الأربعاء 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2014

هل تنتهي‮ ‬مبررات الدولة العربية الوطنية؟

الأربعاء 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2014 par صالح عوض

لم‮ ‬يشهد تاريخنا العربي‮ ‬مثل ما نعيش الآن من قيام بعض مكونات مجتمعاتنا بالهرولة نحو المستعمرين،‮ ‬يحمل كل على كتفه اشلاء من الدولة الوطنية الممزقة ملونة بالطائفية او الجهوية او القومية‮.. ‬يستدعون الأجنبي‮ ‬يقسم بلدانهم بمشرط الرغبات الغريزية الاستعمارية التي‮ ‬لن تبقي‮ ‬أملا في‮ ‬استعادة وحدتهم مرة اخرى‮.‬

تلك ايام قد خلت كانت اقرب إلى الحلم من استشراف المستقبل ورؤية الواقع عندما كنا نناضل ضد الدولة القطرية وثقافتها وندعو لنشيد عربي‮ ‬واحد وجيش عربي‮ ‬واحد واقتصاد واحد وعملة واحدة وراية واحدة وأمة واحدة برسالة خالدة،‮ ‬ونرى في‮ ‬اتفاقية سايكس بيكو شيطانا مقيتا‮.. ‬يبدو اننا كنا كمن بطر النعمة فحلت به نقمة سايكس بيكو الجديدة لتفتيت القطر إلى قوميات وطوائف وجهويات كما حصل في‮ ‬الصومال والسودان وليبيا والعراق وسوريا واليمن‮.. ‬وكما هو مرشح لبعض بلاد العرب‮.‬

انه من الإنصاف الاقتراب من الدولة الوطنية لتسجيل بعض النقاط المهمة التي‮ ‬حققتها الدولة القطرية،‮ ‬اول تلك النقاط مبدأ المواطنة وانتفاء التسلط الطائفي‮ ‬والقومي‮ ‬والجهوي‮.. ‬لم تسر الأمور كما كان‮ ‬ينبغي‮ ‬وكما هو مسطر في‮ ‬الدستور والمواثيق،‮ ‬ولكن إلى حد بعيد،‮ ‬عاش الكل الوطني‮ ‬شركاء في‮ ‬المؤسسات والمجتمع والدولة،‮ ‬مقدمين نموذجا‮ ‬يمكن تطويره والبناء عليه في‮ ‬بناء كيان سياسي‮ ‬شامل للأمة بمختلف مشاربها‮.‬

لقد جاءت الدولة الوطنية كنتيجة لكفاح حركات التحرر الوطني‮ ‬العربية وللثورات والانقلابات العسكرية في‮ ‬الوطن العربي‮ ‬وكان مطلوبا منها انجاز واقع كبير من شأنه حماية البلاد ورفاه العباد وسارت بالفعل في‮ ‬هذه الطريق فبنت المستشفيات والجامعات وعبدت الطرق وأوصلت المياه والكهرباء إلى اقاصي‮ ‬المناطق واهتمت بتوفير الحاجيات للمواطنين وبنت جيوشا‮ ‬يعتد بها في‮ ‬فترة قياسية‮.. ‬ولكن لم‮ ‬يترك الأمر لها لتكمل مهمتها فتعرضوا لها على الصعيد الإقليمي‮ ‬بأن حرضوا عليها اطرافا في‮ ‬الإقليم وفتحوا لها صراعات اقليمية كما‮ ‬غذوا قوى محلية تحت عناوين عديدة لإرباك البلد وصناعة مشكلات لا حل لها وروجوا لنقاط الخلاف وابرزوا كثيرا التناقضات وحدود الإثنيات في‮ ‬البلد وهذا‮ ‬يندرج في‮ ‬باب تهيئة الظروف الداخلية لتتوافق مع الظروف الإقليمية وفي‮ ‬لحظة نضج الظروف توجه القوى العظمى ضربتها من خلال حصار وحرب اعلامية وسياسية لإسقاط كيان الدولة الوطنية وترك الفرصة لكل المصابين بِسُعار التفسخ والتسلط والتحكم من اطراف الإقليم او ممن هم‮ ‬يسكنون البلد‮.‬

اخطأت الدولة القطرية عندما ظنت انها تستطيع الصمود بمفردها في‮ ‬مواجهة التحديات العديدة التي‮ ‬لم تتوقف وانه بإمكانها الاستغناء عن التعاون مع سواها من الدول التي‮ ‬يجمعها بها الهم ووحدة الدين ووحدة الهدف والمصير‮.. ‬فبدل ان تكون الدولة القطرية مرحلة لكي‮ ‬يتعافى المجتمع ويتحصن ومن ثم الانطلاق إلى الخطوات العملية نحو بناء اقتصادي‮ ‬سياسي‮ ‬عربي‮ ‬مشترك معزز بدفاع عربي‮ ‬مشترك‮.. ‬بدل ذلك امعنت الدولة القطرية في‮ ‬الانعزال وقطع الصلات الرسمية عن المحيط العربي‮ ‬الاسلامي‮ ‬وتوجه كثير من بلداننا إلى تعزيز العلاقات السياسية والأمنية مع دول اوروبا والولايات المتحدة الامريكية،‮ ‬حيث لم‮ ‬يتجرعوا من هذه العلافات الا الخيبة وراء الخيبة‮.. ‬لقد كانت الادارات الغربية تمعن في‮ ‬تضليلهم وربط قراراتهم السياسية بقانون التبعية الاقتصادية المفروضة عليهم‮.. ‬واصبحت الفترة الانتقالية هي‮ ‬المكرس عمليا ورسميا وتلاشت الدعوات إلى توحيد الجهود وفتح الحدود وبناء الكيان العربي‮ ‬السيد‮.‬

