السبت 30 آب (أغسطس) 2014

انتصرت فلسطين... وهُزمت «إسرائيل»

السبت 30 آب (أغسطس) 2014 par رامز مصطفى

«انتصرت فلسطين، وهُزمت إسرائيل». كلام ليس بقصد الترف، أو للتقليل من حجم الخسائر والتضحيات التي قدمها شعبنا في قطاع غزة على مدار أيام العدوان الهمجي الذي استمرّ واحد وخمسين يوماً، وقد أخذ في طريقه كلّ ما وصلت إليه آلة قتله وإجرامه وإرهابه، إلاّ ودمّره، من بشر وحجر وشجر.

يكفي أنّ شعبنا بمقاومته ومناضليه لم يرفع الراية البيضاء، ولم تركع غزة. واستمروا في مواجهة العدوان طيلة أيام الحرب، وفق معادلة التكامل بين الصمود والبسالة… هذا انتصار. أن تستمر عملية إطلاق الصواريخ منذ الدقائق الأولى للعدوان وحتى الدقائق الأخيرة لهذا العدوان… هذا انتصار. أن يبقى الشعب الفلسطيني وبرغم جسامة التضحيات من شهداء وجرحى ودمار هائل، يقول إن المقاومة هي عزتنا وكرامتنا، ونحن فداء للمقاومين الأبطال، ونحن معهم حتى الرمق الأخير… هذا انتصار. أن تتحقق الوحدة الوطنية في الميدان بين كلّ الفصائل… هذا انتصار. أن يذهب الفلسطينيون بوفد موحد إلى مفاوضات القاهرة… هذا انتصار. أن تفرض المقاومة على العدو معادلة الألم والوجع والمعاناة والرعب… هذا انتصار. أن تذهب المقاومة في معركتها خلف خطوط العدو، وتهاجم مواقعه وقواعده البرية والبحرية… هذا انتصار. أن ترسل المقاومة طائرات من دون طيار إلى عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة… هذا انتصار. أن تمنع المقاومة العدو من تحقيق أهداف عدوانه… هذا انتصار. أن تفرض المقاومة نفسها بقوة من خلال سلاحها ورجالها… هذا انتصار. أن تعيد المقاومة للقضية الفلسطينية ألقها على أنها قضية مركزية… هذا انتصار. أن تتمكن المقاومة من كشف «إسرائيل» وفضحها أمام الرأي العام العالمي، على اعتبار أنها مجرمة ومارقة… هذا انتصار. أن تخرج الشوارع في أوروبا وأميركا في تظاهرات مندّدة وشاجبة للعدوان وجرائمه ومجازره بحق الفلسطينيين… هذا انتصار. أن تستقيل وزيرة بريطانية من حكومة كاميرون، احتجاجاً على ما يتعرّض له الفلسطينيون في قطاع غزة… هذا انتصار. أن ترغم المقاومة حوالي خمسة ملايين مستوطن على النزول إلى الملاجئ… هذا انتصار. أن يقف طفل فلسطيني على شاشة قناة «الميادين» ليقول: «دمنا ما بروح هيك…» هذا انتصار. أن يرفع الفلسطينيون الأعلام الفلسطينية، فوق أنقاض منازلهم المدمّرة… هذا انتصار. أن تُبقي المقاومة على أنفاقها تعمل حتى لحظة توقف العدوان… هذا انتصار. أن تُحسن المقاومة في اختيار حلفائها في طهران ودمشق وحزب الله… هذا انتصار. أن تفاجئ المقاومة العدو بإمكانياتها وقدراتها وصمودها وبسالتها… هذا انتصار. أن لا يتمكن العدو من دفعنا إلى الكفر بأمتنا رغم مشهد التخلّي… هذا انتصار. أن يخرج شعبنا في أراضي فلسطين التاريخية والقدس لنصرة أهلهم وشعبهم في قطاع غزة… هذا انتصار. أن ينتفض أهلنا في الضفة الغربية ويسقط من بينهم شهداء، فداءً لأهلنا في غزة… هذا انتصار. أن تخرج المخيمات الفلسطينية في الشتات يومياً لنصرة قطاع غزة في مشهد الوحدة والتوحّد… هذا انتصار. أن تنجح المقاومة في حرب الإرادات والأدمغة… هذا انتصار. أن تتمكن المقاومة من كسر هيبة الجيش الذي لا يُقهر، وتحوّله إلى جيش يُقهر… هذا انتصار. أن تحرم المقاومة العدو الصهيوني من إمكانية ترميم قدرة الردع لديه، وتسقطها نهائياً… هذا انتصار. أن تفرض المقاومة على المستوطنين في غلاف قطاع غزة، الهرب من المستوطنات… هذا انتصار. أن تتمكن المقاومة من إغلاق المجال الجوي في الكيان، أمام شركات الطيران العالمي… هذا انتصار. أن يقف الآباء والأمهات والزوجات والأبناء والبنات في حضرة استشهاد أبنائهم، ويقولون العوض على الله، المهم المقاومة… هذا انتصار. أن تأسر المقاومة جنوداً للعدو… هذا انتصار. أن تتحوّل دبابات العدو وآلياته، إلى خردة حديدية… هذا انتصار. أن تسيطر المقاومة على طائرة صهيونية من دون طيار… هذا انتصار.

