السبت 2 آب (أغسطس) 2014

الفلسطينيون ومشاريع التهدئة

السبت 2 آب (أغسطس) 2014 par الحسين الزاوي

التردي العربي والتواطؤ الدولي جعلا القضية الفلسطينية تنتقل من مشهد عبثي متصل بمشاريع السلام إلى مشهد سوريالي آخر، يتعلق هذه المرة بمشاريع التهدئة المضرجة بالدماء وصراخ الأطفال وأنين الجرحى وبكاء النساء، وكأن سقف التوقعات بالنسبة للإنسان الفلسطيني يجب ألا يتجاوز حدود الهدنة الإنسانية التي تسمح للفلسطينيين في قطاع غزة، من الاطلاع على مقدار القتل والدمار الذي لحق بهم جراء أسابيع من القصف المتواصل من قبل طائرات ومدافع وسفن العدو الصهيوني . فقادة تل أبيب يُمعنون في استخدام القوة الغاشمة، التي تحوّلت إلى إبادة جماعية، في محاولة منهم لجعل التهدئة تبدو وكأنها تمثل إنجازاً في حد ذاته، وحتى تدفع الفلسطينيين في اللحظة نفسها إلى إعادة صياغة أولوياتهم وفق أجندة تؤدي إلى ضياع مزيد من الوقت وإلى جعل حلم الاستقلال يبتعد أكثر فأكثر .
لقد أذهلت الوحشية الصهيونية العالم وجعلت شعوب المعمورة تتحرك في كل العواصم من أجل التعبير عن غضبها واستنكارها ضد دموية وبربرية جيش دولة الاحتلال “الإسرائيلي”، الذي يقتل الأطفال الأبرياء بدم بارد ويستعمل كل أنواع الأسلحة الفتاكة والمحرمة دولياً بهدف كسر إرادة المقاومة لدى الشعب الفلسطيني، وقد وصلت صفاقة حكومة الاحتلال إلى حدودها القصوى عندما سعت إلى التهجم على كل الدول التي تجرّأت على انتقادها، وكأنها ما زالت تعتقد أنها دولة تتعالى على كل القوانين والأعراف الدولية .
ويمكن القول في سياق متصل إن العنصرية الصهيونية “لمعت” و“تألقت” خلال عقود من الزمن بفضل تحطيمها لكل الأرقام القياسية في الخسة والنذالة، وبخاصة بعد العدوان الأخير على غزة، حيث حاولت قمع كل التظاهرات التي خرجت في القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة من أجل نصرة أهالينا في القطاع المحاصر، واستعملت ضد المتظاهرين السلميين سلاحاً جديداً من القذارة، وصوّبت باتجاه أبطال وأسود الشعب الفلسطيني المقاوم خراطيم المياه القذرة الممزوجة بمبيدات الحشرات . ويبدو أن الصهاينة الذين أعماهم الحقد ونزع عنهم رداء العفة والحياء، قد نسوا أن سلاح الشرفاء لا يمكن إلا أن يكون شريفاً، وأن سلاح الأنذال لابد أن يكون في مستوى قذارتهم ونجاستهم، وبالتالي فإنه وفي اللحظة التي يوجّه فيها جيش الاحتلال نيرانه صوب الأطفال والنساء والمدنيين العزل، فإن المقاومة الطاهرة الشريفة توجه نيران بنادقها نحو عساكر العدو، لتقدم بذلك للعالم أجمع درساً بليغاً في البطولة والشرف .
إن خيار المقاومة الذي تتبناه الفصائل الفلسطينية على اختلاف توجهاتها السياسية والأيديولوجية سيظل هو الخيار الذي لا رجعة عنه، مهما حاولت سلطات الاحتلال أن تسوق للعالم الغربي المنافق، صورة مشوهة عن الكفاح الفلسطيني العادل . فقد سعى الصهاينة مرة أخرى أن يقدموا أنفسهم وكأنهم ضحايا أبرياء لصواريخ المقاومة، واستقبل نتنياهو الأمين العام للأمم المتحدة وفق مراسيم بروتوكولية غير متعارف عليها، وعوض أن يقود ضيفه نحو قاعة الاستقبال، اصطحبه دون سابق إنذار نحو معرض للصور والخرائط التي توضح - بحسب الرواية “الإسرائيلية” - الأنفاق التي أقامتها المقاومة الفلسطينية في غزة، والصواريخ التي تهدد حياة “الإسرائيليين” “الأبرياء”! . وكأننا دائماً بصدد عود على بدء، فالاحتلال الصهيوني يطبق دائماً المثل الشعبي الدارج “ضربني وبكى وسبقني وشكا”، ويبدو أن التاريخ البشري لن يشهد في المستقبل نموذجاً لجلاد يصرّ دون رجولة ولا حياء، على أنه سيظل الضحية الوحيدة والأبدية في هذا العالم .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 37 / 2181596

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

4 من الزوار الآن

2181596 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 4


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40