الخميس 21 آب (أغسطس) 2014

صدمة غزة في ميزان الأنتلجنسيا «الإسرائيلية»

الخميس 21 آب (أغسطس) 2014 par علي بدوان

لم تكن لتنقضي عدة أيامٍ من العدوان «الإسرائيلي» الأخير على قطاع غزة، حتى سارعت وسائل الإعلام «الإسرائيلية» للتعليق على النتائج الأولية للوقائع الميدانية على الأرض، مُستتبعة ذلك بوابل من الأسئلة والإضافات والاستنتاجات، فضلاً على التفاعلات التي تركتها داخل صفوف النخب الفكرية والإعلامية والأنتلجنسيا «الإسرائيلية» ذاتها. وبالطبع فإن التعليقات الأولية إياها، فتحت الطريق أمام النقاشات التي تلت، والتي مازالت تتوالى وتأخذ حيزاً واستطالات قد تمتد زمنياً لفترات بعيدة، وذلك في صفوف تلك الشرائح من المجتمع «الإسرائيلي» دون غيرها، وذلك على خلفية هول وفظاعة الحرب التي شنتها «إسرائيل» على القطاع، والاستهداف غير المسبوق للمدنيين، ونتائجها المتواضعة من زاوية الأهداف التي كانت قد رُسِمت لها.

فلم تحصد عملياً حتى الآن سوى قتل الأبرياء بشكل وحشي، وإلحاق الدمار ببنى المجتمع الفلسطيني ومنازل المواطنين، وهو ما أعاد وضع الدولة الصهيونية مرة جديدة أمام ملف الانحطاط القيمي والأخلاقي، وأمام سياستها العرقية العنصرية التي تفوقت على نازيي الحرب العالمية الثانية.

إن «إسرائيل» التي استخدمت حممها النارية بشكلٍ غير مسبوق على قطاع غزة، كررت وقائع حال الحرب الكونية الثانية، فمدينتا درسدن وبرلين الألمانيتان قصفتا حتى التراب، وأبيدت مدينتا هيروشيما وناغازاكي في اليابان، وكذا الحال وقع راهناً من خلال الاستهداف «الإسرائيلي» للأحياء السكنية في قطاع غزة، وهي الأحياء التي تم مسحها عن الخريطة كما وقع في حي الشجاعية وحي الشعف، وذهب المئات ضحايا هذا العدوان الهمجي الذي يتوازى مع ما تم في الحرب الكونية الثانية في درسدن وبرلين وناغازاكي وهيروشيما.

فعلى جانب المواقف التي بدأت تتفاعل داخل «إسرائيل» بعد أكثر من شهر من العدوان والحرب البربرية على قطاع غزة، بدأت قطاعات من «الإسرائيليين»، وتحديداً تلك الشرائح التي أشرنا إليها أعلاه، ترى بأنه بات من الصعب تمييز النجاحات التي تحققت على ضوء الأهداف التي كان قد تم الإعلان عنها بداية القصف الهمجي للقطاع أو تشخيص وقوع انعطافة استراتيجية بعد أيام من التوغل البري في مناطق معينة وسط وشمال وجنوب القطاع، فبنك الأهداف الكبير لم يحقق مردوداً من الإنجازات العملية لجهة وقف إطلاق الصواريخ الفلسطينية باتجاه العمق المحتل من فلسطين عام 1948، ولم يتم وقف عملية التصدي الفعالة للقوات البرية «الإسرائيلية» من قبل المقاومين الفلسطينيين على مختلف المحاور التي حاولت قوات الاحتلال أن تتقدم عليها. معتبرين في الوقت نفسه أن الحاجة إلى تحقيق إنجاز بعد حملة القصف الجوي العنيفة وانفراغ بنك الأهداف دفع القيادة السياسية «الإسرائيلية» أن تضيف إلى الضربات الجوية خطوة برية أيضاً بدأت تنتقل بالوضع «الإسرائيلي» إلى حالة صعبة، وليتحول حلم من خطط وأدار للعملية العسكرية بأسرها إلى «حلم يقظة» بل وقد يصبح الحلم كابوساً متواصلاً على حد تعبير مثقف إسرائيلي على صفحات صحيفة (معاريف) «الإسرائيلية» قبل أيامٍ خلت.

