شاهدت في ظرف أقل من ساعة عند مدخل إحدى جامعاتنا حدثين برهنا لي مرة أخرى حاجتنا إلى الديمقراطية وحرية الإعلام لكي نتقدم. الحدثان مرتبطان بشخصين أرادا أن يقتحما الحرم الجامعي بغير وجه حق، وبطريقة استفزازية مستخدمين نفوذهما كرسميين أو كعاملين عند نافذين في الحكم، ما أثار حفيظة أعوان الأمن الجامعي وكان سببا في نشوب شجارات شوّهت المحيط الجامعي أكثر مما هو مشوه.
انتهى الشجار الأول بأن اعتذر صاحبه للأعوان وسار كل إلى حاله. أما الثاني فقد استمر أكثر من ساعة ونصف إلى حين تدخل رجال الشرطة لاقتياد الطرف المعتدي في سيارتهم.. وهكذا ازدادت قناعتي أننا لا يمكن أن نتقدم مادامت مثل هذه الصور تتكرر كل يوم؛ ليس فقط في جامعاتنا، بل في كافة مؤسساتنا. وليس لذلك علاجٌ سوى الديمقراطية وحرية الإعلام.
لو كانت لدينا ديمقراطية وكان لدينا إعلامٌ حر فإنه بلا شك سيتدخل فورا في مثل هذه الحالات وينقل بالقلم والصوت والصورة للرأي العام هذا السلوك المشين، وستتعرف الجزائر في اللحظة ذاتها على من يكون هذا الشخص أو ذاك الذي استرجل على أعوان حراسة بسطاء لا يزيد أجر الواحد منهم على 15000دج.. ولو كان لدينا إعلامٌ حر لعرف الرأي العام من هي تلك الشخصية النافذة التي يعد هذا المستفحل أحد خُدّامها ويَستقوي بها. ولو كان هناك إعلامٌ حر لكان من حقي أن أعلم اسم هذين الرجلين وأين يشتغلان؟ وباسم مَن كانا يتحدثان؟ ولكان من واجب القانون أن يُحتم عليّ إبلاغ الرأي العام بالإسم والصورة مثل هذا الحدث ليتحمل كل مسؤوليته: الشخصية النافذة التي تكلم باسمها هذا المسترجل، أو هو نفسه مهما كانت صفته. وعندها سيضطر كل إلى معرفة حدوده، ويعود كل إلى مكانه مهما كان مستواه.
وعندها فقط سيتوقف الكثير من الأزلام عن تخويف الناس باسم شخصيات نافذة، لأن وسائل الإعلام ستتمكن من نشر أسمائهم وصورهم مع شخصياتهم النافذة، وبعدها لن يتجرأ أيٌّ كان على القيام بمثل هذا الفعل، لأنه يعرف مسبقا مصيره.
وعند انتقال حرية الإعلام هذه إلى كشف كل المفسدين والمسترجلين ممن يعتبرون أنفسهم فوق القانون في الطرقات وفي الإدارة، وفي التصرف في المال العام، وفي الحكومة وفي كل المستويات، نبدأ بالفعل الأملَ في التقدم...
فعلا لم يخطئ الرئيس الأمريكي “جفرسون” عندما قال: “لو خُيّرت بين حكومة بلا صحافة وصحافة بلا حكومة لاخترت الثانية بلا تردد”، ذلك هو أملنا.