الجمعة 3 تشرين الأول (أكتوبر) 2014

صعود “بريكس” يُقابَل بتصعيد أمريكي نوعي

الجمعة 3 تشرين الأول (أكتوبر) 2014 par محمد الصياد

عرضنا في مقالين سابقين كيف انخرطت الولايات المتحدة في “ترتيبات وأعمال” متواصلة لتشديد الضغط على الصين، على خلفية المخاوف من الصعود الكبير للصين في منطقة جنوب وجنوب شرق آسيا ومن ضمنها حوض بحر الصين الجنوبي (بحر يقع جنوب الصين وهو جزء من المحيط الهادئ، ويشمل المنطقة من سنغافورة إلى مضيق تايوان، وتحديداً في غرب المحيط الهادئ بين منطقة جنوب شرق آسيا وتايلند والفلبين وبورنيو، وتبلغ مساحته 3500000 كيلومتر مربع، ما يجعله أكبر بحر في العالم)، وحوض بحر الصين الشرقي، (بحر هامشي تبلغ مساحته 1249000 كيلومتر مربع، يقع شرق الصين ويتصل ببحر الصين الجنوبي) . . وكيف راحت تحرض بعض بلدان المنطقة مثل اليابان وبلدان مجموعة “آسيان” على اتخاذ مواقف مناهضة للصين بما أدى إلى خلق بؤرة توتر خطرة في منطقة جنوب شرق آسيا . وبالتزامن مع ذلك تقريباً عرضنا (في المقال الثاني) كيف تعمل واشنطن سياسياً ودبلوماسياً وإعلامياً للضغط على البرازيل وعلى رئيستها دلما روسيف، وكيف حاولت تأليب بعض الدول الأعضاء في منظمة الدول الأمريكية على البرازيل بغية إرباك حركتها على صعيد علاقاتها الخارجية، قبل أن نتوقف عند التساؤل الاستخلاصي التالي: ما الهدف الاستراتيجي الأمريكي/الأطلسي من وراء نقل ثقل الضغوط الأمريكية ناحية الصين وروسيا والبرازيل؟
السبب، على ما نزعم، أن هذه الدول بحد ذاتها بدأت تزيد من جرعة القلق والحنق لدى الولايات المتحدة، بصعودها الاقتصادي اللافت وطموحاتها الاقتصادية أولاً، وفي مرحلة تالية العسكرية، وتطلعاتها لتحقيق هذه الطموحات بتوسيع دائرة المصالح والنفوذ خارج الحدود، بما انتهى إلى ما تعتبره واشنطن مزاحمة لها ولهيمنتها العالمية .
وما زاد الطين بلة وفاقم منسوب القلق والسخط الأمريكي على هذه الدول، هو نزوعها المتزايد لتأكيد استقلاليتها وزعامتها الإقليمية عبر مبادرات جريئة، وقيامها بإنشاء هيكلية سياسية واقتصادية تكتلية تجمعها مع الهند ضمن ما سمي تجمع “بريك” (BRIC)، وهو مختصر الحروف الأولى باللاتينية لأسماء الدول الأعضاء فيه: البرازيل، روسيا، الهند، والصين، قبل انضمام جنوب إفريقيا إلى التجمع في عام 2010 ليصبح مسماه “بريكس” (BRICS) .
وقد كان لافتاً حرص الدول الأربع على تضمين إعلان القمة الأولى للتجمع التي عقدت في عام 2009 عبارة “تأسيس نظام عالمي ثنائي القطبية”، بما يعني العمل على وضع حد للعالم أُحادي القطبية الذي تحتكر الهيمنة عليه الولايات المتحدة .
