الجمعة 11 تموز (يوليو) 2014

حتى يبقى العرب ومعهم القضية المركزية

الجمعة 11 تموز (يوليو) 2014 par رغيد الصلح

اختلف مضمون النداء الذي وجهه إسماعيل هنية، رئيس الحكومة الفلسطينية المنتهية ولايتها، إلى القيادات الفلسطينية عن ندائه إلى جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي . ففي ندائه إلى الفلسطينيين تحدث هنية بلغة السياسة التي هي - فن الممكن - إذ طالب أقرانه بالاجتماع لبحث الأوضاع الراهنة واتخاذ موقف موحد مع السعي لحماية اتفاق المصالحة . هذا الطلب سهل التنفيذ، رغم التباعد بين بعض المنظمات الفلسطينية وخاصة فتح وحماس . بالمقارنة فإن النداء إلى الجامعة والمنظمة الإسلامية يضفي على صاحبه صفة الداعية إذ طالبهما باتخاذ “قرارات عملية من أجل حماية الشعب الفلسطيني” و“كبح جماح العدوان” فعلى الأرجح أن الزعيم الفلسطيني يدرك أن لا الجامعة ولا المنظمة قادرتان على حماية الفلسطينيين أو ردع “الإسرائيليين” . رغم ذلك فقد أصاب هنية عندما خرج عن تقليد مألوف درجت عليه قيادات فلسطينية في تعاطيها مع النظام الإقليمي العربي .
فإبان الظروف الصعبة التي كانت تمر بها حركة المقاومة الفلسطينية، كان من المعتاد أن تبادر إلى طلب تدخل جامعة الدول العربية ومساعدتها للتغلب على الأخطار المحدقة بها . كان التوجه إلى الجامعة بطلب المساعدة مصيباً من حيث المبدأ، ولكن مثيراً للجدل أحياناً . فمن حيث المبدأ كانت مطالبة القيادات العربية النظر في الاوضاع الفلسطينية واتخاذ التدابير لحماية شعب فلسطين ونصرته على الاحتلال والعدوان، تعبيراً ملموساً عن الفكرة القائلة: إن قضية فلسطين هي قضية عربية مركزية أو حتى قضية العرب المركزية، وعن الفكرة القائلة أيضاً : إن المشروع الصهيوني لا يشكل خطراً على الفلسطينيين وحدهم بل على العرب إذ إن الأهداف الاستراتيجية لهذا المشروع تشمل، كما قال أرييل شارون، المنطقة “الممتدة من المغرب إلى كراتشي ومن جنوب روسيا إلى وسط إفريقيا” .
إذاً، من حيث المبدأ كان هذا الموقف سليماً، وجديراً بالتأييد والمساندة، ومنسجماً مع المبادئ التي تأسست عليها الجامعة ومع الحوافز التي دفعت إلى تأسيسها . لقد كان الخوف من استيلاء الصهاينة على فلسطين الحافز الرئيسي وراء قيام الجامعة . ولهذا فإنه من الطبيعي أن يلجأ الفلسطينيون وأن تلجأ قيادات عربية إلى تحريك الجامعة كلما صعّدت “إسرائيل” من عدوانها على الفلسطينيين والعرب . ولكن هل كانت الرغبة في نجدة الفلسطينيين دوماً وراء اللجوء إلى النظام الاقليمي العربي ومؤسساته الجماعية؟ لو كانت هذه هي فعلاً الرغبة وراء هذه الخطوة لوجب أن تقترن بالتمسك بالنظام الاقليمي العربي وبالمبادئ التي قام عليها، وبالعمل الدؤوب من أجل إقالة هذا النظام من عثراته . ولكن الواقع كان غير ذلك . ففي أغلب الأحيان كان الالتجاء إلى الجامعة بقصد استخدامها كمشجب تعلق عليه الأخطاء والتقصيرات التي ارتكبها الآخرون، كما يقول وحيد الدالي في كتابه “أسرار الجامعة العربية وعبد الرحمن عزام” . فكثيراً ما تحولت الاعتداءات الخارجية على الفلسطينيين والعرب إلى ما يشبه كرة النار التي يرغب الجميع في الابتعاد عنها وإحالتها إلى الآخرين . وكثيراً ما نجحت الأطراف المعنية في إبعاد كرة النار هذه عن أنفسهم وإلقائها في نهاية المطاف في حضن جامعة الدول العربية . إن هذه الجامعة التي تحولت، بسبب الحكومات العربية نفسها، إلى ما يشبه متحف السياسة العربية وخزانة الأرشيف فيها ومخبأ عوراتها وعثراتها، باتت مطالبة بصد العدوانات على الفلسطينيين وإنقاذ القضية الفلسطينية هذا فضلا عن القضايا العربية الاخرى المستجدة في أيامنا الراهنة .
