السبت 11 تشرين الأول (أكتوبر) 2014

اتفاق ضد العرب وخلاف حول الكرد

السبت 11 تشرين الأول (أكتوبر) 2014 par د. عصام نعمان

من مفارقات الحرب على “داعش” اتفاق الولايات المتحدة وتركيا ضد عرب سوريا والعراق وخلافهما حول الأكراد في كل منهما . هما متفقتان ضد حكومتي دمشق وبغداد المتعاطفتين مع إيران ومختلفتان حول الموقف من الكرد في الدولتين العربيتين الذين يريدون توطيد حكمهم الذاتي فيهما مدخلاً إلى إقامة دولة مستقلة ينضم إليها لاحقاً أكراد تركيا وإيران .
الخلاف بين واشنطن وأنقرة انفجر، بعدما قام “داعش” بمهاجمة مدينة عين العرب (كوباني) السورية التي تبعد أقل من كيلومتر واحد عن الحدود التركية . وإذ تبدو المدينة ذات الأغلبية الكردية مهددة بالسقوط، فقد رفضت أنقرة السماح لأكراد تركيا والعراق بالدخول إليها لتعزيز دفاعاتها، كما رفضت تزويد مقاتليها بالسلاح والعتاد اللازمين لجسر فجوة عدم التكافؤ مع مقاتلي “داعش” الأوفر والاثقل تسليحاً .
واشنطن أدركت أن غاراتها الجوية ضد “داعش” لم تؤثر في قدراته القتالية . حاولت إقناع أنقرة بدعم مقاتلي المدينة المستميتين في الدفاع عنها، لكن حكومتها لم تستجب . تبيّن أنها تطلب ثمناً لتدخلها، ليس أقل من منطقة عازلة في شمال سوريا تعلوها منطقة حظر جوي .
إذا كانت عيون السوريين والأكراد مركّزة اليوم على “عين العرب”، فإن عين رجب طيب أردوغان مركّزة على سوريا، ولاسيما على أكرادها في شمالها الشرقي المتعاطفين مع أكراد ديار بكر في جنوب شرقي تركيا . أردوغان لم يخفِ يوماً عداءه لبشار الأسد ورغبته في إزاحته . السبب لأن الرئيس التركي “إخواني” متعاطف مع الإخوان المسلمين السوريين، أنصاره المفترضين في تحقيق حلمه العثماني، ولأن أكراد سوريا يناصرون النظام في وجه المعارضة السورية المسلحة التي فتح لها أردوغان حدود بلاده لدعمها بالرجال والسلاح والعتاد .
مع صعود تنظيم “داعش” وإعلانه “دولة الخلافة الإسلامية” بين نهري دجلة والفرات، وقيام الولايات المتحدة بحشد حلفائها في “تحالف دولي” لمواجهة “الإرهاب”، أدرك أردوغان أن واشنطن جادة في إعادة رسم الخريطة السياسية للمشرق العربي، وأن الفرصة مؤاتية ليشارك فيها بغية إنهاء المشكلة الكردية في بلاده على حساب سوريا والعراق .
“داعش” لم يعبأ بإجازة البرلمان التركي دخول جيش أردوغان إلى سوريا، ربما لأنه متأكد من أنه لن يتدخل ضده . لو كان يخشى فعلاً من تدخل تركيا ضده لما هاجم “عين العرب” . حتى لو تدخّل الجيش التركي فإن ذلك سيكون بالتنسيق معه . لماذا؟ لأن لتركيا كما ل“داعش” عدواً مشتركاً هو “وحدات حماية الشعب الكردي”، حليفة النظام السوري في مقاومة المعارضة المسلحة بمعتدليها ومتطرفيها، أو ربما من أجل تبرير إقامة المنطقة العازلة التي يريدها .
ثمة تواطؤ، على ما يبدو، بين أنقرة و“داعش” . تواطؤهما يشمل الولايات المتحدة أيضاً . ذلك أن غاراتها الجوية على قوات “داعش” التي تهاجم “عين العرب” غير مؤثرة البتة . ناطق باسم أكراد المدينة المدافعين عنها وصفها بأنها “غارات استعراضية” . من الواضح أن واشنطن ليست ضد أنقرة في تعاطيها السلبي، وأحياناً الوحشي، مع أكراد تركيا . هي فقط ضد المسّ بأكراد كردستان العراق، حيث لها استثمارات ومصالح كبرى .
استهداف سوريا يبدأ بمحاولة اقتطاع منطقة عازلة في شمالها الشرقي بغية ضرب أكرادها، ومنعهم من إقامة حكم ذاتي في محافظة الحسكة، مخافة أن تنتقل عداوه إلى منطقة ديار بكر التركية المجاورة . خطوة خطرة كهذه غير مأمونة العواقب، لأن سوريا ستعتبرها عدواناً ومسّاً بسيادتها، وقد تردّ بعنف، ولأن إيران ستعتبرها عدواناً أيضاً، وقد تردّ في العراق أو على الحدود الشرقية مع تركيا، ولأن روسيا سترفضها بالتأكيد، وقد تبادر إلى الإعلان عن تزويد سوريا أسلحةً متطورة للدفاع الجوي من طراز “300-S” قادرة على إسقاط أكثر الطائرات تطوراً التي تملكها تركيا و“إسرائيل” .
إلى ذلك، سيُضطر أكراد العراق، إزاء انفجار الأزمة الكردية مجدداً داخل تركيا، إلى دعم إخوتهم الأكراد في تركيا وسوريا . موقفهم المنتظر هذا يقرّبهم من عرب العراق، ما يؤدي إلى ابتعاد حكومة بغداد عن الولايات المتحدة والتقرّب من روسيا .
أكثر من ذلك، أن تدخل أردوغان “الإخواني” في سوريا سيستفز مصر المعادية للإخوان المسلمين، وقد تجرّ معها دولاً أخرى إلى مواقف سلبية من تركيا .
في اختصار، الولايات المتحدة ستكون محرجة بالتأكيد إذا ما ركب أردوغان رأسه وقام بتحركات مؤذية لسوريا مباشرةً ولإيران وروسيا مداورةً . لذلك ستحسب واشنطن خطواتها بدقة متناهية، لأن من شأن أي “دعسة ناقصة” أن تؤجج حرباً باردة قابلة للتسخين مع روسيا وإيران، وقد تؤدي لاحقاً إلى خروج مصر من مدار واشنطن ناهيك عن خروج العراق أيضاً .
لتفادي الإحراج كما المضاعفات السياسية غير المريحة، قد تجد واشنطن من مصلحتها أن اجتياح “داعش” لعين العرب يبقى أقل تكلفة وإحراجاً لها مع الآخرين من حلفاء واعداء إقليميين، وذلك بانتظار ترتيبات لاحقة، سياسية وعسكرية، آملة أن يجري في إطارها إعادة توزيع الحصص الجيوسياسية على المتضررين من الحلفاء بعد الفراغ من احتواء “داعش” .
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 37 / 2165388

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع عصام نعمان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165388 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010