الاثنين 20 تشرين الأول (أكتوبر) 2014

عن مصر والحملة على داعش

الاثنين 20 تشرين الأول (أكتوبر) 2014 par محمود الريماوي

يسترعي الانتباه أن مصر لم تشارك في الحملة العسكرية الإقليمية الدولية على تنظيم داعش في العراق وسوريا . كما يبدو الاهتمام بالحملة ضئيلاً بعض الشيء في وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية، ولا شيء بالطبع يحمل على الاعتقاد بأن القاهرة تتخذ موقفاً أو آخر أو مستقلاً بخصوص هذه التطورات . فقد أيدت القاهرة هذه الحملة عبر مشاركتها في اجتماع جدة الذي سبق انطلاق الحملة، وفي تصريحات مسؤوليها . وكان للقاهرة حصة في جولات الوزير الأمريكي جون كيري على المنطقة خلال الأسابيع الماضية والتي مهدت وواكبت انطلاق الحملة . وقد لوحظ أن الوزير كيري تحدث غير مرة عن أربعين دولة تدعم هذه الحملة، غير أن المشاركين فيها لا يتعدون العشرين أكثر من نصفهم من دول الغرب . ومن الواضح أن مصر في عداد الداعمين للحملة من دون أن تكون شريكاً فيها بصورة مباشرة حتى تاريخه .
في محاولة تفسير هذا الموقف لأكبر دولة عربية حيال هذه التطورات، يبرز التفسير القائل إن مصر تمنح أولوية كبرى لأمنها الداخلي، وأمن حدودها في فترة ما زالت تتسم بطابع انتقالي . فما زالت مصر تشهد توترات أمنية داخلية تشمل العاصمة كان آخرها التفجير أمام دار القضاء العالي في قلب القاهرة إضافة إلى مدن أخرى، وأن التركيز ينصب على الحؤول دون بروز تنظيمات مسلحة وإحباط خططها قبل تنفيذها، وملاحقة مدبريها . وفي قناعة القاهرة ومراقبين كثر أن للقاهرة حصتها في استهداف النشاط الجهادي السلفي لأمنها، وأن جهاديي تنظيم بيت المقدس الذي ينشطون في سيناء هم على صلة بالقاعدة وداعش، إذ إن أساليب عملهم وخطابهم تدل على هذا الانتماء . ومكافحة هذا التنظيم تقف على رأس أولويات الاستراتيجية الأمنية .
وعلى الحدود يستأثر الوضع في ليبيا باهتمام صانعي القرارات المصريين، وذلك مع استشراء موجة الفوضى المسلحة في هذا البلد، وبروز تنظيمات جهادية هناك . وقد تواترت أنباء خلال الأسابيع الماضية عن مشاركة مصرية محدودة لدعم سلاح الطيران الليبي، رغم النفي المصري الرسمي، في المواجهات مع ميليشيات مسلحة، كما ارتفعت وتيرة الاتصالات الليبية - المصرية وزيارة مسؤولين ليبيين إلى القاهرة . ومن الواضح أن مصر تدعم تحركات الجيش الوطني بقيادة خليفة حفتر لوضع حد لظاهرة الميليشيات، كما تدعم حكومة عبدالله الثني الذي زار القاهرة يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وأعلن أنه اتفق مع الجانب المصري على التنسيق التام لتأمين الحدود المشتركة بين البلدين وتدريب مصر للجيش الليبي لرفع كفاءته القتالية . . وهو ما أسهم في ترجيح الكفة لمصلحة القوات التي يقودها حفتر، وهو جنرال عاد إلى الخدمة بعد تدهور الوضع في بلاده، وبعد بروز سيطرة أطراف متطرفة على ميليشيات الثوار الذين خاضوا المواجهة مع نظام القذافي ورفضوا بعدئذ إلقاء سلاحهم والانخراط في الجيش النظامي .
إضافة إلى ذلك انشغلت القاهرة وما زالت بتداعيات الحرب الصهيونية على غزة وعلى وضع حدودها مع قطاع غزة .
وما زالت المطالب الفلسطينية ترتفع بفتح معبر رفح الحدودي لتسهيل تنقل أبناء القطاع نحو العالم الخارجي باعتبار المعبر هو المنفذ الحدودي الوحيد للقطاع مع العالم، فيما الهواجس الأمنية المصرية تطغى في هذا الشأن على الاعتبارات السياسية بدعم الرازحين تحت الحصار .
هذا التفسير بأولوية الانشغالات الأمنية الداخلية وعلى الحدود، يجد له سنداً في حالة الاستنفار الذي ما زالت تشهده الأجهزة الدفاعية والأمنية المصرية، بما يتقدم على المشاركة في حملة إقليمية ودولية على تنظيم داعش، وقد لوحظ أنه لم تصدر دعوات من واشنطن أو غيرها من العواصم لمشاركة مصرية مباشرة في الحملة على التنظيم الإرهابي .
ثمة تفسير آخر أو مكمل للعزوف المصري عن الانخراط بمشكلات الإقليم، يقول إن هناك عقيدة انكفاء مصرية عن التورط في مشكلات تقع بعيداً عن حدود مصر، وأنه حتى في الصراع العربي الصهيوني فإن القاهرة تفضل أداء دور الوسيط، مع التمسك بالحقوق العربية والفلسطينية، وأن المصاعب الاقتصادية التي ينوء بها هذا البلد، مضافاً إليها التحديات الأمنية الداخلية لا تسمح أو لا تسوغ انخراطاً مباشرا في مشكلات الإقليم، وأنه ليس لمصر مطامح إقليمية خارج حدودها، وحتى الحديث عن دور أو مركز قيادي لمصر في المنطقة، لم يعد يأتي على ألسنة مسؤولين مصريين إلا لِماماً، وحلّ محله حديث عن قوة مصر ومنعتها التي تردع خصومها .
على أن ذلك كله لا يعني أن مصر في عهدها الحالي باتت في حالة انقطاع، أو ما يشبهها عما يجري في المنطقة، وأنها منصرفة بصورة كلية إلى شؤونها الذاتية، فواقع الحال أن مصر ليست بعيدة عن التموضعات القائمة في المنطقة، فهي على سبيل المثال تضع العلاقات الوثيقة مع الرياض ومعظم دول الخليج كركن ركين لسياستهاِ، وهي ترى في الجماعات السلفية والإرهابية الممتدة أبرز عوامل زعزعة الأوضاع القائمة، غير أن القاهرة أو سواها لم تبلور بعد جواباً عملياً على التحدي الكبير الذي ما فتئ يتعاظم متمثلاً بنفوذ المراكز الاقليمية في الجوار الجغرافي: في تل أبيب وأنقرة وطهران، دون أن يلوح في الأفق بروز مركز عربي إقليمي يمتلك أدوات المنعة والاقتدار لتفادي عبث تلك المراكز المجاورة بالحقوق والمصالح العربية، علماً بأن الانكفاء إذا صحت هذه المقولة، هو مجرد رد ساكن لا يستجيب للتحدي .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 20 / 2178590

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

10 من الزوار الآن

2178590 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40