ولكن كما يعلم القادة الفلسطينيون، فإنه من الطبيعي أن يسعى الذين يعتبرون القضية الفلسطينية، قضية مركزية قومية إلى تعزيز وتنمية مؤسسات العمل العربي المشترك لكي تقوم بواجبها كاملا في احتضان القضية الفلسطينية وتقديم كل انواع الدعم لها وللشعب الفلسطيني بما في ذلك بالطبع تنمية القدرات العسكرية والاقتصادية والسياسية والعلمية العربية . ففي الحرب المشتركة التي خاضها الحلفاء ضد الهتلرية، أمدت الولايات المتحدة وبريطانيا “الحليف” السوفييتي بكل ما احتاجه من سلاح وغذاء وآليات حتى يتمكن من الصمود في وجه العدوان النازي، ولولا ذلك لما تمكن الحلفاء من الانتصار على الهتلرية . ومن أجل الانتصار على الصهيونية، لا بد للذين يقفون في خط المواجهة ضد “إسرائيل” أن يكونوا في صدارة الحريصين على مصالح المجتمعات العربية المشتركة وبين أوائل المتحمسين للعمل العربي الجماعي وفي مقدمة مولدي الافكار والمشاريع الآيلة إلى النهوض بالمنطقة العربية . فهل نجد في سجل السياسة العربية ما يؤكد صواب هذه التوقعات؟
في هذا السجل نجد أن القيادات الفلسطينية لعبت دوراً بالغ الأهمية، وعبر عقود طويلة من الزمن في إيقاظ الوعي العربي وتنمية الشخصية الجماعية العربية وتحديد أهداف العمل السياسي العربي . ولكن امام الكبوات والعثرات التي تعرض لها العمل الفلسطيني والعربي، اعتبرت قيادات فلسطينية ان الاهتمام الفلسطيني بالقضايا العربية كان عبئاً على العمل الفلسطيني وانه من الافضل للفلسطينيين ان ينصرفوا إلى تركيز كل جهودهم على القضية الفلسطينية وحدها مع البقاء في ساحة العمل العربي في الحدود التي تسمح بإضفاء قضية العرب المركزية على القضية الفلسطينية . ولكن هذه المعادلة صعبة التطبيق . فمن الصعب أن يضفي الفلسطينيون على القضية الفلسطينية الطابع المركزي إذا قننوا اهتمامهم بالسياسة العربية وإذا تعاملوا مع الهموم والمشاغل العربية العامة - وأكثرها هموم فلسطينية - بالقطارة، وإذا مروا بالسياسة العربية مروراً عابراً . فكيف لهم أن يستنصروا، مثلاً، بالنظام الإقليمي العربي اذا كانت مؤسساته عاجزة ومشلولة؟
إذا لبت القيادات الفلسطينية نداء إسماعيل هنية فنرجو أن تدرج على جدول أعمالها بنداً مؤجلاً ألا وهو النظر في مشروع فلسطيني من أجل إصلاح مؤسسات العمل العربي المشترك . فحتى الآن كان من المألوف أن يركز مندوبو فلسطين في هذه المؤسسات على نشاطها ومساهماتها في الحقل الفلسطيني . فقل أن حمل زعيم فلسطيني إلى مؤتمرات القمة العربية مشروعاً لتعزيز الشراكات العربية-العربية في مجال الاقتصاد أو الأمن أو الثقافة أو السياسة . وقل أن دعا زعيم فلسطيني بلغة صادقة ومقبولة القيادات العربية الأخرى إلى تطوير البنى الإقليمية العربية وقدم لهم مشاريع ملموسة على هذا الصعيد . إن هذه المشاريع سوف تخدم قضية فلسطين وقضية كل بلد عربي مثلما تخدم القضية العربية .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 6 / 2178810

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2178810 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40