الجمعة 19 أيلول (سبتمبر) 2014

نحن بين المال والفتوى والإرهاب

الجمعة 19 أيلول (سبتمبر) 2014 par محمد سليم قلالة

تُطرح في المدة الأخيرة على مختلف البلدان العربية والإسلامية، ومن بينها الجزائر، مسألة المشاركة من عدمها في الحرب على ما يُعرف باسم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) في الشرق الأوسط، وتنفرد بلادنا على غيرها من البلدان العربية والإفريقية بأنها البلد الأكثر إلماما بملف الإرهاب الدولي بالنظر إلى التجربة التي عرفتها في تسعينيات القرن الماضي، ولعلها البلد الأقدر على اتخاذ موقف مستقل في هذا الجانب إذا ما أرادت. ولكن الاستقلالية وحدها لا تكفي، ينبغي لها أن تساهم بطرح بديل يكون في سمعة سياستها الخارجية وحجم مواردها الطبيعية وثرواتها وقدراتها الإستراتيجية.. فهل فعلت وكيف ينبغي لها أن تفعل؟

يكاد يتفق كل المحللين والمتتبعين لملف الإرهاب الدولي أن القاعدة هي ذات منشأ أمريكي بالأساس في فترة من الفترات كانت فيها الولايات المتحدة الأمريكية في حاجة إلى محاصرة الاتحاد السوفياتي سابقا وطرده من أفغانستان حتى لا يحتل “أوراسيا” التي قال عنها عالم الجيوبوليتيك الشهير “ماكندر” أن من احتلها احتل قلب العالم ثم جزيرة العالم “إفريقيا” ثم كل العالم.

لعل الأمريكيين أدركوا هذه أو اقتنعوا به كما أدركه من قبل في القرن الرابع قبل الميلاد الاسكندر المقدوني وحاول أن يحتل قلب العالم ولكنه انتهى هناك في سنة 323ق.م.

لعل التاريخ يتكرر بأشكال متعددة لأن البشر يكررون نفس الخطأ أو يعتقدون نفس الاعتقاد، وهو ما حدث بالنسبة للأمريكيين حيث أرادوا أن يسيطروا على أوراسيا (المنطقة الواقعة بين شرق أوربا وغرب آسيا) من خلال أفغانستان وبناء القواعد العسكرية حول أوروبا الشرقية بعد الحرب العالمية الثانية، واستمروا في التطلع إلى ذلك إلى أن تمدد الاتحاد السوفياتي سابقا في أفغانستان قلب أوراسيا وتمكن من إقامة نظام موال له. وكان ذلك سببا مباشرا في أن يستخدم الأمريكيون كل الوسائل لإعادة الدب الروسي إلى موقعه. ومن بين هذه الوسائل كان المال والسلاح والفتوى. ولم يزد الأمريكيون على أن يوفروا السلاح والتدريب والدعم اللوجستي والاستخباري وتكفل السعوديون وبعض دول الخليج بالباقي (الفتوى والمال). واعتبر إسقاط الشيوعية هدفا مقدسا بالنسبة للمسلمين باعتبارها رمز الإلحاد، وتم تجنيد الشباب المسلم من كل البلاد العربية والإسلامية للجهاد في أفغانستان، وتكفلت بالأمر “شخصية” كانت ذات علاقة وطيدة مع الاستخبارات الأمريكية “أسامة بن لادن” بالإضافة إلى أجهزة استخبارات الدول الحليفة. وتطوع عشرات الآلاف في أفغانستان، و“استشهدوا” تحت راية عبد الله عزام وغيره من قادة الجهاد، وانهزم السوفيات في أفغانستان باسم الله أكبر لصالح أمريكا، ثم سقطت الشيوعية في أوربا الشرقية وبات وكأن “أوراسيا” أصبحت تحت سيطرة الأمريكيين والغرب. وفرح بعض المسلمين بذلك على أساس أنهم سيحتلون موقع القوة الكبرى التي انهارت الاتحاد السوفياتي وسيتحولون إلى مصاف القوى الدولية. وقد كتبت حينها مقالا يحمل عنوان “هل نفرح بسقوط الشيوعية؟” بينت فيه وهم هذا الفرح ووهم التحول إلى القوة الثانية في العلاقات الدولية...

وبالفعل بدل أن نتحول إلى مصاف تلك القوى بعد المساهمة الكبيرة في الإطاحة بالشيوعية وبعد التضحية بآلاف الشباب المجندين لهذا الغرض كانت مكافأتنا أن تم إنشاء القاعدة، وتحول ابن لادن حليف الاستخبارات الأمريكية إلى زعيم لها، ثم تحولت هذه “القاعدة” إلى عدو أول للولايات المتحدة الأمريكية إلى غاية الـ 11 من سبتمبر حيث أصبحت الرمز الأول للإرهاب الدولي وأصبح بن لادن المطلوب الأول من قبل الأمريكيين الذين صنعوه.

