السبت 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2014

استنزاف العرب والكرد معاً

السبت 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2014 par د. عصام نعمان

لفظياً، ثمة شبه إجماع على ضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة السورية . لكن، فعلياً، ثمة حرص على سلوك طريق الحل العسكري . الحل السياسي يدعو إليه الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون وتشاطره الرأي دول عدة . مع ذلك تبقى الأولوية على الأرض للحل العسكري . لماذا؟
لأن بعض اللاعبين الفاعلين، الدوليين والإقليميين، يظنّ أن الانتصار في سوريا عسكرياً من شأنه أن يحلّ مشكلة كلٍ منهم، سورياً وإقليمياً .
مشكلة الولايات المتحدة هي إيران “النووية” وتهديدها المرتقب لمصالحها في المنطقة ولأمن “إسرائيل” ما يستلزم إضعافها لحملها على قبول تسويةٍ لبرنامجها النووي تُعطل قدرتها على صنع أسلحة نووية . سبيلها، في ظنها، لتحقيق مراميها تفكيكُ محور الممانعة والمقاومة الذي يضمّ إيران وسوريا والمقاومتين اللبنانية والفلسطينية، وتفكيك سوريا في السياق نفسه إلى جمهوريات موز قَبَلية ومذهبية واثنية لضمان أمن “إسرائيل” .
ازدادت مشكلة الولايات المتحدة تعقيداً بتعديل تنظيم “داعش” دوره من داعم لواشنطن وحلفائها الإقليميين ضد سوريا ونظامها إلى لاعب فاعل له برنامجه الخاص (دولة الخلافة) ونزوعه إلى التوسع على حساب حلفاء أمريكا ومصالحها ولاسيما في كردستان العراق .
مشكلة تركيا هي الكرد، داخلها وخارجها، الطامحون إلى إقامة دولة مستقلة تجمع شتاتهم الموزع بين دول أربع . سبيلها، في ظنها، لمنعهم من تحقيق صبواتهم في الحكم الذاتي أولاً، وبالدولة المستقلة لاحقاً هو الهيمنة عليهم حيث يقيمون وذلك بالسيطرة على سوريا وعزل كردستان العراق عن حكومة بغداد المركزية وربطها بأنقرة والتحكم، تالياً، بالمجتمعات الكردية فيهما لمنعها من التنسيق والتعاون مع أكراد تركيا لتحقيق أهدافهم المشتركة .
مشكلة إيران الدفاعُ عن برنامجها النووي في وجه الولايات المتحدة والدول الكبرى المتحالفة معها، ومحاولة التوصل معها إلى تسوية تضمن رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها . سبيلها لتحقيق مراميها تعزيزُ نفوذها الإقليمي للضغط على خصومها بمشاغلتهم بصراعات في المنطقة . في هذا السياق، تدعم طهران سوريا والمقاومتين اللبنانية والفلسطينية المعادين جميعاً ل“إسرائيل” لحمل واشنطن وحلفائها على تخفيف ضغوطهم عليها .
مشكلة روسيا خلافها مع الولايات المتحدة بشأن أوكرانيا ولاسيما بعد التصعيد الذي مارسته واشنطن بتعزيز العقوبات ضدها، وتحريكها بعض الدول المجاورة، جورجيا ومولدافيا وأذربيجان، لمناكفتها بإقامة قواعد لحلف “الناتو” على أراضيها، ودعمها بعض الأقليات الأثنية، الشيشان والتتار، لمناهضتها . سبيلها لتحقيق مراميها دعمُ حلفائها القدامي، ولا سيما سوريا، والتقرب من إيران بقصد التنسيق معها في مواجهة واشنطن في الشرق الأوسط .
في غمرة هذا الوضع الإقليمي المأزوم والمتفجر، يسعى بان كي مون إلى تبريد الأعصاب والدفع نحو التفاوض والتسوية . سبيله إلى ذلك تفعيلُ حركة مبعوثه الخاص إلى سوريا ستيفان دو ميستورا ودعم جهوده بنداء في مجلس الأمن يدعو “للحد من معاناة الشعب السوري والمساهمة في حل سياسي” .
من الواضح أن الأمين العام للأمم المتحدة يعتقد أن إيجاد حل سياسي للأزمة في سوريا من شأنه “حلحلة” مشاكل اللاعبين المتصارعين على أرضها . فسوريا هي، في الواقع، متنفس هؤلاء جميعاً في سعيهم المحموم لتحقيق مراميهم ومخططاتهم في المنطقة والعالم .
التجاوب مع مساعي بان كي مون مازال محدوداً للغاية . المندوبة الأمريكية الدائمة لدى الأمم المتحدة سامانتا باور قالت لمجلس الأمن، في سياق تعليقها على نداء الأمين العام: “إن التوصل إلى حل سياسي أمر أساسي”، لكنها استدركت قائلةً: “يجب أن نهزم”الدولة الإسلامية“وغيرها من الجماعات الإرهابية، كما يجب أن نحاسب المسؤولين في نظام الأسد على فظائعه الواسعة النطاق . . .” .
وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف قال لدوميستورا خلال زيارته لموسكو أن بلاده رحّبت بتعيينه وتدعو لمعاودة جهود التسوية السياسية منذ أمد طويل . لكنه حرص على انتقاد الولايات المتحدة وحلفائها بقوله إنهم يغضّون أنظارهم عن خطر “داعش” لأنهم “يريدون استخدامها لمواجهة بشار الأسد” .
وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو تجاهل نداء بان كي مون ليستبعد مجدداً تقديم مساعدات مباشرة الى حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري في دفاعه عن مدينة عين العرب (كوباني) ضد “داعش” بدعوى أنه، أي الحزب، “إرهابي” لقربه من حزب العمال الكردستاني التركي .
يتضح من كل هذه الوقائع والمواقف أن عقدة الوضع الإقليمي المأزوم والمتفجر ما زالت سوريا ورئيسها من جهة والموقف الحقيقي من “داعش” من جهة أخرى . فالولايات المتحدة ترى في “داعش” خطراً على مصالحها في العراق، ولاسيما في كردستان العراق، ولا ترى فيه خطراً على سوريا إذ مازالت تحاول إزاحة رئيسها ونظامه . تركيا لا ترى في “داعش” خطراً عليها بل ترى فيه حليفاً لها في مواجهة عدوها الرئيس : الكرد في تركيا وسوريا والعراق، كما في مواجهة عدوها الآخر: الأسد ونظامه . أما روسيا وإيران فيجزمان بأن العدو الرئيس لهما كما لسوريا والعراق وسائر الدول العربية هو “داعش”، الأمر الذي يستوجب الكف عن محاربة سوريا بغية الكف عن استنزاف العرب والكرد في آن واحد .
ما المخرج ؟
لعله في توصّل الولايات المتحدة والدول الست الكبرى إلى تسوية مع إيران بشأن برنامجها النووي ما يُقنع واشنطن بوقف هجومها على سوريا ونظامها بغية تركيز الجهود على هزيمة “داعش” المفترض به أن يكون عدو الجميع . لكن، هل بإمكان أوباما التوصل مع إيران إلى تسوية مقبولة قبل الانتخابات النصفية الأمريكية مطلعَ الشهر القادم واحتمال سيطرة الجمهوريين، أصدقاء “إسرائيل” وخصوم إيران، على مجلسي الكونغرس؟
هذا هو السؤال . . وهناك الجواب .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2178258

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عصام نعمان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2178258 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40