الخميس 16 تشرين الأول (أكتوبر) 2014

بوش الراديكالي وأوباما الواقعي؟

الخميس 16 تشرين الأول (أكتوبر) 2014 par د.احمد جميل عزم

بوش تحويلي (Transformative)، أمّا أوباما فمحافظ واقعي.
عندما وصل جورج بوش الابن، الرئيس الأميركي السابق، المرحلة الحالية التي وصلها الرئيس الحالي باراك أوباما (نحو السنة السادسة من ولايتيهما)، كان مذهبه في السياسة الخارجية قد أصبح واضحاً تماماً (مذهب المحافظين الجدد، حتى لو لم يكن هو منهم)، بكل ما يعنيه هذا من أفكار تتعلق بنشر قيم الحرية الأميركية (أو ما يحلو لمناهضي العولمة تسميته بـ“الأمركة”)، والقيام بتغيير الأنظمة المعادية، وفرض “الإصلاح” على الأنظمة الحليفة؛ أي القيام بعملية هندسة اجتماعية ودولية كاملة. لكنه بدأ يتراجع عن هذا المبدأ مع السنة السادسة تقريباً، ولم تعد الديمقراطية والإصلاح يعنيانه. بينما في حالة باراك أوباما، ما يزال المحللون والباحثون يسألون: هل له مذهب؟ لكن المفارقة أنّ هناك تصورا متزايدا بأنّه رئيس “ناجح” في سياسته الخارجية.
يُعرَف أوباما بما لم يفعل، أو تراجع عنه، أكثر مما يعرف بما فعل. لكن في العلاقات الدولية، فإن عدم الفعل هو فعل بحد ذاته أحياناً، بل وقد يكون هو الفعل الصحيح.
أوباما، ببساطة، يتبنى فكراً ليبراليا (بالتعريف الأميركي لليبرالية الذي يجعلها أقرب إلى الفكر اليساري في الشأن الداخلي؛ فيهتم برفض التمييز، وبالرعاية الاجتماعية للفقراء والمسنين)، لكنه لا يكترث كثيراً بما يحدث في العالم؛ من حيث أي أيديولوجيات أو أنظمة حكم يجري تبنيها. وهو بهذا واقعي بامتياز. إلا أنه، أيضاً، يبدو ممتنعاً حتى عن تدخلٍ في قضايا يعتقد كثيرون أنّها تمس مصالح الولايات المتحدة.
يتساءل فريد كابلان، في مقال بعنوان “الواقعي” (The Realist)، في مجلة “بوليتكو”: هل حقاً يخسر أوباما من عدم التدخل؟ هل ستكون أوكرانيا خسارة استراتيجية للولايات المتحدة، مثلاً؛ هل خسرت حليفاً محتملاً؟ يبدو أنّ ما يحدث حقّاً هو أن روسيا وفلاديمير بوتين دخلا صراعاً يستنزفهما (وطبعاً يستنزف الأوكرانيين). ونضيف لسؤال كابلان: هل خسر أوباما من عدم التدخل في سورية بقوة كبيرة؟ لقد كان واضحاً أنّه لن يكرر خطأ إسقاط نظام بشار الأسد (كما حدث مع إسقاط نظام صدام حسين). ولو سقط نظام الأسد وجاء “داعش” و“القاعدة” و“النصرة”، أو أي اسم آخر، لاتُهم بأنّه السبب في نشوء هذه الظاهرة. وهو الآن عمليّاً يجد خصمين له يتقاتلان (النظام و“القاعدة” بأسمائها وفروعها)، ولكنه اضطر للتدخل الآن مع تحول “داعش” إلى قوة تهدد “ستاتيكو” المنطقة. ولعل تركيز الإدارة الأميركية الآن على وجود مجموعة في سورية تسمى “خراسان”؛ متخصصة في التخطيط للهجمات على الغرب (هناك تقارير أنّ الهجمات الأميركية تتركز فعلا على هذه المجموعة)، يخدم في جزء منه التفرقة بين سياسة بوش وأوباما. فالأول، تبنى فكرة الحرب الوقائية التي تستبق أي خطر متوسط أو بعيد المدى. أمّا الثاني، فهو لا يمكن أن يتخلى عن مبدأ الحرب الاستباقية التي تتحدث عن خطر وشيك يلوح في الأفق، وبهذا يبرر تدخله الراهن. وبالتالي، يجب أن لا يتوقع أحد أنّ منع الجرائم الإنسانية سيكون هدف العمليات الأميركية، بقدر ما هي حسابات التحالفات السياسية، والتكتيكات العسكرية.
يعتقد كثيرون أنّ بوش الابن بالغ في تقدير الأخطار، وقد ضلله بعض مساعديه، من أمثال ديك تشيني ودونالد رامسفيلد، الذين أرادوا القيام بحروب في العراق. بينما يقلل أوباما من الأخطار، مُقتنعاً أنّ الولايات المتحدة قوية محصنة. وستحكم الأحداث على مدى صوابية تقييم أوباما لدرجة الأخطار.
أراد بوش أن يغير العالم، وأن يعزز موقع الولايات المتحدة في الصدارة. أمّا أوباما، فغير مهتم سوى بالحفاظ على صدارة الولايات المتحدة في العالم؛ يحاول تعزيز بعض القوى والأفكار التي تخدم وجهة النظر الأميركية، لكنه لن يخوض حروبا لأجل فكرة أو “أمركة”، كما يرفض أن يدخل حربا وحيدا، تدفع فيها بلاده ثمنا بشريّا وعسكريا وماليا. هو يريد حلفاء، ويريد أن يخوض حروبا من دون بشر؛ من غرفة القيادة حيث طائرات من دون طيار، وطيارون في الجو، وصواريخ، وحيث غير الأميركيين يشاركون في الثمن المادي، ويدفعون الثمن البشري. هو رئيس يميل للمحافظة على المكاسب أكثر من زيادتها (كما فعل سلفه بوش مدفوعاً ببعض مساعديه)، وهو رئيس لا يعتقد أنّ مهمته تغيير العالم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 66 / 2166019

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع احمد جميل عزم   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

28 من الزوار الآن

2166019 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 28


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010