الأربعاء 27 آب (أغسطس) 2014

علي بدوان ..المعادلة «الإسرائيلية» الأميركية

الأربعاء 27 آب (أغسطس) 2014 par علي بدوان

كثيراً ما ينشب اللغط الكبير عند التطرق للعلاقات التي تربط الولايات المتحدة الأميركية بالدولة العبرية الصهيونية. فالعديد من الباحثين في بلادنا العربية يتجهون على الفور لإصدار الأحكام التعسفية المسبقة، دون تدقيق ودون بحث جدي، عندما يَسِمون، وبكل بساطة، تلك العلاقة وكأنها تبعية أميركية للقرار «الإسرائيلي» وليس العكس، شاهدهم الأخير على ذلك حجم التغطية الأميركية للعدوان على قطاع غزة، وقيام واشنطن على الفور برصده مئات ملايين الدورات لتطوير شبكة «القبة الحديدية» التي أقلقها الأداء القاصر لها في صد الصواريخ الفلسطينية التي كانت ومازالت تنطلق باتجاه عمق الداخل المحتل عام 1948.. ومبادرتها لمد جيش الاحتلال بالذخيرة المطلوبة من احتياطيها الاستراتيجي المُخَزّن في المنطقة.. كما في انفراد واشنطن في لجنة حقوق الإنسان في اجتماعها الأخير بالدفاع عن المعتدين «الإسرائيليين» في عدوانهم على قطاع غزة.. فأين تكمن الحقيقة في تخوم العلاقات الأميركية «الإسرائيلية»..؟
نبدأ القول بأن الحضور الإثني اليهودي كجزء من شعب الولايات المتحدة، ضئيل ديموغرافيا، ونافذ اقتصادياً وإعلامياً ومؤسساتياً وإستراتيجياً.. فاليهود يمثلون نحو (2 % إلى 3 %) فقط من سكان الولايات المتحدة، تقطن غالبيتهم المطلقة بنسبة (94 %) في (13) ولاية من مجموع الولايات الخمسين.. إلا أنّهم حاضرون في نحو (22 %) من النخبة العاملة في عالم الصحافة والإعلام والنشر، وهذا الميدان أساسي للتأثير على الرأي العام وتوليد الضغط على مصادر القرار.. ويسيطرون كذلك على نحو أكثر من (17 %) من قادة المنظمات غير الربحية التي تدعي بأنها تبغي المصلحة العامة، ونحو أكثر من (15 %) من كبار الموظفين في الخدمة العامّة من اليهود.. ولكنهم مع ذلك لم ولن يصلوا إلى حدود التقرير الكلي في صناعة القرار الاستراتيجي للولايات المتحدة تجاه مختلف القضايا الساخنة في العالم، ومنها القضية الفلسطينية.. فـ«إسرائيل» دولة وظيفية بالعرف السياسي والاستراتيجي الأميركي في نهاية المطاف، وهي دولة مازالت تحتفظ بموقعها ودورها في خريطة الاستراتيجيات الأميركية بالنسبة للمنطقة الأكثر حساسية على الكرة الأرضية.

إن اللوبي اليهودي الصهيوني في الولايات المتحدة له من النفوذ بما لا يقاس بأي إثنية من الإثنيات الدينية المكونة للولايات المتحدة، بنفوذه عبر المفاتيح الاجتماعية الأساسية والاقتصادية والإعلامية وغيرها، وعبر السخاء في الدعم اليهودي للديمقراطيين في الولايات المتحدة أثناء حملاتهم الانتخابية، فنصف الأموال التي تلقتها حملة الرئيس الأميركي السابق، بيل كلينتون، في معركة إعادة انتخابه عام 1996 تبرع بها اليهود.. ولكن قصة اليهود مع السياسة الأميركية وتأثيرهم عليها، شيء والقرار الأميركي الخالص شيء آخر.. فالقرار الأميركي تحكمه سياسات واستراتيجيات ومصالح كونية لواشنطن، وعلى الأخص بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، ولا تحكمه في نهاية المطاف تأثيرات اللوبي اليهودي (منظمة الإيباك) على أهميتها ودورها الكبير في الإسناد والدعم الأميركي للدولة العبرية الصهيونية.

