الجمعة 18 تموز (يوليو) 2014

ثمن الحرب على غزة

الجمعة 18 تموز (يوليو) 2014 par ناجي صادق شراب

لا مجال للمقارنة بين قوة “إسرائيل” العسكرية التي تفوق قوة الدول العربية، وقوة المقاومة الفلسطينية التي تعتمد على قدراتها الذاتية في تطوير أسلحتها، ولا مجال للمقارنة بين صواريخ “إسرائيل” المتطورة، وصواريخ المقاومة العادية، ولكن لا مجال للمقارنة أيضاً بين قدرة الشعب الفلسطيني على التضحية والصمود، وبين “الإسرائيليين” الحريصين على الحياة والخوف من قدرات المقاومة وعدم القدرة على تحمل حياة الملاجئ التي تحمل “إسرائيل” أعباء لا تحتملها لو استمرت الحرب . الفلسطينيون خسروا كل شيء إلا التمسك برفض سياسات ذل الاحتلال والحصار .
لقد آن الأوان كي يستمع العالم ومعه الولايات المتحدة إلى معاناة الشعب الفلسطيني، ورفع الحصار عنه، وفتح المعابر التي تربطه بالعالم، وتركه يمارس حياته كأي شعب عادي في أي دولة .
وبالرغم من تشكيل حكومة التوافق استمر الحصار، ومنع الأموال من الوصول إلى غزة لدفع رواتب موظفيها، والتحكم في من يدخل وفي من يخرج . هنا برز مفهوم جديد للمقاومة الفلسطينية، وهذا الدور الجديد ينحصر في رفع الحصار وفتح المعابر من خلال خلق واقع سياسي جديد، تتغير معه معادلة القوة التي تحكم غزة و“إسرائيل”، صحيح أن “إسرائيل” تتحكم في منافذ غزة البرية والبحرية والجوية، وتمارس سياسة الحصار رغم اتفاق التهدئة الذي وقع في أعقاب حرب ،2012 التي لم تلتزم بها “إسرائيل” . إذن المشكلة لا تكمن فيمن بدأ الحرب، ولكن في عدالة الموقف الفلسطيني، والعدالة الإنسانية في رفع الحصار وفتح المعابر حيث تخاذل العالم في العمل على رفعهما، والأكثر غرابة كيف يطلب من الشعب الفلسطيني الالتزام بالسلام، والمفاوضات ونبذ العنف، و“إسرائيل” تمارس هذا الحصار، أليس ذلك شكلاً من أشكال العدوان الذي يجب على الشعب الفلسطيني التصدي له ووقفه؟
هذه الحرب لن تكون مثل سابقتيها، ولن تنتهي بمجرد توقيع اتفاق تهدئة، لأن التهدئة لم تعد هدفاً في حد ذاتها، بل ستخلق واقعاً جديداً على كافة المستويات، هي بداية التأسيس لمرحلة جديدة، تتغير فيها معادلة العلاقة مع غزة ليس في إطار منفصل ولكن في إطار الكل الفلسطيني . وبناء عليه ستفرض هذه الحرب اتفاقاً جديداً أقرب إلى الاتفاقات المكتوبة وبضمانات إقليمية ودولية، حتى لا يعود سيناريو الحرب من جديد، وهذا الاتفاق لن يكون اتفاقاً أحادياً أو مختزلاً بالحالة الفلسطينية في غزة فقط، وإلا ستكون نتائجه سلبية، ينبغي أن يرتبط أولاً بالحالة الفلسطينية كلها على مستوى كل الأرض الفلسطينية في الضفة وغزة، وحتى في إعادة التعامل مع المواطن الفلسطيني الذي يعاني الاحتلال . وهذا يتطلب من المقاومة أن تدرك ذلك، وأن لا تذهب بعيداً في هذا الاتفاق عن الإطار الكلي للسلطة، وإلا ستكون أبرز نتائجها السياسية السلبية تعميق حالة الانقسام والانفصال، وهذا ما ينبغي تفاديه . وستنعكس هذه الحرب أيضاً على دور المقاومة عموماً بأن تعيد تقييم دورها في إطار الكل الفلسطيني، وأن دورها لا يأتي على حساب دور أي قوة أخرى بل مكمل لها، وأيضاً إعادة تقييم علاقاتها الإقليمية والدولية، خصوصاً مع مصر التي لها دور مباشر في تحديد مستقبل غزة . ولعل ما هو سلبي هو الثمن السياسي للحرب على المستوى الفلسطيني، خصوصاً تجاه مستقبل حكومة التوافق الوطني، لأن أصواتاً كثيرة بدأت تخرج حتى قبل انتهاء الحرب لتعلن عن نهاية هذه الحكومة، هذه السياسة ستعيدنا إلى المربع الأول، وستكون لها نتائج خطيرة على مستقبل القضية الفلسطينية، ومن النتائج المهمة التي لا بد من لفت الانتباه إليها واحتوائها الحديث عن أن منظمة التحرير الفلسطينية لم تعد هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني بل المقاومة .
ولعل من التداعيات السياسية المهمة التي ينبغي تناولها بشيء من الوضوح والصراحة والشجاعة أيضاً مفهوم المقاومة، وأي مقاومة مطلوبة، المقاومة العسكرية أم المقاومة الشعبية، وتحديد المفاضلة بين خيارات المقاومة وليس فقط المفاضلة بين خيارات المقاومة والمفاوضات . ومن التداعيات السلبية التي قد تفرزها هذه الحرب ترسيخ الثقافة الفصائلية، وكأن المقاومة رهينة فصيل واحد، والحقيقة أن المقاومة كل لا يتجزأ، كما أن الشعب الفلسطيني كل لا يتجزأ، كما أن الأرض الفلسطينية واحدة لا تتجزأ . فالذي يدفع الثمن في النهاية هو الشعب الفلسطيني كله، والمقاومة تستمد شرعيتها من الشعب نفسه . هذه بعض التداعيات السياسية أو النتائج السياسية التي قد تسلبنا حجم التضحية التي قدمها الشعب الفلسطيني في هذه الحرب .
الحرب في النهاية هي امتداد للسياسة، ولعل أهم أهدافها هو تفعيل المصالحة الفلسطينية بكل مستوياتها .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2176721

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

7 من الزوار الآن

2176721 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40