوضات الثنائية من دون مرجعيات الأمم المتحدة وإشرافها معنى ذلك تذرية الإنجاز والتخلي عنه والعودة إلى اللعبة القديمة والملعب القديم الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة. بإعادة الملف للأمم المتحدة يتم كسر الاحتكار الأمريكي وسيطرته الحصرية على مجريات المستقبل الفلسطيني. يجب رفض كل “الحلول الوسيطة” سواء التي طرحها ساركوزي أو اللجنة الرباعية أو غيرهم التي تريد إعادة الفلسطيني إلى الملعب القديم مع تحسين “قواعد اللعبة”.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 52 / 2178229

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع وجهات العدد   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2178229 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40