الجمعة 12 أيلول (سبتمبر) 2014

الولايات المتحدة ونظرية المؤامرة

الجمعة 12 أيلول (سبتمبر) 2014 par د.حسين حافظ

مكرُ ابليس هو أولى تجليات نظرية المؤامرة في التاريخ الإنساني، وكيف أغوى آدم وحواء عليهما السلام فأخرجهما من الجنة .
(فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبكُمَا عَنْ هَذِهِ الشجَرَةِ إلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ) من سورة الأعراف الآية 20 .
وعلى خلاف معظم النظريات فإن نظرية المؤامرة التي مورست وتمارس في العراق هي من أوضع الأساليب وأرخصها فهماً في الإدراك المعرفي الإنساني .
وقد تجلت في أكثر الصور بشاعة في المشهد الإنساني، وهي وإن كانت ترتبط بالسرية وتسعى لتحقيق مقاصد غير بائنة، إلا أن السرية في نظرية المؤامرة الأمريكية في العراق كانت أكثر من بائنة والمقاصد كما النتائج فيها معروفة والوسائل في التحقيق هابطة، وأساس كل ذلك وجود نخبة من السياسيين الأمريكيين لم يرتقوا بعد إلى مستوى تأمين شروط نظرية المؤامرة ونتائجها المطلوبة .
تجليات تلك النظرية كانت واضحة في التعامل مع حرمة الدم الإنساني رغم كل ما يشاع عن مدنية الولايات المتحدة وتحضرها، ولعل في ذبح الصحفي فولي دلالة من دلائل الانتقائية المرتكزة على التفوق والاستثنائية الأمريكية .
فرغم المذابح الداعشية المرتكبة في العراق ضد المسيحيين والشبك والإيزيدية والتركمان وسواهم من الطوائف الأخرى لم تتحرك السياسة الأمريكية لمعالجة الجرائم الإنسانية البشعة إلا حين أدركت أن سكين الذبح الداعشي طال الرقبة الأمريكية، وهي ردة فعل شائنة على يقظة الضمير الأمريكي البائسة .
كانت نظرية المؤامرة الأمريكية في العراق الأسرع انكشافاً ووضوحاًعن سواها من نظريات المؤامرة التي مارستها سواء في أحداث 11 سبتمبر/ أيلول أو في أزمة “بان أمريكان” (لوكربي) أو سواهما، وتحديداً قبل الاحتلال، لا سيما الكشف الفاضح لمواقع أسلحة الدمار الشامل التي أثبتت الولايات المتحدة نفسها زيفها وما جرى فيما بعد من التقارير التي أكدت القول فيها إنها كانت تضلل العالم .
اليوم وعلى غرار الأحداث التاريخية الكبرى يفاجأ العالم بحدث انهيار مروع للقوات المسلحة العراقية أمام (داعش) ويتحول المشهد الأمني بسرعة مذهلة إلى مخارج استراتيجية بعضها ذات طبيعة سياسية وأخرى اقتصادية وثالثة تواطؤات إقليمية ودولية .
ففي حين كان ينبغي أن تشعر الولايات المتحدة بأن هزيمة الجيش العراقي أمام “داعش” تعني هزيمة لها وأن تداعياتها لا ينبغي أن تستثمر لفائدة طرف في المعادلة العراقية وخسارة آخر، سكتت تماماً حتى عن التصريحات الرسمية حول السيطرة على الأوضاع في كركوك إذ كان ينبغي ان يصب الجهد الأمني الكردي في مجمل الجهد الأمني الوطني ولخدمة الاستقرار الوطني الكلي على أساس أن تلك القوات هي جزء من المنظومة الأمنية العراقية رغم اضطلاعها بمهمة حماية الأمن في كردستان العراق، إذ سرعان ما تحولت مستغلة ظروف الهزيمة العسكرية إلى قوة استيلاء على كركوك وفكها من قبضة الحكومة المركزية وإلحاقها بالإقليم وفق قاعدة الأمر الواقع في إلغاء المادة ،140 وهو تحول سياسي أمني نوعي لا يماثله في النظم الاتحادية في العالم نموذج آخر .
ثم ربط النفط في كركوك بسرعة مذهلة بحقول كردستان العراق وتصديره عبر الموانئ التركية إلى “إسرائيل” ليس أمراً آنياً بل هو مخرج اقتصادي من مخارج نظرية المؤامرة ودلالة من دلائل المشاركة الصهيونية في الخيرات العربية، وقد جرى الإعداد لذلك بالتأكيد قبل اجتياح الموصل لكنه مرتبط بحدث الاجتياح .
وكان ينبغي للولايات المتحدة ووفقاً للالتزامات القانونية والأخلاقية المترتبة بناءً على اتفاقية الإطار الاستراتيجي الاستجابة السريعة لنداء الحكومة العراقية في مكافحة خطر تمدد “داعش” في الأراضي العراقية، إلا أنها لم تحرك ساكناً لا بصدد الاستيلاء الفاجع ولا حتى على المجازر الجماعية المرتكبة إلا حين وصلت جحافل “داعش” إلى الحدود الكردية وهو سلوك فظ وفاضح ينم عن تبني سياسة تفضيلية هابطة من شأنها تقوية الإقليم وضمان أمنه على حساب الأمن الوطني برمته، وهو ما يمثل القسم الغاطس في نظرية المؤامرة الأمريكية في العراق .
المشهد الصادم الآخر هو “داعش” ليس بوصفها قوة عسكرية فائقة القدرة، بل بوصفها قوة مساهمة في التقاء القوى المتقاطعة، ففي الأمس كانت إيران والولايات المتحدة قاب قوسين أو أدنى من المواجهة العسكرية، واليوم وبفضل “داعش” حدث تحول في العلاقة على قاعدة التعاون الإقليمي والدولي لحل الأزمة في العراق، وهو تحول نموذجي نوعي آخر في التقارب وانتهاء عملي لفرقة شارفت الأربعة عقود، وذلك جزء من تشظيات نظرية المؤامرة بصدد حماية أمن دول الخليج .
الهم الأممي الآن منصرف إلى معاينة الخلل الجدي لمكافحة “داعش” في العراق وسبل معالجته، والولايات المتحدة منصرفة إلى تمرير مشروع التقسيم ب “داعش” أو سواها من الإجراءات السياسية اللاحقة وفقاً لمتطلبات الفوضى الخلاقة وما تقتضيه نظرية المؤامرة التي لم يتم الحديث عنها كفاية ولم يتم فيها الكشف عن أطراف اللعبة التي تديرها الولايات المتحدة والأطراف الإقليمية المتحالفة معها، ويقيناً إن الكشف عن كل ذلك لن يطول، وسيُفضح المستور في نظرية المؤامرة الأمريكية في العراق وأطرافها الداخلية والإقليمية .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2177725

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2177725 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40