الأربعاء 15 تشرين الأول (أكتوبر) 2014

تركيا و«داعش» ورقصة الغاز الطبيعي

الأربعاء 15 تشرين الأول (أكتوبر) 2014 par د. إبراهيم علوش

ليس أبو عمر الشيشاني القائد العسكري العام لـ«داعش» وللهجوم «الداعشي» على عين العرب، في الواقع، شيشانياً، إلاّ من جهة الأم، أما من جهة الأب، فإنه: 1 – جورجيّ، 2 – مسيحيّ أرثوذكسيّ، واسمه الحقيقي طرخان باتريشفيلي. كما أنه كان، بصفته الجورجية تحديداً، رقيباً في الجيش الجورجي في وحدة استخبارية، وشارك في الحرب الروسية-الجورجية في صيف عام 2008 كجاسوس مكلّف باستطلاع مواقع طوابير الدبابات الروسية وإرسال إحداثياتها لوحدات المدفعية الجورجية، بحسب مقابلة مع صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية في 19 تشرين الثاني 2013 تناولت سيرة وشخصية السيد طرخان باتريشفيلي بعدما لمع نجمه في قيادة الهجوم على مطار منغ العسكري في حلب قبلها بأشهر.

الإسلام، طبعاً، يجب ما قبله، واعتناق أي دين خيار شخصي في النهاية، مع أنه ليس واضحاً متى وكيف تحوّل السيد طرخان باتريشفيلي للإسلام. كذلك يجب أن نحترم رغبة المرء في تغيير اسمه كما يشاء لو تساءلنا مثلاً لماذا لم يتبنّ باتريشفيلي لقب «أبو عمر الجورجي»، بما أنه ولد في جورجيا من أبٍ جورجي! أما المشاركة بصفة استخبارية في حرب ضد روسيا، فيما كان ديفيد خزرشفيلي، وزير الدفاع الجورجي آنذاك، يحمل الجنسية «الإسرائيلية»، وفيما كان الكيان الصهيوني يقف بقوة مع جورجيا ضد روسيا، فمسألة مختلفة تماماً لا بد من التوقف عندها، خاصة أن السيد طرخان باتريشفيلي ما برح يفاخر بدوره في تلك الحرب كما تنقل عنه بعض المواقع التكفيرية.

الأغرب هي اللحظة التي تحوّل فيها باتريشفيلي إلى تكفيري في السجن بعد الحكم عليه بثلاث سنوات في بلده جورجيا بتهمة شراء السلاح وتخزينه، ليطلق سراحه بصورة غير مفهومة بعد ستة عشر شهراً فقط في بداية عام 2012، وليتجه إلى مصر ردحاً من الزمن، حيث التقى شخصيات إسلاموية وخليجية وتركية مختلفة أقنعته بالتوجه إلى سورية بدلاً من القوقاز لقتال الروس كما كان يأمل، بعدما تم إقناعه بأنّ حزب البعث في سورية حليفٌ لروسيا و«كافر» مثلها وقتاله مثل قتالها، لتنتهي به الحال في سورية في آذار 2012 على رأس «لواء المهاجرين» المكوّن من عناصر أجنبية. هنا يصبح السؤال أيضاً: كيف أصبح الرقيب فجأةً قائد لواء، أو حتى قائد كتيبة؟! وكيف تأهل لمثل هذا الدور وهو قابعٌ في السجن؟!

العبرة هي أن السيد طرخان باتريشفيلي الجورجي، وغيره من عشرات آلاف العناصر الإرهابية التكفيرية الأجنبية، لم تهبط على سورية من السماء إنما تم استقطابها عبر شبكة إسلاموية-خليجية، كما تم تأطيرها وإمرارها إلى سورية والعراق في تركيا وعبرها على مدى سنوات، وها هم الآن على أبواب عين العرب وبلدات الأنبار والحسكة وريف حلب، وعلى أبواب بغداد وغيرها. وإذا كانت سيرة باتريشفيلي تكشف عمق الصلة بين الحرب على روسيا في جورجيا والحرب على سورية، فإن أحد أبعاد تلك الصلة هو تركيا العدو التقليدي لروسيا، والمستعمر التاريخي للعرب عامة وللهلال الخصيب خاصة، على مدى قرون.