ومن المؤكد أن كل خطوة يخطوها هذا التحالف السياسي/الاقتصادي الخماسي نحو المزيد من مأسسة عمله، تلاقي عدم ارتياح مكبوتاً لدى واشنطن، فما بالك بإعلان التحالف منتصف شهر يوليو/تموز الماضي خلال قمته التي عُقدت في البرازيل، عن إنشاء بنك جديد للتنمية وصندوق لاحتياطيات الطوارئ برأسمال مبدئي يبلغ مئة مليار دولار من أجل النهوض بالاستثمار في مشروعات البنية التحتية، وكذلك، وكما قالت الرئيسة البرازيلية، من أجل “إعادة تشكيل البنيان المالي العالمي” . ثم، ومن بعد ذلك، وتتويجاً لهذا الطموح، فقد عقد قادة مجموعة “بريكس” على هامش قمتهم، وتحديداً يوم السادس عشر من يوليو/تموز، قمة مشتركة في العاصمة البرازيلية مع رؤساء أمريكا الجنوبية، من بينهم رؤساء الأرجنتين وشيلي وكولومبيا والأكوادور وفنزويلا، أملاً في إقامة بدائل لهم للنفوذ الأمريكي في المنطقة .
في ذات السياق جال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ قبل وفي أعقاب اختتام أعمال قمة “بريكس” على عدد من بلدان أمريكا اللاتينية أبرما خلالها اتفاقيات تعاون وشراكات استراتيجية مع حكوماتها، الأمر الذي يعني إعطاء دفعة جديدة لعلاقاتهما مع هذا الإقليم الذي كان ينظر إليه تقليدياً باعتباره الفناء الخلفي للولايات المتحدة، وزيادة نفوذهما فيه خصوصاً بالنسبة للصين التي يكفي أن ينظر المراقب إلى حجم تبادلها التجاري معه والذي بلغ في العام الماضي نحو 6 .261 مليار دولار، ليدرك حجم هذا النفوذ المتعاظم . في فنزويلا اتفق الرئيس الصيني مع الرئيس الفنزويلي على إنشاء شراكة استراتيجية شاملة، ووقعا في الحادي والعشرين من يوليو/تموز الماضي على اتفاقيات في مجالات الطاقة والتعدين والمال ومشاريع الإنشاء والتعمير والزراعة والتكنولوجيا المتقدمة وغيرها من القطاعات . كما زار الرئيس الصيني كوبا، ووقع مع حكومتها اتفاقيات تعاون اقتصادي .
ولا شك أن هذه الدينامية العملية المتجددة للأقطاب الثلاثة الرئيسيين في “بريكس”، الصين وروسيا والبرازيل، تستثير غيرة الولايات المتحدة وخشيتها من أن تفضي هذه التطورات النوعية في ميزان القوى الدولي إلى اهتزاز وتآكل زعامتها العالمية التي لا تتصور طبقتها السياسية حدوث مثل هذا “الكابوس” حتى في منامها، وهي التي ما انفك زعماؤها، بمن فيهم الرئيس الحالي أوباما، يؤكدون المرة تلو الأخرى أن القرن الواحد والعشرين سيكون قرناً أمريكياً خالصاً كما كان سابقه .
أما وأن هذه الطبقة قد صارت تدرك ضمنياً أن بلادهم لم تعد في كامل “صحتها” و“لياقتها” بعد أن راحت قواها تخور شيئاً فشيئاً، فلا بأس من استلال أسلحة أخرى غير الإنتاجية والتنافسية، من قبيل مداورة ومراوغة القدر بوحي من ثقافتها البراغماتية، ومنها مبدأ “إذا لم تستطع التغلب عليهم التحق بهم”، مع إدخال تعديل “طفيف” عليه ليتناسب مع قواعد “ملاعبة” المنافسين الصاعدين الجدد، وتحديداً الصين وروسيا والبرازيل، ليصبح “إذا لم تستطع التغلب عليهم فما عليك سوى التشويش على مسيرتهم وعرقلتها بشتى وسائل المكر والخداع والأسلحة السرية . وهذا ما هو حاصل بالضبط!”.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2165857

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165857 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010