الخميس 16 تشرين الأول (أكتوبر) 2014

رهانات أردوغان الخاسرة مع “داعش”

الخميس 16 تشرين الأول (أكتوبر) 2014 par د. محمد السعيد ادريس

فإنه يعرف أيضاً ما يريد، بل إنه يعرف أكثر دوافعه لتأخير أي نية للتدخل، ودوافعه لما قد يعتبره البعض “تلكؤاً” وهو في الواقع موقف مدروس جيداً . وقبل هذا كله كان أردوغان يعرف ما يريده من “داعش” عندما ألقت القبض على عدد من الأتراك كانوا في القنصلية التركية في الموصل كانت كل مواقفه مدروسة ومحسوبة جيداً نحو “داعش” وما زالت .
فصمت أردوغان على اختطاف “داعش” للرهائن الأتراك من مقر قنصليتهم في الموصل كانت وراءه حسابات دقيقة من جانب أنقرة، بدليل كل هذا الاحتفاء التركي بعملية إطلاق سراحهم، والحرص على نفي وجود أي “فدية” قدمتها . افتخار الرئيس السابق عبدالله غول بعملية الإفراج، ومن بعده الرئيس الحالي أردوغان يؤكد أن خيوطاً ما ومصالح ما تربط بين تركيا و“داعش”، هي التي منعت تركيا من أن تكون طرفاً مؤسساً للتحالف ضد “داعش” وجعلتها حريصة على أن تنأى بنفسها عن القتال في صفوف الحلفاء ضد إرهاب هؤلاء التكفيريين، وهي التي فرضت على تركيا ضبط النفس إزاء اختطاف “داعش” للرهائن الأتراك، لكن الأهم هو أن هذه المصالح هي التي تفرض على تركيا أن تتظاهر بالتردد كي تحافظ على موقفها الراهن من مخطط “داعش” للسيطرة على منطقة عين العرب (كوباني) الحدودية مع سوريا .
وعندما أراد أردوغان أن يتنصل من مطالب التحالف وخاصة مطالب الإدارة الأمريكية بالتدخل عسكرياً لحماية “عين العرب” من السقوط، ربط الاستجابة لهذا الأمر بمطالب تبدو مستحيلة وبالذات إقامة حظر جوي و“منطقة عازلة” شمال سوريا، وأن يكون من أساسيات دور التحالف إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، وإعادة مليون ونصف المليون لاجئ سوري مقيمين الآن على الأراضي التركية إلى بلادهم .
كانت هذه المطالب الثلاثة أبرز عناوين خطاب أردوغان أمام البرلمان التركي الذي انعقد ليقول كلمته في طلب الحكومة على مشروع قرار يجيز للجيش التركي أن يتدخل في الحرب الدائرة في سوريا ويسمح لتركيا الانضمام إلى التحالف الدولي، وكان أردوغان يدرك أن قرار الحكومة بالانضمام للتحالف في الحرب ضد “داعش” سيلقي أغلبية كاسحة في ظل ربطه بالشروط الثلاثة، لكنه كان يعرف أن هذه الشروط تعني بالنسبة للتحالف وبالذات للأمريكيين وللأطراف العربية الرفض، ويبدو أن هذا هو ما يريده ويخطط له أردوغان .
هو يريد أن يحتمي بإرادة شعبية، ويريد أن يقول إن قرار تركيا بالمشاركة في الحرب ضد “داعش” قرار مشروط، بالمطالب الثلاثة، وهو يعرف أن الواقع الدولي والإقليمي لا يسمع، فروسيا ومعها الصين سوف ترفضان أي قرار بالحرب ضد نظام الرئيس السوري بقرار لا يصدر إلا عن مجلس الأمن الدولي، وأنهما سوف تستخدمان حق (الفيتو) إذا قدم مشروع قرار إلى المجلس بهذا الخصوص، أما منطقة الحظر الجوي فالكل يعرف أهدافها الحقيقية . الكل يعرف أطماع تركيا في شمال سوريا وبالذات في المنطقة الواقعة من حلب إلى الحدود السورية مع تركيا، هذه المنطقة معروفة تاريخياً بأنها منطقة أطماع لتركيا . هذه الأطماع اتسعت الآن في ظل المسعى التركي بأن يكون ميناء “جيهان” معبراً للنفط والغاز القادم من وسط آسيا وخاصة من بحر قزوين ومن العراق إلى أوروبا عبر حلب السورية ومنها إلى ميناء “جيهان” . لكن الكل يعرف أيضاً أن تركيا تريد أن تتدخل عسكرياً تحت مظلة المنطقة العازلة لمنع قيام دولة كردية في شمال سوريا . والكل يعرف أيضاً أن دخول تركيا إلى سوريا معناه فرض تركيا كقوة إقليمية شرق أوسطية كبرى، وهذا ما ترفضه بالمطلق إيران والسعودية ومصر .