إذا كانت استعادة روسيا لشبه جزيرة القرم تهدد النفوذ التركي في محيط البحر الأسود بشكلٍ مباشر من الشمال، فإن استعادة روسيا لأبخازيا المطلة على البحر الأسود من جورجيا عام 2008 طوّقت النفوذ التركي من الشرق. والمسألة لا تتصل بالأوزان النسبية للدول في الحقل الجغرافي-السياسي فحسب، بل بخط أنبوب الغاز «نابوكو» الذي كان يفترض أن يبدأ من بحر قزوين عبر جورجيا، وفي خط آخر من العراق، ليتصل الخطان في تركيا ثم للنمسا عبر خط غازي يقارب طوله أربعة آلاف كيلومتر، أغلبها في تركيا، في محاولة لتحرير أوروبا الغربية من الاعتماد على الغاز الروسي، وبالتالي محاولة تحجيم روسيا سياسياً واقتصادياً. فمحور المعركة يبقى: من سيسيطر على المناطق التي تقع فيها منابع ومسارات خط «نابوكو» الغازي الذي يمثل مشروعاً استراتيجياً يمس توازنات القوى الدولية؟ وأي الخطين الغازيين سيفرض نفسه، خط «نابوكو» برعاية تركية أم خط «المسار الجنوبي» الروسي المنافس الذي يفترض أن ينقل الغاز الروسي عبر البحر الأسود وبعض بلدان أوروبا الشرقية إلى النمسا؟

الصراع الدولي والإقليمي على أشدّه، وتركيا وروسيا قطبا نقيضٍ فيه، وخط «المسار الجنوبي» الروسي الذي بدأ تشييده في نهاية عام 2012 كان مجبراً على المرور في المياه التركية في البحر الأسود إذ كانت أوكرانيا تعوق مروره عبر مياهها. أما بعد سيطرة روسيا على القرم، فإن ذلك لم يعد مشكلة، أي أن السيطرة على القرم لا تهمش تركيا غازياً فحسب، بل تفتح خطاً أقصر لـ«المسار الجنوبي»، ما يفسر ضرورة إشعال معركة أوكرانيا بالنسبة إلى الغرب، ولماذا يعض بوتين على القرم بالنواجذ فيما يطالب بحكم ذاتي فقط للمناطق الروسية في أوكرانيا.

تركيا التي ترفض السماح للأكراد أن يرسلوا التعزيزات لإنقاذ عين العرب من الحملة «الداعشية» التي يقودها طرخان باتريشفيلي الجورجي لا تكتفي بذلك، بل تستمر بالمتاجرة وشراء النفط من «داعش»، فحزب العمال الكردستاني أو الاتحاد الديموقراطي الكردي التابع له قوة غير مضمونة أيديولوجياً بسبب توجهها اليساري، وغير مضمونة سياسياً بسبب اعتبارها أقرب مما يجب إلى الدولة السورية. والمطلوب هو إما أن يطالب الأكراد السوريون بالحكم التركي أو أن تفرش «داعش» بحراً من دمائهم فوق مناطقهم حتى يصبح «إنقاذهم» من قبل تركيا «مطلباً دولياً».

من الواضح أن «داعش» وأخواتها كانت حتى اللحظة أداة للسياسة الخارجية التركية، ومنه وعد السيد طرخان باتريشفيلي الجورجي بالعودة مع زملائه لـ«الجهاد» ضد روسيا إذا بقوا أحياء، كما يظهر أحد فيديواتهم على موقع «يوتيوب». وإذا كانت الأحزاب الانفصالية الكردية المستفيد الأول من تفكك الدولة العراقية، فإن لتركيا حسبة مختلفة مع حزب العمال الكردستاني يفرضها تأمين خط «نابوكو».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2165426

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع ابراهيم علوش   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165426 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010