الأحد 5 تشرين الأول (أكتوبر) 2014

فلسطين: خطاب مهم . . لكن

الأحد 5 تشرين الأول (أكتوبر) 2014 par علي جرادات

يُظهر خطاب الرئيس الفلسطيني الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة نفاد صبر وفقدان ثقة برعاية الولايات المتحدة لمفاوضات منظمة التحرير وحكومات الاحتلال . ففي إشارة إلى عقم مواصلة التفاوض الثنائي برعاية أمريكية، أعلن الرئيس الفلسطيني رفضَ العودة إلى المفاوضات كما كانت تجري في السابق، وطالب بوضع جدول زمني لإنهاء الاحتلال من خلال هيئة الأمم، بدءاً بمطالبة مجلس الأمن بإصدار قرار يعترف بحدود الدولة الفلسطينية التي اعترفت بعضويتها الجمعية العامة، ووصف حرب الاحتلال الأخيرة على قطاع غزة بالإبادة الجماعية، وحذر من أن مرتكبي هذه الجريمة لن يفلتوا من العقاب، ما يعني التلويح بتفعيل حق دولة فلسطين في الانضمام إلى جميع وكالات ومواثيق ومؤسسات هيئة الأمم المتحدة، بما فيها محكمة الجنايات الدولية . هنا خطاب مهم يعكس قلقاً من مخاطر استمرار إدارة الصراع بمقاربة التفاوض الثنائي التي أوصلها قادة الاحتلال برعاية أمريكية إلى طريق مسدود، ويشي بمقاربة جديدة متدرجة الخطوات تحمل رسائل في منتهى الأهمية .
هنا، وعلى الرغم من أن مقاربة الخطاب لم تقطع كلياً مع مقاربة التفاوض الثنائي تحت الرعاية الأمريكية، إلا أن الرد “الإسرائيلي”- الأمريكي، جاء هستيرياً تحريضياً وعدائياً بامتياز . ففي حين وضع قادة العدو الخطاب في خانة “التضليل” و“التزوير” و“قلب الحقائق” و“الخطوة أحادية الجانب” و“الإرهاب السياسي” و“عدم وجود شريك فلسطيني مستعد لصنع السلام”، وصف الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض الخطاب ب“المهين” و“المخيب للآمال” و“الاستفزازي” . كل هذا من دون أن ننسى أن الموقف “الإسرائيلي” -الأمريكي العلني هو ليس سوى القليل من الضغط والتهديد والوعيد والابتزاز السري بمستوياته السياسية والاقتصادية والدبلوماسية لثني قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، ورئاستها تحديداً، عن التوجه إلى هيئة الأمم المتحدة . علاوة على ما شرعت في تنفيذه حكومة الاحتلال ميدانياً من مصادرة للأرض وبناء وحدات سكنية استيطانية جديدة واستيلاء على منازل وترحيل قسري لمجموعات سكانية فلسطينية وانتهاكات متواصلة للمسجد الأقصى بهدف تقسيمه مكانياً وزمانياً .
كل ذلك على الرغم من أن القيادة الفلسطينية حددت هدف خطتها السياسية ومطلبها من مجلس الأمن في بيان رسمي صدر عن اجتماعها مطلع الشهر الجاري بالقول: “تعبر القيادة الفلسطينية عن تمسكها بالخطة السياسية التي وردت في خطاب الرئيس وخاصة إصدار قرار عن مجلس الأمن يحدد حدود دولة فلسطين على أساس إنهاء الاحتلال عن جميع الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس مع وضع سقف زمني، (لم تحدده)، لإنجاز انسحاب الاحتلال وفرض السيادة الفلسطينية على التراب الوطني لدولة فلسطين . . . وتؤكد القيادة الفلسطينية ضرورة الاستجابة الدولية لهذا المطلب الفلسطيني المشروع الذي يستهدف تحريك العملية السياسية بشكل جاد وكسر الحلقة المفرغة التي شهدتها تلك العملية في المرحلة الماضية وصولاً إلى مفاوضات تنهي قضايا الوضع النهائي، ما يشكل مقدمة لإنهاء الصراع والوصول إلى اتفاق سلام شامل” .