وكأن السحر انقلب على الساحر، إلا أن الساحر استطاع أن يستعيد السيطرة على سحره ويُبقي على بن لادن دون الإبقاء على القاعدة التي عاودت الانتشار هذه المرة في وادي الرافدين حيث توجه الجيش الأمريكي لتأمين منابع النفط في الشرق الأوسط بعد احتلال أفغانستان.

ولمحاصرة بقايا القاعدة في العراق، ولمنع انتشار المد الإيراني فيه، وحرمان الإيرانيين من أن يقطفوا ثمرة حرب لم يساهموا فيها عن طريق وصول حلفائهم إلى السلطة، تم إنشاء القاعدة رقم 2 في العراق: الدولة الإسلامية في العراق. ولم يكن في الحسبان أن تتطور هذه الدولة الإسلامية إلى سوريا وأن تصبح مجهزة بعشرات الدبابات وممولة ذاتيا بملايين الدولارات الناتجة عن بيعها للنفط في السوق السوداء عبر تركيا ... ولم يكن في الحسبان أن تتحالف هذه الدولة الإسلامية في العراق والشام مع المقاومة البعثية التي مازالت تتحرك في الساحة وتمتلك كمية كبيرة من الأسلحة. وبذلك تصبح قوة مستقلة بسلاحها وأموالها ورجالها، أكبر من القاعدة التقليدية تستدعي من الأمريكيين الدعوة إلى تحالف دولي واسع من أجل القضاء عليها لأجل تحقيق هدفين رئيسيين:

ـ العودة إلى الأرض في وادي الرافدين ومنع التقدم الروسي في سورية والسعي للإطاحة بحليفه الأول في المنطقة الرئيس بشار الأسد.

ـ منع تحول “داعش” إلى تنظيم دولي مسلح من أن يحصل على مزيد من الأسلحة يحطم من خلالها الحدود كما فعل بين سوريا والعراق ويعلن مخططه لتحطيم الحدود مع الأردن والوصول إلى تحرير فلسطين حسب إعلاناته.

وكما حدث في أفغانستان تحولت كل دولة إقليمية إلى لعب دور مع جماعة إرهابية تنشئها، وكما ظهرت طالبان في أفغانستان كصنيع للاستخبارات الباكستانية، بدأت تظهر جماعات مسلحة أخرى في العراق والشام هي من صنيع سورية وروسية والسعودية وقطر وغيرها، لتنكشف حقيقة هذه الجماعات الإرهابية أنها جميعها صنيعة هذه القوة الإقليمية أو تلك بما في ذلك أكبرها جميعا “داعش”.

في هذا الوقت يُطلب من الدول العربية جميعها أن تدعم التحالف الدولي ضد الإرهاب، ويطلب من بلادنا موقفا مؤيدا ومدعما إلى هذا المسعى الذي لا دخل لها فيه.

ولذا قلنا في عمودنا يوم الثلاثاء الماضي أن لا بديل لنا عن الحياد أو العزلة إن اقتضى الأمر. وقد كان لمثل هذه السياسات ثمارها بالنسبة لكبرى الدول في العالم، حيث اعتبر مونرو (1758ـ 1831) أن أمريكا ينبغي أن تبقى للأمريكيين ولا دخل للقوى الخارجية فيها، واعتبر اليابانيون طيلة أكثر من 250 سنة (1638ـ 1868) أنهم في حاجة إلى عزلة، وكذا الصينيون الذين اضطرت بريطانيا إلى دفعهم نحو الحرب (حرب الأفيون) لمنعهم الاستمرار في عزلتهم (1840ـ 1860)، واليوم نحن في حاجة إلى بلورة مثل هذه السياسة التي لا تعني البتة الانعزال عن العالم في ظل العولمة إنما إنشاء طوق يمنع العالم من التدخل في شؤوننا الداخلية وفي شؤون جيراننا. ويمكن للجزائر بالموقع الحالي التي هي فيه أن تلعب هذا الدور اليوم. فهي غير متورطة في قضايا الإرهاب الدولي، بل ضحية لذلك، وهي قادرة على أن تتصرف باستقلالية نسبية في هذا المجال بأن تتعامل مع الضغوط الدولية التي تسعى لدفعها باتجاه الدخول فيما يعرف بالتحالفات ضد الإرهاب (داعش) اليوم، وغدا ضد فصائل أخرى، وهي قادرة فضلا على ذلك من أن تطور مفهوما جديدا للعزلة يمكنها ويمكن شعوب المنطقة بأن تتفرغ حقيقة لبناء نفسها داخليا بعيدا عن مساومات هذا أو ضغوط الآخر باسم مكافحة الإرهاب الدولي. لقد تبين لنا أنه لا توجد جماعة إرهابية واحدة ذات وزن مستقلة عن دولة من الدول سواء أكانت قوة عظمى أو قوى محلية تقوم باستخدامها لتحقيق أهدافها واستراتجياتها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 23 / 2165248

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع سليم قلالة   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165248 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010