ولأن أردوغان يعرف أن الكل يعرفون ذلك وأنهم سوف يرفضون مطالبه فإنه أصرّ على هذه المطالب لأن ما يريده هو الرفض كي يبرر قراره بعدم المشاركة أو بعدم التدخل لإنقاذ “عين العرب” من السقوط في أيدي “داعش” للقضاء نهائياً على أي فرصة لأكراد سوريا لإقامة منطقة حكم ذاتي تكون في المستقبل حافزاً ودافعاً لأكراد تركيا لتصعيد مطالبهم بحق تقرير المصير وإقامة الدولة الكردية، أو تكون ملاذاً آمناً لحزب العمال الكردستاني التركي المعارض بزعامة عبدالله أوجلان، يشجعه على رفع سقف مطالبه، أو عندما يعود للقتال ضد تركيا انطلاقاً من المنطقة الكردية السورية .
معنى ذلك أن أردوغان كان يخطط ويدبر لموقف يجعله الفائز الأول من تشكيل التحالف سواء في حالة القبول بشروطه أو في حالة رفضها . فهو فائز في حالة الموافقة بتحقيق كل ما كان وما زال يحلم به، وبالذات إسقاط نظام بشار الأسد وأن يكون صاحب الكلمة العليا في سوريا، وأن يؤسس لحوار تركي مع “إسرائيل” يجعل من تركيا وليس إيران القادرة على إدارة مستقبل الصراع العربي - “الإسرائيلي” . وفي حالة الرفض يدرك أن الفرصة ستكون متاحة ل“داعش” لتدمير حلم أكراد تركيا في تأسيس منطقة حكم ذاتي في شمال سوريا، كما أنه يخطط لأن يكون الحليف الأول ل“داعش” في العراق وسوريا وأن يكون المستفيد الأوحد من تصدير نفط الحقول العراقية والسورية الواقعة تحت سيطرة “داعش” .
أردوغان يعي أن “عين العرب” هي المدخل إلى إعادة إحياء وتجديد “الحلم العثماني التركي” الذي يريده، ولكن في المقابل كان الحلفاء يدركون هذا كله أيضاً، ولذلك حرص الأمريكيون على عدم الاستجابة لأي من مطالب أردوغان والتهوين من محورية أو مركزية “عين العرب” وسقوطها في أيدي “داعش” ضمن مسار لحرب على هذا التنظيم على نحو ما جاء على لسان المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية الذي قال إن “كوباني” قد تسقط بيد “داعش”، ومن السابق لأوانه اعتبار ذلك خسارة استراتيجية، وعلينا أن نكون مستعدين لسقوط مناطق أخرى بيد “داعش” .
لم يختلف الموقف البريطاني كثيراً عن الموقف الأمريكي، أما الموقف الإيراني فكان الأوضح حيث أعلنت المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية مرضية أفخم “استعداد إيران لتقديم الدعم اللازم بشأن كوباني المحاصرة لو طلبت الحكومة السورية ذلك” موضحة أن “المعيار لإيران في هذا الشأن هو تلقي طلب رسمي من الحكومة السورية”، المعنى واضح فإيران تقول أولاً إنها موجودة ولن تترك لتركيا أن تكون صاحبة قرار، وثانياً أن صاحب القرار الأول بشأن أي تدخل هو الحكومة السورية .
(انكشف سحر أردوغان وعاد ليواجه، كعادته، الفشل برهاناته الخاسرة) .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 28 / 2178367

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع محمد السعيد ادريس   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

2178367 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 22


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40