الأحد 3 آب (أغسطس) 2014

“إسرائيل” ولاية أمريكية

الأحد 3 آب (أغسطس) 2014 par محمد خليفة

الواقع أن “إسرائيل” لا تستطيع مهما حاولت أن تخرج من تحت الوصاية الأبوية الأمريكية عليها، فمشروعها مرتبط ببقاء الولايات المتحدة قوة عظمى في العالم، فإذا انهارت الولايات المتحدة أو تقهقرت قوتها، فإن “إسرائيل” لن تقوى على البقاء، وسوف تتفكك من تلقاء نفسها ودون طلقة رصاص عربية واحدة عليها .
لقد قامت “إسرائيل” نتيجة مؤامرة كبرى نسجتها الدول الغربية المنتصرة في الحرب العالمية الأولى (بريطانيا، وفرنسا، والولايات المتحدة) ضد الأمة العربية، حيث تلاقت إرادات هذه الدول على إنشاء كيان استيطاني يهودي في فلسطين لخدمة الأهداف الاستعمارية لهذه الدول . ولما كانت بريطانيا هي الدولة الأولى في العالم آنذاك، فقد تعهّدت بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين . وجاء هذا التعهّد على شكل رسالة وجهها وزير خارجية بريطانيا اللورد بلفور إلى اليهودي الإنجليزي اللورد روتشيلد الذي قدّم خدمات مالية كبرى للحلفاء في الحرب العالمية الأولى، وتتضمن الرسالة وعداً ينصّ على عطف الحكومة البريطانية على إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين . ومن أجل ضمان تحقيق هذا الوعد، جعلت بريطانيا فلسطين من نصيبها من الدول العربية التي تقاسمت استعمارها مع فرنسا، وأصبحت فلسطين تحت الانتداب البريطاني الفعلي منذ عام ،1922 بعد أن كان لها حضور فيها منذ أن قامت قواتها بمساعدة الشريف حسين على طرد الأتراك من بلاد الشام عام 1918 . وفتحت حكومة الانتداب البريطاني أبواب فلسطين أمام الهجرة اليهودية، وقامت بانتزاع الأراضي الواسعة من الشعب الفلسطيني وتقديمها لليهود ليقيموا عليها المستوطنات والبنية التحتية لدولتهم الموعودة، وسار الاستيطان اليهودي خطوة خطوة بطريقة علمية منظمة مبرمجة آخذة بعين الاعتبار الظروف المحيطة بالحركة الصهيونية، وبعد دراسة وفهم لواقع الوطن العربي المتخلف والمجزّأ . وكان اجتماع الثلاثة (روزفلت، وتشرشل، وستالين) في طهران عام 1943 قبل نهاية الحرب العالمية الثانية، حاسماً بالنسبة لإنشاء دولة “إسرائيل” . ففي هذا الاجتماع سعى روزفلت وتشرشل إلى أخذ موافقة ستالين على إنشاء دولة “إسرائيل”، وقد وافق ستالين على ذلك مقابل السماح للاتحاد السوفييتي بوضع يده على أوروبا الشرقية، وهو ما وافق عليه روزفلت وتشرشل . وفي هذا الاجتماع، اتفق الثلاثة كذلك على إنشاء منظمة عالمية لتسهيل إنشاء “إسرائيل” . وعاد الثلاثة في اجتماع “يالطا” عام ،1945 وأكدوا حق الشعوب في تقرير المصير، وكان المقصود بذلك الشعب اليهودي فقط . وانتهت الحرب العالمية الثانية عام ،1945 ووقعت دول أوروبا الشرقية كلها في يد الاتحاد السوفييتي السابق، وأنجزت بريطانيا مهمتها في فلسطين، فقررت الانسحاب منها في 14-5-1948 . وفي اليوم التالي أعلن اليهود قيام دولة “إسرائيل” . وسارعت الدول الثلاث (الاتحاد السوفييتي، والولايات المتحدة، وبريطانيا) إلى الاعتراف بها . وبذلك اكتسب وجود “إسرائيل” الشرعية الدولية التي تمثلها الدول الثلاث . وقامت بريطانيا بدفع الدول العربية إلى محاربة “إسرائيل” بهدف إجبار هذه الدول على الاعتراف بها . واضطرت الدول العربية المهزومة في تلك الحرب إلى عقد اتفاقيات هدنة مع “إسرائيل” عام ،1949 كانت بمثابة اعتراف عربي أولي بها . وفي عام ،1950 أصدرت كل من الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا بياناً مشتركاً تتعهد فيه هذه الدول بالوقوف ضد أي عدوان في الشرق الأوسط . وكان الهدف من هذا البيان هو حماية “إسرائيل” من الدول العربية، وأصبح وجود “إسرائيل” أمراً واقعاً .
