الأربعاء 2 تموز (يوليو) 2014

السياسة الأمريكية . . للمرة الألف

الأربعاء 2 تموز (يوليو) 2014 par عوني صادق

تصريحان غير مألوفين صدرا في يومين متتاليين، الأول صدر عن الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وتعلق بالوضع في سوريا والمعارضة السورية، والثاني صدر عن وزير خارجيته جون كيري، وتعلق بالوضع في العراق والمعارضة العراقية، وأكد التصريحان معاً أهداف السياسة الأمريكية القديمة - الجديدة في المنطقة العربية للمرة الألف كما كانت دائماً، معادية للأمة العربية وطموحاتها وحقها في الحياة والحرية والتقدم .
في التصريح الأول، اكتشف الرئيس أوباما، بعد أكثر من ثلاث سنوات قضاها يتظاهر بتأييد الشعب السوري وحقه في التخلص من الاستبداد، اكتشف أنه من قبيل “الفانتازيا” الاعتقاد بأن “معارضة معتدلة في سوريا قادرة على إسقاط نظام بشار الأسد”! إذاً، لماذا كان تبنيه تلك “المعارضة” كل هذه السنوات، وحتى الآن؟ وعلى أي أساس كانت مطالباته لبشار الأسد بالتنحي؟ والجدير في التوقف عنده، هو كيف تأخر هذا “الاكتشاف” مع وفرة المستشارين، وكثرة “خزانات التفكير” لدى الرئيس الأمريكي، وماذا كان ينتظر وهو الذي أصرّ طوال الوقت على ألا تزود المعارضة بأي “سلاح نوعي”، وأن يقتصر الأمر على تزويدها فقط ب“أسلحة غير فتاكة”! أما تصريح كيري، فجاء مكملاً لتصريح رئيسه، وإن بدا متناقضاً معه، حيث دعا “المعارضة المعتدلة في سوريا” إلى مساعدة العراق في صد “المتطرفين الإسلاميين”، وليس محاربتهم في سوريا فقط .
وقبل التصريحين “الصادمين” للرئيس الأمريكي ووزير خارجيته، كان القرار قد صدر بإرسال (400 مستشار عسكري وأمني أمريكي) لتقديم “المساعدة الاستخبارية للجيش العراقي، ولحماية السفارة الأمريكية”، ثم قرار آخر بإرسال “طائرات من دون طيار” لتقديم العون والمساعدة للجيش العراقي، ومنع المتطرفين الجهاديين من الوصول إلى بغداد“! وقد جاء القراران بعد حصول وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) على”الحصانة القضائية“بشأن ملاحقة الجنود الأمريكيين، والتي كان نوري المالكي قد رفضها أثناء توقيع”الاتفاقية الأمنية" مع واشنطن في العام 2011 .
وقد رأى البعض في الخطوتين السابق ذكرهما “عودة للاحتلال الأمريكي إلى العراق”، كما رأوا فيه “إعادة بسط النفوذ الأمريكي على العملية السياسية برمتها”، ما يفيد أن هذا البعض يرى أن الاحتلال الأمريكي كان قد انتهى في العراق مع انسحاب قواته العسكرية، وأن “العملية السياسية” كانت ستضعه على طريق الاستقلال واسترداد السيادة ! لكن المتابع لمجريات الأمور في العراق، يجد بسهولة أن الاحتلال الأمريكي لم يغادر العراق، لكنه تقاسم النفوذ فيه مع إيران . وأن “العملية السياسية” المزعومة، كانت استمراراً لنظام طائفي وضع أسسه الاحتلال الأمريكي .
الآن وقد باشر “المستشارون العسكريون والأمنيون” الأمريكيون، وباشرت “الطائرات من دون طيار” مهامهم ومهامها، في “دعم وإسناد الجيش العراقي”، تنضم العراق إلى باكستان واليمن، وغيرهما من البلدان التي تشهد نشاطاتهم منذ سنوات، ويصبح واضحاً أن الولايات المتحدة لا تريد من ذلك حماية بغداد، ولا حتى حماية المالكي، أو سحب البساط من تحت أقدام إيران، بل أرادت الحماية والحفاظ على “الوضع القائم” في العراق واستمراره، كما حافظت على “الوضع القائم” في سوريا بطرق أخرى خلال السنوات الماضية، وذلك استمراراً لتدمير الجيش والاقتصاد وكل البنى التحتية والفوقية في البلدين، لتصبح (أمريكا) قادرة، في وقت لاحق، على فرض ما لديها من مخططات جاهزة لإعادة رسم المنطقة العربية ضماناً لمصالحها، ولأمن وتوسع وهيمنة “دولة إسرائيل”، مثلما ضمنت لها الأمن والتوسع والهيمنة في فلسطين بالإبقاء على المفاوضات العبثية أكثر من عشرين سنة . وفي الوقت الذي تبرر فيه الولايات المتحدة تدخلها في العراق و“تدخلها” في سوريا بحجة “مكافحة الإرهاب والإرهابيين”، تتعامى وتتجاهل ما يجري في فلسطين المحتلة، كأن ما يفعله الجيش “الإسرائيلي” في الضفة الغربية وقطاع غزة له اسم آخر غير “الإرهاب”، وكأن قواته تستحق اسماً غير “الإرهابيين”، حيث ارتكبت القتل والخطف والترويع، بل والسرقة أيضاً، من خلال الحملة القمعية المستمرة منذ أسبوعين بحجة “اختطاف” ثلاثة من الجنود المستوطنين المتطرفين، لم تقدم حكومة نتنياهو دليلاً واحداً على اختطافهم من قبل الفلسطينيين .
السؤال الذي يجب ألا يغيب عن البال، والذي يفرضه الموقف الأمريكي مما يجري في العراق، هو: لماذا لم تتحرك لدى الإدارة الأمريكية حمية “مكافحة الإرهاب” في سوريا؟ لماذا لم تساعد إدارة أوباما “المعارضة السورية المعتدلة” في سوريا لتواجه “داعش”؟ هل “داعش” في سوريا غير “داعش” في العراق؟ هل “داعش” في سوريا “معتدلة”، وفي العراق “متطرفة وإرهابية”؟! البعض رأى أن “مقاربة أمريكية مختلفة” في العراق عنها في سوريا، لأن الولايات المتحدة هي التي أسقطت النظام في العراق، وهي التي جاءت بنوري المالكي حاكماً للعراق بعد الحاكم الأمريكي بريمر، لكن ذلك لم يحدث شيء منه في سوريا! والحقيقة أن الولايات المتحدة جاءت بالمالكي وأيدته ودعمته لأنه كان الأداة المطلوبة لتحقيق الأهداف الأمريكية “باعتباره كان الأفضل في ضبط الأمور” . . وهو ما لم يكونوا بحاجة إليه في سوريا! ويبدو أن المالكي لم يعد قادراً على “ضبط الأمور”، فعادت لتجد الأفضل لخلافته، والهدف نفسه لم يتغير: استمرار الحرب الطائفية وعملية الاستنزاف للعراق والعراقيين، كما يجري استنزاف سوريا والسوريين .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2165543

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2165543 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010