وفي‮ ‬ظل تمترس الثقافة القطرية ومؤسساتها ضاعت منا بلدان واهدرت ثروات ونهبت شعوب‮.. ‬واستطاع دهاقنة الساسة الغربيين ان‮ ‬يلعبوا على تناقضات دولنا الوهمية ويخترقوها‮ ‬يُغروا بعضها ببعضها ويبيعوا الأسلحة لهذا وذاك فيوفروا فرص عمل في‮ ‬مصانعهم ويعمقوا التناقضات بين ابناء الأمة الواحدة‮.‬

اننا لا نتكلم اليوم عن احتمالات وتخوفات،‮ ‬بل نحن نعيش تقسيم السودان والصومال وليبيا والعراق وتونس واليمن وسوريا والحبل على الغارب‮.. ‬ويجد هذا التقسيم كل ما‮ ‬يشجعه اعلاميا ومعنويا وماديا من قبل الإدارا ت الغربية‮.‬

اجل ان الدولة القطرية ادت مهماتها بالنسبة للغربيين،‮ ‬حيث حالت دون قيام دولة الوحدة الذي‮ ‬تضم اليها العرب جميعا واستطاعت ان ترسم العلاقات مع الغرب وان تنشر ثقافة وسياسة انفصالية وتؤسس لتبعية اقتصادية‮.. ‬واستطاعت الدولة القطرية ان تبعد العرب عن قضية العرب الجوهرية قضية فلسطين وتمكن العدو الصهيوني‮ ‬من فرض سلطانه على معظم فلسطين والمسجد الأقصى‮.. ‬بعد هذا الواقع الذي‮ ‬يدركه الغربيون الاستعماريون‮ ‬يتقدمون على المسرح لتحقيق اهداف استراتيجية كبرى تكون حاسمة وهي‮ ‬تفتيت الدولة العربية الوطنية وتوزيعها إلى مكوناتها الإثنية‮.‬

ولكن الدولة العربية الوطنية بالنسبة لنا هي‮ ‬خندق الصمود الأخير في‮ ‬هذه الحقبة التاريخية،‮ ‬اذ ليس بعدها كما نرى وندرك الا الإمارت المتصارعة المتنازعة وضياع الأمة وتشتتها وتهيئة المناخ لدخول العدو من بين الصفوف‮ ‬يقتل ويقصف وينهب البترول والغاز والامكانيات‮.. ‬فالدولة العربية بمؤسساتها وجيشها وأمنها هي‮ ‬الحد الأدنى الذي‮ ‬ينبغي‮ ‬عدم التنازل عنه‮.‬

الدولة العربية القطرية اخطأت في‮ ‬اشياء عديدة ولعل كثير من اخطائها لم‮ ‬يكن متعمدا ولكنها بلا شك انجزت انجازات مهمة كبيرة‮.. ‬صحيح انها لم تلتفت إلى فلسطين،‮ ‬لأن طبيعة الدولة القطرية هو هكذا انعزالي‮.. ‬ولكنها حمت المجتمعات وتصدت للفرقة الجاهلية المذهبية والقومية والجهوية وحمت الناس من التسيب والمجاعة والمرض كما هو حاصل في‮ ‬افريقيا وآسيا‮..‬

ان الدفاع عن الدولة العربية الوطنية الآن‮ - ‬فيما تقصدها الادارات الاستعمارية بالعدوان‮ - ‬انما هو تتويج الوعي‮ ‬والإحساس بالمسئولية نحو الشعوب ومستقبلها ومن هذه الزاوية‮ ‬يمكن النظر إلى كل المحاولات التي‮ ‬تقوم بها بعض الفصائل المسلحة والمجموعات السياسية المعارضة عندما تفقد الرؤية ولا تكتشف مخططات العدو ومصالحه الاستراتيجية وبناء على ذلك تفقد المعيار الذي‮ ‬بموجبه تعرف صديقها من عدوها‮.‬

انهم‮ ‬يريدونها فوضى تبعثر الموجود وتنشئ كيانات عنصرية لتتكرس اسرائيل ويضيع النفط وتتسيد الحضارة الغربية سيما الامريكية على العالمين‮.. ‬ولكنها معركة إرادات لن‮ ‬يقبل الثوار والأحرار في‮ ‬الأمة ان تمر كما‮ ‬يريد الأشرار والمرتزقة وكما عودتنا الأمة فإنها لا تدخل حربا إلا وتحقق الانتصار كما وعد الله سبحانه‮.. ‬تولانا الله برحمته‮.‬



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2178243

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع صالح عوض   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2178243 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40