وهنا يمكن أن نستعيد وأن نتوقف أمام ما كتبه رئيس الكنيست السابق، وعضو حزب العمل «الإسرائيلي» (إبراهام بورغ) المحسوب على «اليسار الصهيوني»، خلال الحرب التي وقعت على قطاع غزة قبل عدة أعوام، وهي الحرب التي أُطلِقَ عليها من قبل «إسرائيل» مُسمى (الرصاص المصبوب)، حيث قال وبالحرف الواحد: «إذا كان هدف الحرب إبادة حركة حماس وإنهائها فهو أمر غير مُمكن، والحرب مآلها الفشل، حيث لم يَعد ممكناً إبادة شعب وقمع طموحاته للاستقلال».. ومعتبراً في الوقت نفسه: «أنه إذا كان هناك حاجة للحرب، فيجب أن يكون هدفها النهائي هو خلق الحوار، وإذا لم ينشأ في نهايتها حوار مع العدو، فهذا هو الفشل بذاته».. ومن هذا المنطلق يعتقد (إبراهام بورغ) بأن الزعامة «الإسرائيلية» في حربها الجديدة الراهنة على قطاع غزة مآلها أن تفشل.

في هذا السياق، وحتى في ظل المناخ اليميني واليميني المتطرف السائد عموماً في المجتمع «الإسرائيلي»، اندفعت العديد من الشخصيات السياسية والأكاديمية من عموم الأنتلجنسيا داخل الدولة العبرية وعدد من المعلقين والمراقبين «الإسرائيليين»، لإطلاق التحذيرات من تواصل التورط في الحرب المجنونة على الفلسطينيين في قطاع غزة.. مُعتقدين بأن «شرعية حركة حماس في الإطار الوطني الفلسطيني آخذة في التعمق كجزء أصيل في النسيج الفلسطيني، وأن هناك تحولا بحدود ما في الرأي العام في المجتمع الدولي الذي بات ينظر لإسرائيل في صورة الأزعر الإقليمي».. كما في مطالبة الحكومة «الإسرائيلية» إلى المُسارعة باتجاه تحقيق اتفاق سياسي بشأن الوضع في قطاع غزة ورفع الحصار، والتجاوب مع المبادرات الدولية خصوصاً لجهة فتح المعابر والسماح بتدفق المساعدات الدولية من غذاء ووقود إلى قطاع غزة، وهو أمر لن ينقص من «قدرة إسرائيل العسكرية والسياسية» على حد تعبير أصحاب الرأي المشار إليه، وفي الوقت يوفر لـ«إسرائيل» لحظة الانتقال من طاولة الرمل إلى الطاولة السياسية.

إن مواقف تلك القطاعات من المجتمع «الإسرائيلي»، وتلك الحزمة من صفوف المثقفين والمفكرين ولو كانت محدودة لجهة حضورها وفعاليتها وتأثيرها الحالي، إلا أنها تُسهم على المدى البعيد في تشكيل موقف «إسرائيلي» آخر داخل المجتمع الصهيوني على أرض فلسطين التاريخية، في عملية قد تكون طويلة ومديدة في مجتمع مُتخم بانحيازاته لصالح برامج قوى اليمين واليمين المتطرف.

وبالطبع يجب ألا نعول على دور تلك الحزمة في المجتمع الصهيوني، لكن علينا في الوقت نفسه أن ندرك بأن المجتمع الصهيوني شديد التأثر بالتحولات المحيطة به، وبالتالي فإن صمود الفلسطينيين، وتطوير الموقف العربي، كفيل بلجم أصوات اليمين ومساعدة تلك الحزمة من المجتمع «الإسرائيلي» على تكريس حضورها وموقفها داخل الدولة العبرية الصهيونية لجهة الاعتراف والنزول «الإسرائيلي» قولاً وعملاً عند الحقوق الوطنية المشروعة للشعب العربي الفلسطيني.

أخيراً، إن أحداث غزة الأخيرة والتطورات النوعية التي ترافقت معها، وتفاعلاتها الحية التي مازالت في بداياتها الأولى، قد خلقت وقائع جديدة ودامغة ستترك آثارها في المرحل التالية، وذلك على الصعيد الرسمي العربي وخريطة التحالفات والاصطفافات، وعلى الصعيد الفلسطيني من زاوية هبوط وصعود القوى وحضورها، وتالياً في مسار الجهود المبذولة لرأب الصدع الفلسطيني الداخلي وإسدال الستار النهائي على حالة الانقسام.. ومن الزاوية الأهم والمُتعلقة بالمعركة السياسية بعد مرحلة غزة، والتي متوقعاً لها أن تكون أكثر ضراوة، وأقسى من تكاسر الإرادات، بل وقد تصل إلى حدود العودة إلى دائرة النار.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 58 / 2165672

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع الكلمة الحرة  متابعة نشاط الموقع كتّاب إلى الموقف  متابعة نشاط الموقع علي بدوان   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

24 من الزوار الآن

2165672 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 23


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010