عليه، ما دامت القيادة الفلسطينية لم تحدد- عن عمد-الجدول الزمني لمطلبها في إنهاء الاحتلال، ما يعني ترك الأمر لمجلس الأمن، وما دامت لم تأت على ذكر التنصل من التزاماتها بما فيها “التنسيق الأمني”، وما دام بناء عملية سياسية جادة “وصولاً إلى مفاوضات تنهي قضايا الوضع النهائي” هو الغاية النهائية لخطتها السياسية، مع ما يعنيه ذلك من استمرار الرهان على احتمال قبول الإدارة الأمريكية بخطوة التوجه لمجلس الأمن، إذاً لماذا، وما سر، كل هذه الهستيريا السياسية “الإسرائيلية”-الأمريكية؟
يعلم قادة العدو، ومعهم أركان الإدارة الأمريكية، أنهم ليسوا على استعداد لتقبل مجرد التفكير الفلسطيني في تحرير ملف القضية الفلسطينية من قبضتهم، ذلك أن أي شكل من أشكال إعادة هذا الملف إلى هيئة الأمم المتحدة يعني مساساً بتعاقد اتفاق أوسلو السياسي، وتصويباً للخلل البنيوي الذي بُنيَ عليه، أعني الاحتكار الأمريكي لرعاية تفاوض ثنائي حول جوهر الصراع العربي - الصهيوني . هنا يتجاهل قادة العدو، بتغطية أمريكية، أنهم هم من دفع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، ورئاستها تحديداً، إلى لحظة الحقيقة، لحظة اتخاذ قرار تأخر كثيراً، ذلك أن قرار وقف المفاوضات الثنائية برعاية أمريكية صار استحقاقاً فلسطينياً لا مناص منه، على الأقل منذ مايو/أيار ،1999 موعد انتهاء المفاوضات حول قضايا “الوضع النهائي” كما حددها اتفاق أوسلو، بينما لم يؤد التمديد الواقعي للمرحلة الانتقالية، واستمرار المفاوضات إلا إلى تعميق الاحتلال وتعاظم وقائع الاستيطان والتهويد وتصعيد سياسة الحصار والعدوان والاستباحة الصهيونية العنصرية الشاملة لكل ما هو فلسطيني، وإلى تقويض أمل المفاوض الفلسطيني في تحويل “السلطة الفلسطينية الانتقالية” إلى دولة فلسطينية مستقلة سيدة وعاصمتها القدس، بعد أن حولها قادة العدو بغطاء أمريكي إلى سلطة وظيفية دائمة في صيغة “حكم إداري ذاتي” تحت الاحتلال، تؤدي التزامات سياسية وأمنية واقتصادية ثقيلة تناقض الهدف الفلسطيني من قيامها، بوصفها، (السلطة)، أداة لخدمة البرنامج الوطني في الحرية والاستقلال والعودة، وليس أداة لتقويض الإطار الوطني الجامع لتجسيد هذا البرنامج، منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات .
على أية حال، أياً كان مآل هذه الجولة من الاشتباك السياسي التي تخوضها قيادة منظمة التحرير الفلسطينية مع حكومة الاحتلال بتغطية أمريكية سافرة، وحتى لو كان مآلها العودة إلى صيغة المفاوضات الفاشلة إياها مع وعود أمريكية جديدة ينسفها قادة العدو بشروطهم الصهيونية التعجيزية في أول جولة تفاوض، فإن حال من يحاول إحياء مقاربة التفاوض الثنائي برعاية أمريكية لإنهاء الصراع بما يلبي الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية يشبه حال من ينكر الاعتراف بموت جثة هامدة لا تجد من يقبرها . اللهم إلا إذا كان بلا معنى فشل كل محطات التفاوض المفصلية حول قضايا الوضع النهائي منذ انتهاء العمر الزمني لاتفاق أوسلو في أيار ،1999 وأبرزها: مفاوضات كامب ديفيد، ،2000 ومفاوضات طابا، ،2001 ومفاوضات خطة “خريطة الطريق”، ،2007 وصولاً إلى مفاوضات الشهور التسعة التي قادها وزير الخارجية الأمريكي، كيري، 2013-2014 .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2165490

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي جرادات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2165490 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010