الخميس 22 تموز (يوليو) 2010

النرجيلة والحصار

الخميس 22 تموز (يوليو) 2010 par حسام كنفاني

لا تكفّ حكومة «حماس» عن مفاجأتنا بقرارات لا تنمّ إلّا عن عدم نضج أو مراهقة سياسية، رغم فترة حكمها لقطاع غزة التي تجاوزت السنوات الأربع. فترة لا بد أن تكون كفيلة ببلورة مفهوم واضح من الحكم الذي تريده الحركة الإسلامية، أو الذي تسعى إلى ترسيخه. مفهوم بات واضحاً أنه ذو توجّه إسلامي متزمّت. لكن المشكلة أنّ «حماس» تصر على نفي ذلك، رغم أن كل ما تتخذه من قرارات أو تصدره من أوامر، وخصوصاً في فترة الصيف، يصبّ في هذه الخانة.

آخر قرارات الحكومة «الحمساوية» كان منع النساء من تدخين النرجيلة في المقاهي، وعلى شاطئ بحر غزة بذريعة «الحفاظ على القيم والتقاليد». قرار دائماً ما تُتبعه حكومة إسماعيل هنيّة بآخر ينفي إنشاءها شرطة «أمر بالمعروف ونهي عن المنكر»، على غرار تلك القائمة في المملكة العربية السعوديّة. إذا كان الأمر كذلك، فمن نصّب الحكومة حارسة على «العادات والتقاليد»، هذا إذا صدق أنّ تدخين النرجيلة منافٍ لهذه العادات والتقاليد.

من المعلوم أنّ وظيفة الحكومة في أيّ مكان في العالم، وقطاع غزة جزء من هذا العالم، رغم واقعه الفريد، هي السهر على تطبيق القوانين القائمة، أو العمل على اشتراع قوانين في المجلس التشريعي تتوافق مع توجهاتها السياسية أو الدينية. لكن في غزّة خصوصاً، وفي أراضي السلطة الفلسطينية عموماً، لا وجود لمثل هذا المجلس بفعل حال الانقسام القائم بين حركتي «حماس» و«فتح»، ما فتح الباب على مصراعيه أمام قرارات بلا حسيب ولا رقيب، سواء من حكومة غزة أو تلك القابعة في رام الله. على هذا الأساس تأتي مشاريع سلام فيّاض لقيام الدولة أو غيرها، التي تثير الكثير من الاعتراض من أطراف داخل منظمة التحرير. وعلى هذا المنوال، تُصدر حكومة هنية قرارات «الأسلمة» تحت غلاف العادات والتقاليد.

وبالعودة إلى قرار النرجيلة الأخير وتطبيقه، فمن المؤكّد أن لا نص قانونيّاً يجيز لـ«حماس» منع النساء من تدخين النرجيلة في العلن. الحركة لجأت إلى قرار من وزارة الداخلية، غير خاضع للمساءلة، لتطبيق هذا الأمر. تماماً كما لجأت في السابق إلى قرار فرض الحجاب على المحاميات، الذي ما لبثت أن تراجعت عنه، وحتى تنصّلت منه، تحت ضغط الاعتراضات.

الاعتراضات على القانون الجديد ستبدأ، لكن أثرها سيكون أقل من تلك الخاصة بالمحاميات، على اعتبار أنها تطاول شريحة اجتماعية لا ناظم لحراكها، باستثناء هيئات حقوق الإنسان، التي أطلقت مجموعة من الانتقادات من دون أن تغيّر، إلى الآن، في واقع الحال شيئاً.

اللافت في القانون الجديد هو استهدافه النساء دون غيرهن من الفئات الاجتماعية. استهداف تضاربت تبريرات مسؤولي الحكومة في غزة بشأنه بصورة مضحكة. أحد المسؤولين يشير إلى «أنّ القرار اتُّخذ لأنّ (تدخين النساء للنرجيلة)، يتنافى مع العادات والتقاليد والأوضاع الاجتماعية في قطاع غزّة، وأنه من غير اللائق، أن تضع المرأة قدماً على قدم وتدخّن النرجيلة أمام الناس، في مشهد يضر بصورة شعبنا الذي يعاني وطأة الحصار وتداعياته التي طاولت جميع مناحي الحياة».

تبرير عبقري يربط بين تدخين النساء، وفقط النساء، للنرجيلة ووطأة الحصار. كأنّ هذه الوطأة ستخفّ إذا منعت هذه «الآفة». أمّا الرجال، فلا علاقة لتدخينهم بالحصار، بل ربما يجد مسؤولو «حماس» أن تدخينهم يُعدّ جزءاً من تنفيث الهموم الناتجة من الحصار.

من هنا يمكن التطرّق إلى التبرير الثاني، الذي أعلنه مسؤول آخر في حكومة الحركة الإسلامية. هذا المسؤول يضع القرار الأخير في إطار المقارنة بقرارات الدول الأوروبية، وغير الأوروبية، بمنع التدخين في الأماكن العامة. مقارنة محقّة في الإطار المنطقي، لكن فات المسؤول الإشارة إلى أنّ المنع كان عاماً، ولم يقتصر على جنس دون آخر من باب أنّ «تدخين المرأة للنرجيلة عورة». كما أنّ القرارات الأوروبية، وغير الأوروبية، لم تستهدف النرجيلة دون غيرها من العادات التدخينيّة. وإذا كانت الحركة حريصة إلى هذا الحدّ على الصحة العامة في غزة، فالأجدر بها منع التدخين منعاً عاماً، وما كان لأحد حينها أن يعترض على قرارها، ولا أن يضعه في إطار تمييزي أو إسلامي.

لكن الأمر لا هو في إطار الحفاظ على الصحة ولا المحافظة على وطأة الحصار، إنه جزء من «العادات والتقاليد»، لكن وفق منظور وتفسيرات الحركة الإسلامية. منظور حالي يأتي استكمالاً لما بدأ الصيف الماضي عبر حملة «نعم للفضيلة». حملة تتابَع اليوم عبر جولات المشايخ على الشواطئ، وملاحقات «خيّالة الشاطئ» لأي شبهات «خادشة للحياء».

قرار النرجيلة جزء من أسلوب حكم، ومن غير الجائز ربطه بالعادات والتقاليد، وكأنّ هذه مستجدة على الوضع الاجتماعي في القطاع، وهو ليس نابعاً من ثقافة المقاومة وكسر الحصار، التي لا يمكن أن تستمر من دون هامش واسع من الحريّة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2178417

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2178417 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40