إن الولايات المتحدة، تستطيع بقرار صغير أن تدفع باتجاه لي عنق الموقف «الإسرائيلي» عندما ترى ضرورة للقيام بهكذا عمل سياسي من منطلق المصالح الكبرى للولايات المتحدة، وهو ما ينفي نظرية التبعية الأميركية للموقف «الإسرائيلي» التي يطلقها البعض، ويؤكد الدور الوظيفي للدولة العبرية الصهيونية. فالعديد من الوقائع، تشي وتؤكد أن الافتراق الأميركي «الإسرائيلي» موجود حول العديد من القضايا، سابقاً وحالياً، منها على سبيل المثال الخلاف الذي دار إبان انطلاقة أعمال مؤتمر مدريد للتسوية في الشرق الأوسط في أكتوبر 1991، عندما أوقف الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب ضمانات القروض لـ«إسرائيل» ودفعها للقبول بالمشاركة في أعمال مؤتمر مدريد، ووقف عمليات الاستيطان في حينها.. ومنها أيضاً الاختلاف والتباين الكبير بشأن الموضوع الإيراني، حيث مازال الجفاء بين تل أبيب وواشنطن قائماً حوله حتى الآن، حيث كانت ومازالت الدولة العبرية الصهيونية تريد التعجيل بحسم الأمر عسكرياً، فيما ترى الولايات المتحدة بأن السبيل الدبلوماسي هو الطريق والخيار الأفضل في معالجة الملف النوي الإيراني.

في هذا السياق، وعند قيامنا بدراسة معادلة العلاقات (الأميركية-الإسرائيلية)، علينا أن نلحظ العديد من المعلومات والمعطيات المُستقاة من مراكز الأبحاث واستطلاعات الرأي في الولايات المتحدة. أولها أن غالبية اليهود من مواطني الولايات المتحدة ينظرون إلى أنفسهم كمواطنين أميركيين أولاً، واهتمامهم بــ«إسرائيل» يحتل المرتبة الثانية.. وثانيها أن نحو (71 %) من اليهود غير المتدينين يتزاوجون خارج الطائفة اليهودية، مع الإشارة إلى أن الجيل الفتى تحت سن الثامنة عشر من يهود الولايات المتحدة والذي ويُشكّل نحو (75 %) من مجموع اليهود، يميل لتأييد الحزب الجمهوري الأميركي لدوافع اقتصادية وتجارية بالدرجة الأولى.. وثالثها أن العدد الكلي لليهود في شمالي أميركا وتحديداً في الولايات المتحدة والمكسيك وكندا لم يتغير، بل ويطرأ عليه تراجع، لأسباب معلومة ومنطقية، رغم موجات الهجرة اليهودية الكبرى من شرقي أوروبا باتجاه القارة الأميركية، حيث تبلغ الآن أعداد المواطنين من اليهود في البلدان المذكورة (5.6) مليون مواطن يهودي. ورابعها وجود وانتشار ظاهرة الزواج المختلط والذوبان في المجتمعات الأصلية المحلية، حيث تدل المعطيات أن نسبة الذوبان وصلت إلى (50 %) أميركا الشمالية، حيث أمست مصادر الوكالة اليهودية والمنظمة الصهيونية العالمية تتحدث عن إشارات عدة لترك اليهودية وهم يخشون حتى من اضمحلال يهود الولايات المتحدة وكندا والمكسيك.. وقد قدمت اقتراحات عدة لمواجهة مسالة الزواج المختلط والحد منها والتخفيف من زواج شباب وشابات الديانة اليهودية من أبناء الديانات المغايرة.. خامسها أن هناك تحولاً داخل الأوساط اليهودية في بلدانها الأصلية بدأ يحفر أخاديده على أرض الواقع من خلال ارتفاع نسبة التراجع المتواصل بالشعور باليهودية، وبالانتماء إلى «إسرائيل» لدى الأجيال الناشئة يوماً بعد يوم، وعاما بعد آخر، وهو ما يدفع بأعداد متزايدة من الشبان والشابات من أصحاب الديانة اليهودية للاتجاه نحو الزواج المُختلط، فالجمهور اليهودي في الولايات المتحدة وبالرغم من سطوة ونفوذ وحضور منظمة (الأيباك) يتجّه نحو التراجع، فإسرائيل في نظر الأعداد المتزايدة من يهود العالم باتت تُعقّد الحياة الاجتماعية، وتؤثر على الهوية السياسية للشبان اليهود دون الخامسة والثلاثين، فالهبوط المتواصل في نسبة الشعور بالانتماء إلى «إسرائيل» لدى الأجيال الشابة في الولايات المتحدة، مؤشراً على تزايد الاختلاط وتفكك الغيتو اليهودي من جهة، واضمحلال الجمهور اليهودي المؤيد والداعم لـ«إسرائيل» في الولايات المتحدة الأميركية من جهة ثانية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 44 / 2177889

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2177889 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40