عندما لا يحزم الفلسطيني حقائبه هارباً… هذا انتصار. عندما تخرج النسوة الفلسطينيات يزغردن ويرشن الأرز… هذا انتصار. عندما يخرج رجل الدين المسيحي، يقول إذا دمّر العدو المساجد، فارفعوا الآذان في كنائسنا… هذا انتصار. عندما يلقي العدو على القطاع من المتفجرات، ما يوازي قنبلتين نوويتين، ويبقى شعبنا صامداً… هذا انتصار. عندما تعرف «إسرائيل» أنّ شعبنا الفلسطيني ليس نعجة تسلّم رقبتها لسكين ذباحها… هذا انتصار. عندما ينتصر الدم الفلسطيني على سيف العدوان الهمجي… هذا انتصار.

وليس آخراً، أن يستمرّ العدوان واحد وخمسين يوماً ويبقى قطاع غزة واقفاً، منتصب القامة، منغرسة أقدام أهله كما أشجار الزيتون والسنديان… هذا انتصار.

وما يصحّ في الحديث عن انتصار المقاومة، فهو يصحّ حول هزيمة «إسرائيل». فالكلام عن هزيمتها ليس من باب الترف، أو إسقاط رغبات لا تستند إلى الوقائع، أو المدموغ كشواهد على هذه الهزيمة. أن يقول رئيس بلدية سديروت في اليوم الثالث للعدوان، إنّ قواعد اللعبة قد تغيّرت، هذه هزيمة… عندما تسقط «إسرائيل» أخلاقياً بفعل جرائمها، هذه هزيمة… عندما يصرّح بن كاسبيت وهو المحلل الاستراتيجي الصهيوني: «أنّ الحقيقة هي أنّ مقاومة غزة انتصرت»، هذه هزيمة… وعندما يصف نتنياهو قائلاً: «ألا يوجد أيّ حدّ للوقاحة، بما فيها وقاحة السياسيين»، هذه هزيمة… عندما تفشل القبة الحديدية في التصدّي لصواريخ المقاومة، هذه هزيمة… عندما تنهار المنظومة العسكرية «الإسرائيلية» بأسلحتها المختلفة على أرض غزة، هذه هزيمة… عندما يخرج المستوطنون يصرخون بوجه قادتهم «أنتم كاذبون»، هذه هزيمة… عندما تصل خسائر «إسرائيل» الاقتصادية أكثر من تسعة مليارات شيكل، هذه هزيمة… عندما تشلّ كلّ أوجه الحياة داخل الكيان، ما عدا تجارة الدعارة حسب وصف أحدهم، هذه هزيمة… عندما يصرّح الوزير الأمريكي أنّ نتنياهو طلب منا التدخل لوقف الحرب، هذه هزيمة… عندما تبدأ الأحزاب الصهيونية، بما فيها أعضاء حكومة نتنياهو توجيه الاتهامات إلى بعضها حول إخفاقات العدوان، هذه هزيمة… عندما تبدأ لجان التحقيق بالتشكل للوقوف على أسباب الهزيمة، هذه هزيمة… عندما تفشل العملية البرية في تحقيق أي من أهدافها سوى القتل والتدمير، هذه هزيمة… عندما تتعالى الأصوات من داخل «إسرائيل»، أن أوقفوا الحرب، هذه هزيمة… عندما يفشل أعضاء الكابينيت الصهيوني من الاجتماع مراراً، وينقسم على نفسه بسبب الاتهامات لبعضهم، هذه هزيمة… عندما يطلق بعض جنود الاحتلال النار على أقدامهم هرباً من الحرب، هذه هزيمة… عندما يبدأ الكثير من المستوطنين التفكير بمغادرة «إسرائيل» إلى غير رجعة، هذه هزيمة… عندما يلجأ غالبية المستوطنين إلى تناول المهدّئات خلال الحرب، وتنهار معنوياتهم، هذه هزيمة… عندما يُصرح أحدهم في «إسرائيل»، أنّ زمن الانتصارات السريعة قد ولى، هذه هزيمة… عندما تعجز كلّ أسلحة العدوان عن كسر إرادة وعزيمة الشعب الفلسطيني ومقاومته، هذه هزيمة… وليس آخراً عندما يستمرّ العدوان واحد وخمسين يوماً، ويفشل، هذه هزيمة.

نعم انتصرت فلسطين، وهُزمت «إسرائيل». صحيح أنني أكثرت من تكرار كلمتيْ «عندما»، في حالة انتصار فلسطين في غزة، وفي هزيمة «إسرائيل» في كلّ العالم. ولكن لمعنى كلمة «عندما» في توصيف معاني هذا الانتصار، طعم آخر، فهي العزة والكرامة والإباء، والفداء والبطولة والصمود والتحدي والبسالة، والإيمان والإرادة والصلابة، والإيثار والتكافل والتكامل والشهامة… الخ. بينما كلمة «عندما» في توصيف هذه الهزيمة. فهي الجريمةُ والإرهابُ والقتلُ، والخسّةُ والنذالةُ والجبنُ، والسقوطُ والانهيار والعجز والفشل… الخ.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 45 / 2165400

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

12 من الزوار الآن

2165400 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010