وبعد أن أصبحت الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية زعيمة العالم الغربي، وضعت “إسرائيل” تحت رعايتها، وما لبثت هذه الرعاية أن تحولت إلى تحالف راسخ . وبدأت المساعدات العسكرية والاقتصادية الأمريكية تأتي إلى “إسرائيل” . ففي تموز/يوليو 1966 منحت وكالة التنمية الدولية
الأمريكية قرضاً قيمته خمسون مليون دولار ل“إسرائيل” لمساعدتها على مواجهة نفقاتها من النقد الأجنبي . وفي غضون حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973 زادت أمريكا المساعدات وضاعفتها ل“إسرائيل”، وظلت المعونات الأمريكية ل“إسرائيل” تشكل العمود الفقري للاقتصاد ولآلة الحرب العسكرية في الكيان .
ويوم الأربعاء الماضي الموافق 30-7-،2014 أصدر مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع قرار يدعم “إسرائيل” في حق الدفاع عن النفس، ويرصد خمسة ملايين دولار للحصول على معلومات حول مرتكب جريمة قتل الشباب “الإسرائيليين” الثلاثة . واللافت أن مشروع القرار يدين بشدة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ويعتبره منحازاً بسبب انتقاده للحرب “الإسرائيلية” على غزة . وفي يوم الخميس الماضي، فتحت الولايات المتحدة مخزونها الاستراتيجي للأسلحة الأمريكية وزودت “إسرائيل” بكميات كبيرة من الذخائر والقذائف، وذلك بعد ساعات من قصف “إسرائيل” مدرسة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في غزة، وكأن الفلسطينيين في غزة يقاتلون الأمريكيين .
وبعد ذلك، هل يمكن ل“إسرائيل” أن تستمر في الوجود من دون مساعدات الولايات المتحدة والدول الغربية؟ هذا تحريف رهيب لمسار التاريخ وللحقيقة الواقعية . فنشأة هذا الكيان “الإسرائيلي” انطلقت من مسيرته التشاؤمية، وإن تقدمه ووجوده دون الاعتماد على الغرب هو وهم وسراب خادع . فهذه الدولة فقدت ثقتها بالإنسانية والاستقامة والتعقّل والصدق، وانطلقت من رفضها لكل قرارات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، فجعلت القوة مرشدها الأوحد . إنها تنحرف عن هدف الحياة، وتصبح عبئاً على المجتمع الدولي وعلى الإنسان وحضارته، لأنها تأسست على طريق المتناقضات والاصطدامات والعنف والقمع والحروب . وهي وصورها ووجودها تعتبر مرحلة واهية، بل شكلية كاذبة وخالية من روح الجماعة الإنسانية المتجسّدة في استمرارية الدولة إذا ما اعتقدت أن استراتيجيتها العسكرية وتفوّقها التكنولوجي سيجعلانها تتفوّق على غيرها من دون ضابط أخلاقي وإنساني . إنها من دون شك ستصبح عاجلاً أم آجلاً خارج كل ميدان، وخارج المجتمع العالمي وبعيدة عن حقائق العدالة والطبيعة البشرية، بل إن ذلك النهج سيؤدي إلى انتحارها وزوالها .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2165250

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع ارشيف المؤلفين  متابعة نشاط الموقع محمد خليفة   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165250 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010